الأزمة التي تعيشها سورية حاليًا انعكست على جميع المجالات بما فيها الثقافية والاقتصادية والتي بدورها أثرت على الدراما التي تعتبر شكلاً من أشكال الثقافة ومورداً اقتصادياً هاماً في السنوات الأخيرة، لذلك لحقها الضرر الأكبر. فبعد أن بلغ إنتاج المسلسلات السورية في بعض الأعوام ما يقارب الخمسين عملاً ولم تعد أي محطة تلفزيونية أرضية وفضائية إلا وتعرض الكثير من هذه الأعمال وتم الاستعانة كذلك بالعديد من السوريين في مجال التحسين الدرامي وذلك لزيادة التسويق أخذت الأمور تنقلب لعكسها. إلا أن مشكلة الدراما في سورية لم تبدأ مع الأزمة الحالية فقط لأنها تأثرت بالحالة السياسية سابقاً ولكن ليس بنفس الحجم فتأرجحت بورصة المسلسلات منذ عام 2008 حتى اليوم بين الصعود والهبوط وحاول صنّاع الدراما السورية من ذلك الوقت دراسة وبحث الأسباب والمسببات للتأرجح الحاصل، فكانوا في أغلب الأوقات يُرجعون اللوم والملامة إلى مشكلة التسويق والسوق وشركات الإنتاج الخليجية وحاولوا إنشاء شركات إنتاج سورية خالصة كون الدراما باتت مورداً اقتصادياً لا يمكن الاستغناء عنه. السؤال الأهم حاليًا: ما أثر الأزمة في سوريا على الدراما؟.. لاشك بأن العقوبات المفروضة على سورية انعكست على الفن ولم يتمكن صناع الدراما من تجاوزوها رغم عدم التوقف عن الإنتاج مع بداية اندلاع الثورة العام الماضي حتى الآن وظهر ذلك جلياً من خلال قلة عدد المسلسلات السورية وعدم وجود الأسواق لها وتقنين المحطات الفضائية لعرضها والتفات المشاهد العربي أخيرًا للقنوات الإخبارية بسبب ما دعي بالربيع العربي والأكثر من هذا وذاك هو إعطاء أغلب الفضائيات الأولوية لعرض أعمالها، ليس هذا فحسب، بل هناك إشكاليات طالت الفنانين السورين العاملين بالدراما وذلك من خلال الشللية السياسية التي ظهرت وتصنيفاتها بتصريحات الفنانين عبر وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية فكانت القوائم السوداء أو قوائم العار أي الموالين للنظام وغير الموالين الذين ساندوا الثورة، خاصةً أن هناك بعض الفنانين السوريين الموالين يُعتقد بأنهم صنيعة لضباط الأمن الهامين الذين دعموهم ومنهم من كان يتلقى دعماً ليقدم عروضًا يمكن أن تعتبر ناقدة للنظام وتظهر الفساد في أعمالهم لكن بالحقيقة كانوا يعملون بتصريح مسبق لذلك كان موقفهم موالي لأرباب نعمهم. وهناك البعض من الفنانين آثر أن يكون ضمن الأغلبية الصامتة في المجتمع السوري أو قام بتغيير مكان إقامته حتى تنتهي الأحداث ونأى بنفسه عن المشاركة بأي شيء له علاقة بالأزمة حتى تتجلى الصورة. وأما الفنانين الذين ساندوا الثوار وتحدثوا ضد النظام فأكثرهم تعرّض لمشاكل وقلاقل وفضّل الابتعاد عن الساحة السورية خوفًا على نفسه ولم يجد عملاً ضمن الأعمال السورية التي تم إنتاجها هذا العام لأن الانقسام الحاصل في الشارع الشعبي انعكس على الشارع الفني والبعض فضّل المشاركة في الأعمال المصرية واللبنانية التي ستنعش هذا العام. كل ما ورد من أسباب إضافة إلى الشارع السوري المنتفض كان عائقًا وساهم سلبًا لتتخلى الدراما السورية عن العرش الذي تربعت عليه في الأعوام السابقة وبعد أن كان من المتوقع هذا العام إنتاج 30 عملاً انتهى تصوير 12 مسلسل ولم يكتمل حتى الآن تسويق إلا 7 منها وحسب الاعتقاد المقرر أن يصل العدد إلى 15 عملاً كأقصى فيكون عام 2012 أسوأ الأعوام في تاريخ الدراما السورية الحديثة. ومن الأعمال الجديدة: «المفتاح» للكاتب خالد خليفة والمخرج هشام شربتجي والذي انتهى تصويره مؤخرًا، و«المصابيح الزرق» للكاتب محمود عبدالكريم والمخرج فهد ميري عن رواية للأديب الكبير حنا مينة الذي يجري تصويره حالياً، وكذلك «الأرواح العارية» للكاتب فادي قوشقجي والمخرج الليث حجو الذي يستعد للانطلاق بعمليات التصوير والأعمال الثلاثة من إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني ولوحات تحت عنوان «هات من الآخر» تأليف مجموعة من الكتاب وإخراج أسامة الحمد ولوحات أخرى تحت عنوان «حصان طروادة» للمخرج الحمد نفسه، وهذان العملان للعرض خارج السباق الرمضاني، في حين أن شركة سورية الدولية بدأت موسمها بمسلسل «سيت كاز» للمخرج زهير قنوع وتستعد لمسلسل «سكر مالح» للمخرج المثنى صبح ومن تأليف أمل عرفة وبلال شحادات، في حين أن الشركة أعلنت عن استقبال لوحات للجزء التاسع من «بقعة ضوء» للمخرج عامر فهد، كما بدأت شركة الخيام بتصوير مسلسل «الأميمي» للمخرج تامر اسحاق والكاتب سليمان عبدالعزيز، وبدأت المخرجة رشا شربتجي بتصوير مسلسل «بنات العيلة» تأليف رانية بيطار وإنتاج شركة كلاكيت وتنتظر شربتجي انتهاء نص «الجزء الثاني من الولادة من الخاصرة» للكاتب سامر رضوان للبدء بتصويره، وكذلك تستمر شركة الخير وتحت إدارة المخرج سامي الجنادي بتصوير مسلسل «إمام الفقهاء الصادق» للكاتب حامد العلي. وهناك بعض الأعمال الكوميدية التي تعتبر تكراراً لأعمال سابقة و المسلسلات الشامية التي لا بد من وجودها لاعتبارها هامة وسهلة في التسويق وظهر فيها هذا العام أسماء لكتّاب وعاملين جدد ربما يجد المشاهد فيها تغيير عن النمطية التي سادت في الفترة الأخيرة فيها. هذا الانحسار لمد الأعمال السورية والأزمة التي تعانيها مع البلاد جاء على العكس بالخير على باقي أنواع الدراما العربية لتنطبق على ذلك حكمة مصائب قوم عند قوم فوائد، لنجد الانتعاش عاد ثانيةً للإنتاج الدرامي المصري رغم ثورة يناير وتبعاتها من إشكاليات. فقد تم إنتاج 33 مسلسل مصري هذا العام ظهر فيها أسماء نجوم كبار مثل عادل إمام ومحمود عبدالعزيز ويحيى الفخراني ونور الشريف ما يعني أن التنافس سيكون شديدًا مع باقي أنواع الدراما، إلا أن أسواق القنوات الفضائية عملت على الحد من انتشار الأعمال المصرية أمام غيرها فعمدت لتوقيع بروتوكول بأن لا يتجاوز عدد المسلسلات المصرية التي تعرض على شاشاتها سوى عملين لفتح المجال أمام الأعمال الخليجية التي دخلت المنافسة في السوق بالفترة الأخيرة، والمفاجأة الأهم هذا العام هو دخول المسلسلات اللبنانية حلبة المنافسة بدعم لها كتعويض عن الأعمال السورية ومن أهم المسلسلات اللبنانية التي ستدخل المنافسة هذا العام «روبى» الذي تقوم ببطولته اللبنانية سيرين عبدالنور وتعاقدت عليه قنوات بانوراما دراما وقناة mbc التي تعرضه قريبًا ومسلسل «أجيال» من 90 حلقة. كما يتم تصوير المسلسل اللبناني الكوميدي «غزل البنات» للمخرجة اللبنانية رندلى قديح وتعاقدت على عرضه حصرياً قناة روتانا مصرية ليكون بديلا على الشاشة للمسلسل السوري «صبايا» الذي كان يعرض كل عام بأجزائه المختلفة على قناة روتانا خليجية ومصرية، والمسلسل المشترك «المرافعة» الذي يتناول قصة حياة الفنانة اللبنانية الراحلة سوزان تميم وهو إنتاج لبناني مصري وتقوم ببطولته اللبنانية نادين نجيم. وفي العودة لأثر الأزمة على الأعمال الفنية في سورية نجد أنها أفرزت العديد من الأسئلة حول ماهية الفترة بالنسبة للدراما منها.. هل سيتناول الدراميون الأزمة في أعمالهم؟ وما الملامح الجديدة للدراما السورية في ظل الأزمة، وهل الرؤيا واضحة في هذا الموضوع للعاملين في حقل الدراما السورية حتى يقدموا ملامح الأزمة والثورة في المسلسلات؟ وهل شركات الإنتاج السورية التي تخضع طبعا للرقابة تسمح بذلك؟. هنا يبقى الجواب مبهماً كون الرؤيا عند أغلب صنّاع الفن غير واضحة، إضافة لأن غالبية المسلسلات التي أُنجزت أو يتم إنجازها تم فيها تحييد جميع الفنانين الذين تحدثوا ضد الحكم. الأزمة وأثرها على الدراما السورية لا شك أن هذا الموضوع أصبح من المواضيع الهامة هذا العام وتباينت الآراء حوله وهنا نستعرض بعضاً من الآراء حول الأزمة وأثرها على العمل الدرامي السوري والنتائج التي سيترتب عنها انسحاب الدراما السورية من المنافسة الفنية والمهرجان الدرامي الرمضاني؟.. يقول المخرج علاء الدين كوكش: اعتقد أن الأزمة تنعكس على العمل بشكل كامل ولكني لا أستطيع التنبؤ بمدى أو كيفية هذا التأثر لكن إذا ما تمَّت معالجتها بالشكل الصحيح فمن المفترض أن تصبح النصوص مختلفة وذات معالجة جديدة للواقع والمشكلات، لكن النتائج لا تزال مجهولة ويصعب تحديد ملامحها حالياً وتحتاج لوقت ولا أعتقد أن معالم الدراما الجديدة يمكن أن تتّحد قبل عام أو عامين، وأتمنى أن يكون ما يحدث هو مقدمة للتغيير الحقيقي والمهم للدراما لشدّ الانتباه إلى واقع المجتمعات العربية لأنه من المفترض أن تسهم الأزمة في رفع سقف الرقابة وأن تشجع القيادات الفنية والجهات المعنية على الخوض في موضوعات كانت من التابوهات. وأضاف كوكش: بعد الأزمة سننظر أفقاً جديدة قد تُفتح أمام كتّاب النص الدرامي، فيما لو تم التعامل مع الأزمة بشكل إيجابي وأتوقع أن تغدو بعد ذلك الأعمال السورية جريئة وقوية ورغم أن الحصار على سورية سيؤثر على عدم شراء الأعمال وقلة تسويقها، لكن عرضها على القنوات السورية سيجذب المشاهدين من المحطات الأخرى. وعن تناول الأزمة في الأعمال الدرامية حاليًا، قالت الفنانة كيندا علوش: أنا ضد تلك الأعمال مليون بالمائة لأن الأزمة في سوريا مؤلمة جدًا لكل الأطراف وذهب فيها شهداء وأطفال وأبرياء ومن الخطأ أن نتعامل في أعمالنا الدرامية وخاصةً تلك الأعمال الكوميدية التي تتعامل مع الأزمة بسخرية وتستخف بأوجاع الناس، خاصة وأن الأحداث في سوريا لا تزال ساخنة جدًا وفيها أمور كثيرة غير واضحة المعالم لكل الناس وحتى أنا ضد تقديم أعمال جدّية أيضًا حول الأزمة لأنها ستجلب التشويش على المتلقي ويكفي التلاعب الذي حدث للمتلقي من إعلامنا السوري أولاً والإعلام الخارجي ثانيًا. وأضافت علوش: يجب علينا نحن الفنانين وصنّاع الدراما ألا نشوّش الناس أكثر ما هم مشوشين، فهناك أُسر فقدت أولادها وأشخاص مقرّبين سواء من الجيش أو المدنيين، والمحنة كبيرة جدًّا. المخرج الكبير محمد عبدالعزيز تحدث عن غياب الدراما السورية، فقال: إن غياب الدراما السورية هذا العام سيعطى فرصة لنظيرتها المصرية لتستعيد مكانتها التي اهتزت الأعوام الماضية بسبب تفوق السوريين من حيث الإنتاج الضخم وقلة أجور الفنانين وغيره من العوامل التي ساهمت في تربع المسلسلات السورية على عرش الدراما الأعوام الماضية. وعن مواجهة الدراما اللبنانية للدراما المصرية، أكد عبد العزيز أن صناعة الدراما في لبنان ضعيفة جدًا ولا ترقى لمنافسة الدراما السورية بسبب ضعف إمكانيات الإنتاج اللبناني لأنه حالات فردية بالإضافة إلى أنهم لم يقدموا سوى عمل فني أو عملين على الأكثر سينما أو تليفزيون في العام الواحد ولا يوجد لديهم هيكل إنتاج مناسب يتيح الإمكانيات اللازمة لإخراج أعمال فنية بصورة جيدة إضافة إلى فقر الاستوديوهات بلبنان الأمر الذي ينفى المقارنة بين الدراما اللبنانية والسورية. وفي نفس السياق تحدث الكاتب مجدي الأبياري بقوله: إن المشاهد سيستعيض عن غياب الدراما السورية بالمصرية الأم التي تعبّر عن الجمهور بكل فئاته وطبقاته ومعاناته بصورة أقرب إلى الحقيقة، وجمهور سوريا يلهث خلف الدراما المصرية لتنوّع موضوعاتها بين التراجيدي والكوميدي والأكشن. وأضاف الأبياري: من الجائز أن تحتل الدراما اللبنانية مكانة الدراما السورية لأن اللغة متقاربة والطابع الدرامي واحد والمشاهد سيجد تشابهًا كبيرًا فيما بينهما لأن لغة الصراع الدرامي مطلوبة حتى يكون هناك تنافس على جودة الأعمال بين صناعها سواء مصري أو سوري أو لبناني. وعلى العكس صرّح الكاتب الكبير يسرى الجندي عن الموضوع بقوله: إن القائمين على صناعة الدراما السورية أبطال كونهم استعدوا بقائمة أعمال تصل إلى خمسة عشر درامياً رغم توتر الأوضاع وعدم استقرارها بين الشعب والرئيس لأنهم يحاولون التغلب على آلامهم ومشاكلهم، وأنا اعتبر دخول الدراما السورية بأعمال هذا العام مخاطرة في ظل الظروف الاقتصادية التي كبّدت البلاد خسائر ضخمة انعكست على الإنتاج السوري الذي كان يتميز بالضخامة التي اعتبرت سر نجاح المسلسلات السورية. وأضاف الجندي: أنا أؤيد المنافسة والصراع بين الدراما المصرية والسورية واللبنانية التي لا تستطيع أن تتحدى السورية لكونها تعتمد على الموضوعات الاجتماعية فقط بينما السورية أغنى من ذلك كونها متنوعة المواضيع من التاريخي إلى الكوميديا والأكشن وهو ما تفتقر إليه الدراما اللبنانية. وقد خالف الناقد طارق الشناوي الكاتب يسري الجندي بقوله: إن قلة إنتاج الأعمال السورية هذا العام تنهى فكرة الصراع بين الدراما المصرية والسورية رغم أنها لم تعد موجودة كما كانت قبل سنوات لأن هناك العديد من الأعمال المصرية التي يشارك في إنتاجها القطاعان العام والخاص ونجد فيها ممثلين سوريين ومخرجين أيضًا، وأكد الشناوي أن الدراما اللبنانية ميتة والجمهور لا يتذكر مشهدًا واحدًا للدراما اللبنانية أو اسم مسلسل على الإطلاق.