في مسلسل الملفات التي يلغط اللبنانيون بها على انها من "الفضائح" التي تتردد في الوسطين السياسي والاعلامي، جاء إلغاء مجلس الوزراء مناقصة تلزيم ادارة معملي الزهراني ودير عمار لتوليد الكهرباء وتشغيلهما في جلسته الجمعة الماضي مفاجئاً، ليس لبعض الوسط السياسي فقط، بل لبعض الوزراء اثناء الجلسة. فالمناقصة كانت رست على شركة ايرلندية شاناهان التي جاء عرضها اقل كلفة على الخزينة من سعر العرض الذي تقدمت به الشركة الحالية المشغلة للمعملين اينل. كما ان المناقصة رست على الشركة الايرلندية بعد رفض عروض شركات تقدمت للمناقصة، لم يتم فض عروضها نظراً الى عدم تطابق تأهيلها مع المواصفات المطلوبة من مؤسسة كهرباء لبنان وهي "ألستوم" الفرنسية، "سونير" الايرانية و"سيمنز" الألمانية وتحالف "أنسالدو - ساجيم"" الايطالي. وكان مجلس الوزراء في جلسته الجمعة الماضي التي حفلت بالقضايا الحساسة، ومنها مناقصة الكهرباء، استدعى رئيس مجلس ادارة مؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك للاستماع الى رأيه في شأن نتائج المناقصة وامكان الغائها، بعد ان كان عقد "اينل" انتهى في منتصف تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي. ولقصة المناقصة وإلغائها تعقيدات متراكمة. ففي عام 1997، تم تجهيز معملي الزهراني جنوب ودير عمار شمال من جانب تحالف "انسالدو - سيمنز" بموجب عقد مع مجلس الانماء والاعمار. بعد انتهاء مدة الكفالة لُزم في نهاية آب اغسطس 2001 بقرار من مجلس الوزراء عقد الصيانة والتشغيل ل"انسالدو" بالتراضي. وقبل انتهاء المدة استدرجت مؤسسة الكهرباء عروضاً ورسا التلزيم على شركة برتغالية، وعرضت النتيجة على مجلس الوزراء فألغى المناقصة مقرراً اعطاء العقد وبالتراضي لشركة "اينل". وتمثل شركة "اينل" في لبنان شركة PSM الشركة الثانوية التي يترأس مجلس ادارتها وليد بارودي، نجل ممثل شركة "انسالدو" عهد بارودي الذي يعترض عدد من السياسيين على العمولات التي تقاضاها لقاء اعمال تأهيل الكهرباء، عبر الشركة الايطالية الكبرى منذ اواسط التسعينات. وهو يتمتع بعلاقات واسعة ووثيقة مع اركان في السلطة منذ عهد الرئيس السابق الياس الهراوي، الى الآن. وبلغت كلفة تشغيل معملي الزهراني ودير عمار من جانب "اينل" 16 مليون دولار سنوياً. وهذه الكلفة تقتصر فقط على التشغيل من دون الصيانة والتأمين على المعامل والمعدات، والتي طلبت مؤسسة كهرباء لبنان ان يشملها دفتر شروط المناقصة الجديدة. وكانت "اينل" رفعت كتاباً للمؤسسة قبل انتهاء عقدها، رغبت فيه بوقف توليها المهمة، بحجة انها تتكبد خسارة مليوني دولار سنوياً، وطلبت زيادة 23 في المئة على ال16 مليون دولار من اجل التشغيل فقط، ولم تشترك فيها "اينل" اصلاً. لكن عقدها مدّد 3 أشهر، حتى منتصف الشهر الجاري. وبعد ان رست المناقصة على "شاناهان" الايرلندية وحدها لعدم توافر الشروط عند الشركات الاخرى، ما ادى الى عدم قبول مشاركتها في المناقصة، تبيّن ان سعرها 22 مليون دولار زائد 8،3 مليون دولار هي قيمة التأمين أقل من سعر "اينل" بعد احتساب الصيانة والتأمين. وقرر مجلس ادارة الكهرباء تبني هذه الشركة. لكن "شاناهان" تمثلها في لبنان شركة "ديار" التي يترأسها نقيب المهندسين السابق سمير ضومط المقرب من رئيس الحكومة رفيق الحريري. تناول بعض وسائل الاعلام الحريري بالاتهام بأن جماعته يسعون للاستفادة من الكهرباء... الخ، ما اثار حفيظته وطلب قبل زهاء شهر من مجلس الوزراء الغاء المناقصة. وقالت مصادر وزارية ان الحريري قال للوزراء ان "البعض يريد اتهامي بأن لي مصلحة في كل شيء ولذلك علينا الغاء المناقصة لاجرائها من جديد حتى يكون هناك منافس ثان للشركة التي ربحتها". وإزاء اصرار الحريري قبل مجلس الوزراء، لكن بعد استطلاع رأي مجلس ادارة الكهرباء. وفي هذه الاثناء بعثت نائبة رئيس حكومة ايرلندا بكتاب الى السلطات اللبنانية يؤكد أهمية شركة "شاناهان". وخلال جلسة مجلس الوزراء الاخيرة اكد الحايك ان مجلس ادارة الكهرباء لا يرى شائبة في المناقصة. لكن بعض الوزراء فوجئ بأن هناك نية للتجديد ل"اينل". وسأل وزير الثقافة غازي العريضي "أليس لديكم ملاحظات على ادائها؟"، فرد الحايك معدداً بعض هذه الملاحظات. وحصل نقاش تم خلاله التطرق الى دور آل البارودي في الكهرباء والعمولات السابقة وعن نفوذهم في هذا القطاع، الا ان وزراء آخرين دافعوا عن الشركة فاتخذ القرار بالغاء المناقصة فتحفظ عنه الوزراء بهيج طبارة ومروان حمادة وأيوب حميد والعريضي. وقضى قرار مجلس الوزراء بالطلب الى مؤسسة الكهرباء ان تعرض على الشركة الحالية "اينل" تمديد عقدها الحالي لمدة ثلاثة اشهر بالشروط نفسها المعمول بها الآن، اي برفضه نسبة الزيادة التي طالبت بها وهي 23 في المئة، وأكد هذا الموقف وزير الوصاية. وفي حال عدم موافقة الشركة على التمديد وفقاً لما طلبه مجلس الوزراء، اعتماد نتيجة المناقصة التي رست على شركة "شاناهان" ورفع الموضوع الى مجلس الوزراء. وما يلفت في طلب مجلس الوزراء هو اعتماد عرض الشركة التي فازت بالمناقصة وألغاها بقرار سابق. وطلب مجلس الوزراء في البند الاخير من قراره في حال وافقت "اينل" على التمديد، اجراء استدراج عروض مفتوح. وفي اليوم التالي لجلسة الحكومة اجتمع مجلس ادارة الكهرباء وأخذ قراراً بالتحفظ عن الغاء المناقصة. وسألت "الحياة" وزير الطاقة والمياه ايوب حميّد عن أسباب القرار، فقال: "عُرضت آراء متباينة، وفي النتيجة تقررت الدعوة الى مناقصة مفتوحة والتفاوض مع الشركات التي كانت تقدمت بعروض سابقة، على ان يكون العرض الذي تقدمت به شركة "شاناهان" السقف الجديد". وأوضح انه "بعد الاستماع الى عرض رئيس مؤسسة الكهرباء عن الآلية التي اعتمدت في المناقصة، لم يجد مجلس الوزراء شائبة ادارية او قانونية الا انه ارتأى منعاً لأي التباس او تأويل، ان تكون هناك فرصة امام الشركات الاخرى التي تقدمت بعروض للمشاركة في مناقصة مفتوحة في حال رغبت في خفض الاسعار التي رست على الشركة الايرلندية". وأكد حميّد تحفظه، ورأى "ضرورة السير في المناقصة. لكن في القرار الجماعي نوعاً من الحرص على خفض الكلفة وهي تصل الى 26 مليون دولار". وأشار حميّد الى ان "المستشار القانوني للمؤسسة عرض الاسباب التي ادت الى رفض بعض الشركات". ولفت الى ان "اينل" ابدت استعداداً للاستمرار بالعقد لسنتين". وقال: "عرضت على مجلس الوزراء الخيارات ومنها طلب "اينل" وطلب مماثل من شركة PSM الشركة الثانوية الاستمرار بالشروط نفسها وبكلفة تقل ثلاثة في المئة عن سعر "اينل". وعن تحفظات حايك عن اداء الشركة الحالية، اشار حميد الى ان "اللجنة الفنية في مؤسسة كهرباء لبنان تحققت من مدى التزام "اينل" بالشروط، فوجدت عدم التزامها ببعضها، واوصت احتياطاً بحجز الكفالة المالية ووافقت". وأوضح ان الكتاب الذي تسلمه لبنان من نائبة رئيس الحكومة الايرلندية "لم يطلب ايضاحات، بل تضمن اشادة بالشركة وبسمعتها وصدقيتها والالتزامات التي تنفذها".