إعلان محمد رضا خاتمي، شقيق الرئيس محمد خاتمي، زعيم حزب "جبهة المشاركة"، الفصيل الإصلاحي الأبرز في إيران، مقاطعة جبهته الإنتخابات البرلمانية المقبلة، يُعبر عن مدى التعقيد الذي وصلت اليه الأزمة بين الإصلاحيين ومجلس "صيانة الدستور" الذي يسيطر عليه المحافظون، وهي الأزمة التي من شأنها أن تجعل الإستحقاق النيابي المقبل استحقاقاً بارداً شعبياً، يوسع الفجوة بين الشعب والحكومة ويزيد من عمق اليأس الذي يسيطر على طبقة واسعة من الشعب، خصوصاً الشباب، من احتمال تحقق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وعد بها خاتمي، والتي طال انتظارها. هذه المقاطعة يهدف من ورائها الإصلاحيون الى احراج المحافظين والنظام السياسي في إيران ودفع مرشد الثورة آية الله علي خامنئي إلى التدخل المباشر لحسم المسألة، خصوصاً أن الإنتخابات باتت على الأبواب، آخذين في الإعتبار ما لهذه المقاطعة من أثر سلبي في صورة النظام خارجياً، وهو النظام الذي ظل يتباهى بالمشاركة الشعبية العالية في الإنتخابات كدليل على شرعيته وديموقراطيته، وكدرع حامية، ضد الإتهامات الأميركية التي تعتبر ايران نظاماً إستبدادياً وإرهابياً. ولذا ستكون للمشاركة الشعبية المتدنية، في حال إستمرار الأزمة وعدم تدخل المرشد لحلها في اللحظات الأخيرة، دلالة سلبية في الداخل الإيراني، وستعكس تململاً وتحولاً في المزاج الشعبي قد يتمظهر في شكل عنفي كتظاهرات ومواجهات مع قوات "الباسيج" و"الحرس الثوري"، وربما أدى ذلك الى أزمة حكومية تدفع بخاتمي الى الإستقالة، وهو الذي يحتفظ في درج مكتبه بإستقالات عدد من وزرائه، فيما أعلن عشرات من رؤساء بلديات المدن الإيرانية ومحافظيها نيتهم الإستقالة في حال ظلت الأمور على حالها. أن يستقيل خاتمي وتبدأ حركة إحتجاج شعبي، ولو كانت ضعيفة أمام قوة "الباسيج"، فمعنى ذلك خروج ورقة الإصلاح من يد المعتدلين والعقلاء في التيار الإصلاحي، وتحويلها كرة نار في أيدي المتطرفين داخل هذا التيار، وهم جماعات مشحونة نفسياً واجتماعياً، وذات خلفية راديكالية غير مستعدة للتعامل مع المحافظين أو للوصول الى حلول وسطية، فضلاً عن أن قسماً كبيراً من هؤلاء لا يقر بآية الله خامنئي ولياً للفقيه، ولا يدينون له بالسمع والطاعة. وتمتلك هذه الجماعات الراديكالية في اصلاحيتها رصيداً شعبياً في الأوساط الشبابية والجامعات، ويمكنها كسب جماهيرية واسعة، خصوصاً أن خاتمي لم يستطع الوفاء بوعوده حتى الآن، وبدأ بفعل معارضة المحافظين الشديدة له، يفقد شيئاً فشيئاً من شعبيته لدى الايرانيين الذين أملوا في تحسن معيشتهم وتوسيع هامش حريتهم. وربما قاد صعود اليسار الراديكالي الى مواجهة عنيفة مع المحافظين، وهي المواجهة التي ستجعل أبناء الثورة يأكلون بعضهم بعضاً، في معركة شرسة تنخر في البنية السياسية والقانونية للنظام الإيراني ويكون الشعب فيها الخاسر الأكبر. وهذا السيناريو المتوقع في حال بقاء الأزمة على حالها لا يمكن تلافيه إلا بتدخل جدي وحاسم للمرشد آية الله علي خامنئي، يأمر فيه مجلس صيانة الدستور بالتراجع عن منع ترشيح مئات الإصلاحيين، وهو التدخل الذي ينبغي أن ينحاز فيه المرشد للديموقراطية، بعيداً عن كون المحافظين هم الجهة الأقرب شعبياً وتنظيمياً منه، خصوصاً أنه تدخل سابقاً في موقف حاسم وسريع لصالح المحافظين في قضية "مشروع الصحافة". وربما فسّر تأخر تدخل المرشد بأنه موافقة ضمنية على قرارات مجلس صيانة الدستور، وهو ما أشار إليه ضمناً رئيس المجلس آية الله جنتي في حديث لصحيفة "شرق" الايرانية الاسبوع الماضي، عندما قال ان المرشد "هو الذي يقول لنا كل مرة: عليكم بالتساهل. او يأمرنا بأن نتشدد في منح الأهلية"، وهذا الكلام، إن صح، ربما عنى وجود تحالف ضمني بين خامنئي وجنتي لإقصاء الإصلاحيين، في ما يشبه "الإنقلاب الأبيض". ويعزز هذا التحليل موقف آية الله هاشمي شاهرودي، رئيس السلطة القضائية والمقرب من المرشد، الذي أعلن دعم سلطته للإنتخابات واستعداده العمل مع مجلس صيانة الدستور على تنظيمها في موعدها. لكن ما يجعل هذا التحليل محط سؤال هو النداءات المتكررة من رئيس مجلس الشورى آية الله كروبي للمرشد خامنئي وطلبه من الأخير التدخل لحل الأزمة في شكل عاجل، ومواقف عدة سابقة تدخل فيها خامنئي لمصلحة الإصلاحيين. وما يعلمه المرشد من أن مقاطعة الإصلاحيين للإنتخابات من شأنه أن يشق الصف الداخلي، وينقل صورة سلبية عن النظام الإيراني خارجياً، وهو ما لا يريده أركان النظام، فهل يحسمها المرشد، ويتدخل بكامل ثقله لمصلحة الديموقراطية في إيران، أم أن المتطرفين من الفريقين سيكونون هم سادة الساحة السياسية في المقبل من أيام. هذا ما ستكشفه الساعات المقبلة ليحدد الايرانيون اتجاه بوصلتهم، مشاركة أو مقاطعة.