لم يمض سوى 14 شهراً على وفاة مرشد "الإخوان المسلمين" الخامس مصطفى مشهور عن عمر ناهز الثانية والثمانين، حتى لحق به المرشد السادس للجماعة مأمون الهضيبي عن عمر يقارب عمر سلفه، ولتشهد الجماعة للمرة الأولى منذ نشأتها رحيل مرشدَين يمثلان الجيل نفسه في فترة تجاوزت العام بقليل. ومع كل غياب مرشد للجماعة يثار التساؤل الكبير حول إمكانات انقسام الجماعة على أساس جيلي، وذلك بخروج ما يسمى مجازاً جيل الشباب - الذي تجاوز معظم رموزه سن الخمسين - أو جيل الوسط، ويؤسس جماعة أخرى، أو تعرف الجماعة حالاً من الشلل الداخلي نتيجة صراعات محتملة بين أجنحتها المختلفة. وسيناريو الانشقاق الذي تردد حالياً بعد رحيل الهضيبي سبق وتردد عقب رحيل مشهور، وتبدو هناك صعوبة كبيرة ربما تصل إلى حد الاستحالة أن تشهد الجماعة انقساماً بين أعضائها بسبب التباينات الجيلية الموجودة داخلها، على رغم أن هناك صراعاً حقيقياً بين مختلف أجنحتها ولكنه لن يؤدي إلى حدوث انشقاق بين صفوفها نتيجة اعتبارات عدة. أول هذه الاعتبارات يمكن القول إنه "تنظيمي" له علاقة بالخبرة التنظيمية والسياسية التي اكتسبها الإخوان على مدار تاريخهم الممتد منذ أكثر من 76 عاماً. فتنظيم الإخوان ضم أثناء نشأته الأولى مستويات تنظيمية مركبة سمحت للجماعة أن تستقطب نوعيات مختلفة من العناصر غالبيتها على أرضية "دعوية" سلمية تدعو المجتمع إلى التمسك بتعاليم الإسلام وشعائره، وبعضها على أرضية جهادية أعدته من خلال انخراطه في "المستوى الجهادي" لكي يصبح عضواً في التنظيم الخاص المسؤول عن عمليات العنف التي خاضتها الجماعة. وقد شيد الإخوان المسلمون بناءً تنظيمياً مركباً اتضحت معالمه في أشكال ذكرها الراحل المؤسس الشيخ حسن البنا في كتابه "مذكرات الدعوة والداعية". وعلى رغم أن "الإخوان" أحدثوا منذ بداية السبعينات قطيعة فكرية وسياسية مع ميراث العنف السابق، إلا انه بقيت لديهم تلك "الميزة التاريخية"، وهي امتلاكهم بناءً تنظيمياً متنوع المستويات ولديه قدرة أكبر من غيره على استيعاب أفكار متنوعة تعكسها حركة الأجنحة والخبرات الجيلية المختلفة داخل صفوف الجماعة، والتي أصبح لديها ميل عام نحو قبول التنوع الداخلي والقدرة على فرض التعايش بين الأجنحة المختلفة، على رغم صرامة البناء الهيراركي واحترام المستويات الأدنى لقرارات المستويات العليا بصورة تحمل في بعض الأحيان قيم السمع والطاعة أكثر من قيم الديموقراطية. أما الاعتبار الثاني فيتعلق في جانب رئيس بالثقافة السياسية التي تحكم حركة الجماعة، والقائمة منذ البداية على استهداف المجتمع وليس السلطة. الاعتبار الثالث يتعلق بحرص الجماعة على "خطاب العموميات" الذي من الصعب القول إنه يحدد برنامجاً واضحاً للعمل السياسي. الجماعة انفتحت في الفترة الأخيرة على قضايا الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة والأقليات، إلا أن من الصعب القول إنها تحولت نحو الفصل بين الحيز السياسي والديني، بل استمرت في الاحتفاظ بالحيزين في إطار لغة عامة. هذه الاعتبارات هي التي حسمت "الاختيار السلس" لمهدي عاكف 76 عاماً كمرشد جديد للجماعة، فهو ينتمي إلى الجيل القديم لكنه أكثر من ينتمي إلى هذا الجيل انفتاحاً على جيل الوسط، وأعلن قبوله عضوية قبطية داخل الجماعة واستعداده للتحالف مع الناصريين والشيوعيين. * خبير في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في "الأهرام".