ليست مسألة اصلاح الجامعة العربية وتعديل ميثاقها قضية فنية أو قانونية، وإنما هي سياسية في الدرجة الأولى، فمنذ نصف قرن لم يراجع الميثاق ولم تتطور الجامعة لأسباب تتصل بالتباعد السياسي بين البلدان العربية، ما جعل "بيت العرب" خارج سياق التطورات المتسارعة التي أقبلت عليها المنظمات الاقليمية في العالم والتي أبصرت النور بعد الجامعة. وعلى رغم مرور عشرين عاماً على تشكيل أول لجنة من الخبراء ورجال القانون لتعديل الميثاق لم تعقد قمة عادية ولا طارئة للبحث في مشروع اصلاح متكامل يضع الجامعة في مستوى مجابهة التحديات المعاصرة، مع أن الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال عقد قمماً عدة خصصت لمراجعة المؤسسات الاتحادية وتعديل مواثيقها. أتى ميثاق الجامعة مقتبساً من نظام الأممالمتحدة فهو يقوم على التعايش بين دول سرعان ما باتت مرتبطة بوجود معسكرين متصارعين يواليهما العرب، ما جعلها نوعاً من أمم متحدة مصغرة لا ترمي لانشاء تجمع اقليمي عربي. السوق العربية المشتركة مثلاً ذكرت في الميثاق وسبقت قيام "السوق الأوروبية المشتركة" والاتحاد الأوروبي الذي انبثق منها لاحقاً، لكن العرب لم يقطعوا حتى اليوم خطوة واحدة للسير على طريق الأوروبيين. وبسبب الصراع غير العقلاني على الامساك بسلطة القرار العربي المشترك في الجامعة دخلت الدول في دوامة من الخلافات والمشاحنات جعلت العالم العربي مؤلفاً من كيانات صغيرة مشتتة ومتناحرة وليست دولا متضامنة في خدمة مشروع مشترك. لم يتوقع الميثاق القضايا الجديدة التي طرأت ولم يهيئ حلولاً للخلافات التي ظهرت لاحقاً بين بلدان يفترض أنها تنتمي إلى جسم ثقافي واحد، خصوصاً مسائل التربية والتنمية الاقتصادية وتحديث المجتمعات وتطوير المؤسسات السياسية. وربما يعزى السبب الى كون الجامعة أنشئت بعدد محدود من البلدان وأن بعضها كان خاضعاً للنفوذ الأجنبي، وعندما انضم أعضاء جدد من البلدان التي استقلت في الخمسينات والستينات لم يراجع الميثاق ولم يخضع لتعديلات تعكس الواقع العربي الجديد. بالعكس أدى فقد الثقة والاحتراس من الشقيق قبل العدو الى صراعات عقيمة مزقت مؤسسات العمل العربي المشترك، وكثيراً ما كان محورها الامساك بمركز القرار في الجامعة، خصوصا أن الميثاق لا ينص على جنسية محددة للأمين العام. وطالما أن الانقسام الى معسكرين ولى وانقضى وصار العرب يدينون بمذهب واحد في عصر العولمة، فإن الوضع بات مهيأ لتسيير جماعي أسوة بالاتحاد الأوروبي على نحو يجعل الأمانة العامة تنتقل دورياً بين الأعضاء مثلما تتداول رئاسة اللجنة الأوروبية. وهناك من ذهب الى اقتراح مركزين للجامعة واحد في المشرق والثاني في المغرب خلال مناقشات وزراء الخارجية العرب تمهيداً لإعادة مصر الى الجامعة في السنة 1990، والتي لعب فيها وزيرا الخارجية العراقي والكويتي آنذاك طارق عزيز والشيخ صباح الأحمد دوراً حاسماً. لكن المهم اليوم ليس تعدد المراكز وإنما وضع صيغة حديثة للادارة الجماعية وتكريس التداول. فمثلما تنتقل الرئاسة بين الدول العربية ينبغي أن يلحظ الميثاق المعدل تناوباً على الأمانة العامة وتوزيعا عادلاً لمراكز القرار الاقتصادي والثقافي والاداري في الجامعة، خصوصاً أن جميع البلدان العربية عرفت تطورا ثقافيا واجتماعيا وسياسيا شاملا وان بدرجات. ولابد أن يشمل اصلاح الجامعة العربية اعتماد أساليب عمل حديثة تحصر الاجماع في القضايا المصيرية وتفسح في المجال أمام العمل بقاعدة الأكثرية والأقلية حتى لا تشل مؤسسة القمة وتنتهي اجتماعاتها بقرارات باهتة أو تتحول الى ساحات عراك ومشادات كلامية. يحتاج العرب في عالم جديد إلى جامعة جديدة لا تجيز لهذا العضو أن ينفرد بعلاقات خاصة مع اسرائيل ولا لذاك بالانضمام لأحلاف أو تجمعات أجنبية على حساب باقي العرب، وترسي جسور الاندماج الاقتصادي والتنمية المتضامنة. وعلينا أن نتعظ من أسباب بقاء الوحدة الاقتصادية حبراً على ورق الميثاق منذ خمسين عاماً. وأخيراً علينا بالقليل من العبارات الفضفاضة والبلاغة الكلامية والكثير من الاصلاحات والصيغ العملية لتحديث الجامعة بوصفها جزءا من تحديث العالم العربي.