هل ثمة مستقبل لخيار التكامل العربي بعد أن عجزت المقاربات السابقة تحقيق صيغ وحدوية نتيجة أسباب داخلية وخارجية؟، وهل هناك إرادة سياسية على مستوى الحكومات العربية للبدء في خطوات حقيقية باتجاه بلورة هذا الخيار في الواقع العربي؟ طرحت "اليوم" هذه الأسئلة وغيرها على عدد من المفكرين العرب؛ سعيا للحصول على إجابات قد تشكل مدخلا أمام صانع القرار، وأجمع المفكرون على ان التكامل خيار المرحلة للخروج من الأزمات الراهنة، مشيرين إلى ضرورة تعديل ميثاق الجامعة العربية وتنفيذ ما أبرم من اتفاقيات في الأعوام السابقة، وأوضحوا ان التوافق السياسي شرط لنجاح تشكيل القوة العربية المشتركة لتلعب دورها في حماية الأمن القومي، وجزموا أن إعادة الاعتبار لمفهوم العروبة الحاضنة للتنوع وتحترم الحقوق والقيم. التكامل ضرورة في البداية يلفت الدكتور عبدالحسين شعبان المفكر العراقي إلى أن تحقيق التكامل بمفهومه الشامل بات ضروريا في هذه المرحلة التي يكابد فيها الوطن العربي أشكالا متعددة من الإرهاب والحروب الأهلية، والانقسامات الطائفية والمذهبية، واستفحال ظاهرة العنف بتجلياته المتعددة، فضلا عن تعثر محاولات التغيير والإصلاح، خصوصا بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي، بالإضافة إلى التغول الاسرائيلي، ويرى أن نقطة الانطلاق على صعيد تعزيز هذا التكامل تبدأ من تغيير ميثاق الجامعة العربية بشكل كامل سواء فيما يتعلق بالمجتمع المدني أو حقوق الانسان، أو حل النزاعات العربية أو نظام التصويت، وغير ذلك من المسائل المطروحة للتعديل والتطوير في الميثاق، والتي سيتم الإعلان عنها قريبا -وفقا لما أعلنه الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية- والتي من شأنها ستشكل تحولات جوهرية لتعزيز وتفعيل العمل العربي المشترك. وعن قابلية الحكومات العربية للتجاوب بفاعلية مع خيار التكامل العربي، يقول الدكتور شعبان: إن الحكومات العربية أخذت علما أن استمرار القائم على وضعه بات أمرا غير ممكن، وإلا فستواجه عاصفة من الانقلابات الأمنية والإرهابية والعنفية، لهذا فكرت في إعادة النظر في الكثير من القضايا بهدف إجراء إصلاحات من شأنها إحراز نوع من التقدم من جهة وإطفاء الحرائق المحتملة من جهة أخرى، وكذلك بهدف القيام بعملية تطور تدريجي حتى ولو اتسم بالبطء فإنه سيكون من الأهمية بمكان، وهو بحاجة من دون شك إلى تنمية في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والثقافية والمجتمعات المدنية والتعليمية والإعلامية، وغيرها من مجالات؛ لكي يتم تأطيرها في سياقات قانونية وأنظمة، وذلك في حد ذاته بحاجة إلى الإرادة السياسية لتفعيلها ونقلها إلى أرض الواقع، علما أن القرارات التي اتخذت في السابق كانت إيجابية، غير أنها بقيت بمنأى عن سياق تنفيذها، محفوظة في الأدراج، والتي ظلت عائمة أو معومة لغياب الإرادة السياسية الموحدة تجاهها، الأمر الذي بات يتطلب في المرحلة الراهنة توافقا سياسيا وفق معايير جديدة تستجيب لروح العصر والتطور الذي شهدته هذه الميادين المهمة، وذلك رغم الإخفاقات والانتكاسات والتراجعات التي شهدتها السنوات المنصرمة. الرغبة قائمة لكن الدكتور يوسف الحسن المفكر الإماراتي والدبلوماسي السابق يعبر عن قناعته بأن الإرادة السياسية ما زالت غائبة فيما يتعلق بتحقيق التكامل العربي، على الرغم من أن الرغبة في إنجازه قائمة وقوية على المستوى الشعبي، إدراكا للمصلحة القومية العليا، لافتا في هذ السياق إلى عجز العرب من حكومات ونخب في الأعوام السبعين الماضية، عن بلورة هذا الهدف في أرض الواقع، في الوقت الذي تزخر فيه أدراج الجامعة العربية والمؤسسات التابعة لها بالمشروعات التكاملية ومن ثم فهو يشدد على أنه من دون توافر الإرادة السياسية، فإن حلم التكامل سيبقى بعيد المنال ولو بعد مائة عام، وقال: "لا تنقصنا الأفكار أو الإدراك لأهميته، كرافعة للعمل العربي المشترك في مجالاته السياسية والاقتصادية والتنموية والثقافية والأمنية وغيرها، مذكرا أن الإرادة السياسية بمثابة الفريضة الغائبة عن المشهد العربي الراهن. سكرتارية للاجتماعات ويعرب الدكتور الحسن عن قناعته أن الجامعة العربية باتت لا تتجاوز كونها سكرتارية للاجتماعات، بعد سبعين عاما من تأسيسها وهو ما جعلها غير قادرة على تجاوز هذا الدور، فقد تواضعت وتموضعت معه خاصة في ظل الأزمات الراهنة، داعيا إلى ضرورة الإسراع بالنهوض بالجامعة العربية وإصلاحها جذريا، وتفعيل الإرادة السياسية العربية باتجاه التنسيق والتكامل وتوفير الآليات الصالحة للنهوض بهذا التكامل، وتحقيق المصالح العربية المشتركة مطالبا بتعلم درس التجربة الأوروبية، مع الأخذ بعين الاعتبار توفير صيغ واقعية وعملية في هذا السياق. ويحذر المفكر الإماراتي من الأخطار التي تواجه الدولة الوطنية العربية، في ظل ما تشهده من تحديات لم يسبق لها أن واجهتها في هويتها الجامعة، وفي نسيجها الوطني وبنيتها الوطنية ما يشكل مهددات أساسية لتنميتها واستقرارها وهو ما يستوجب -حسب رؤيته- ضرورة سعيها بقوة -أي الدولة الوطنية- إلى تبني صيغة توحيدية ضمن نسيجها الاجتماعي، فضلا عن اتساع مساحة الفشل في علاقاتها الجوارية الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الشقة مع دول المحيط الإقليمي. نقطة تحول إستراتيجية ولا شك أن التحديات الخطيرة التي تواجه الأمن القومي العربي تفرض على العمل العربي المشترك أن يستعيد عافيته لكن، وفق منظور اللواء الركن محمد فرغل رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بالأردن فإنه لم ينجح خلال العقود الماضية في تحقيق طموحات المواطن خاصة منذ تأسيس الجامعة العربية قبل سبعين عاما، وهو ما يجعل الأمة في أشد الحاجة -مع اتساع قاعدة التحديات الداخلية والخارجية في أقطارها- إلى الإسراع بإنجاز التكامل العربي، الذي يمثل بديلا لخيار الوحدة العربية التي تعرضت المقاربات التي تمت بشأنها إلى الإخفاق طوال هذه السنوات، والمأمول أن تتم بلورة الأسس العملية للتكامل المطلوب، وكرجل عسكري فإنني أرى أن تحقيق التكامل في المجال الأمني والعسكري، أيسر وأسهل من التكامل في المجالات الأخرى وأكثر عملية؛ لأسباب كثيرة ويرتبط بعضها بطبيعة وأسلوب المؤسسات الأمنية والعسكرية واحترافيتها، والتي تسهل بمجملها التقارب والتعاون والتكامل وإمكانية العمل المشترك، في حال توافرت المقومات اللازمة وأهمها الإرادة السياسية. التوق للتكامل وفي رأي الدكتورة زهيدة درويش جبور الأكاديمية اللبنانية والأمين العام للجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو، فإن هناك حالة توق شديدة لدى الشعوب العربية لتحقيق التكامل العربي، لاسيما أن مفهومه بات أكثر قابلية للتبلور في أرض الواقع من مفهوم الوحدة، والذي رفع خلال العقود السبعة الماضية من دون أن يحظى بفرصة لترجمة عملية بل العكس صحيح -كما تقول- فلو قارنا وضع المجتمعات العربية في المرحلة الراهنية بما كانت عليه في الخمسينيات والسيتنيات من القرن الفائت لوجدنا أنها ازدادت شرذمة وتفككا، كما دخلت العلاقات «العربية - العربية» مرحلة تتسم بالمزيد من التعقيد والارتباك، إضافة إلى تنامي الخطر الرئيسي الذي يهدد العالم الآن، والمتمثل في الإرهاب المنسوب ظلما للإسلام وهو غريب عن قيم العروبة والاسلام، فقد عشنا تاريخا طويلا من التنوع الاجتماعي والثقافي في مجتمعاتنا العربية خاصة لبنان، لذلك فإن مفهوم التكامل يتعين أن يرتكز على خلفية فكرية تقوم على مبدأ التنوع ضمن الوحدة أو جدلية الواحد المتعدد، والذي يقتضي الحفاظ على الخصوصيات داخل المجتمع الواحد بين المجموعات المختلفة وبين المجتمعات العربية. إهمال الأبعاد الأمنية وفي تقدير الدكتور مصطفي العاني رئيس وحدة مكافحة الإرهاب بمركز الخليج للأبحاث الاستراتيجية للحديث عن البعد الأمني في العملية التكاملية المطلوبة في المرحلة المقبلة، فإن هناك حالة غياب للأبعاد الأمنية سادت خلال السنوات الماضية من عمر العمل العربي المشترك، يصل إلى حد الإهمال الرهيب، على حد تعبيره، وتكمن أهميتها في سبب بدهي، وهو أننا إن فقدنا الأمن سرعان ما تتبخر المنجزات التنموية الأخرى، فبوسع حرب أهلية لاتستمر سوى ثلاثة أيام أن تدمر كل شيء، وبالتالي فإن إثارة الأبعاد الأمنية ضمن المحددات المطلوبة للتكامل العربي للمرة الأولى يمثل تطورا إيجابيا ينبغي البناء عليه، والمعضلة -كما يقول- تتجسد في سيادة ثقافة الرياء، فإذا دخلت في العمل العربي المشترك نخسر وهو ما جربناه في يونيو من العام 1967، وفي المرحلة الراهنة تجاوزت المنطقة العربية حالة التهديد ودخلت مرحلة الاستباحة، فعندما توغلت الميليشيات الحوثية صنعاء في الواحد والعشرين من سبتمبر من العام 2014 صدرت صحيفة كيهان الإيرانية محتفية بما رأت أنه سقوط رابع عاصمة عربية في قبضة النفوذ الإقليمي لطهران بعد سقوط بيروت وبغداد ودمشق. ويلفت في هذا السياق إلى تحذير الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي وأمير مكة قبل عامين من وصول الميليشيات إلى حكم بعض العواصم العربية، ويقول إنني أحذر في حال بقاء الوضعية الراهنة للعرب من أن تحكم هذه الميلشيات جميع الدول العربية، فقد أهملنا -وفق رؤيته- القضية الأمنية ولم نطور مفهوما متفقا عليه بشأن تحديد مصادر الخطر والتهديد أو تطوير مفهوم شامل للأمن القومي العربي الأمر الذي يتعين السعي إلى تجاوز هذا الإهمال معتبرا أن القوة العربية المشتركة التي دعا اليها الرئيس عبدالفتاح السيسي تمثل نقطة الانطلاق بهذا الاتجاه.