الحقيقة التي ينبغي أن يعترف بها كل عربي سواء كان في موقع المسؤولية أو خارجها هي أن الحكومات العربية والجامعة العربية، بل والشعوب العربية، تمر في وضع لا تحسد عليه من التردي والتفكك والعجز يشبه ما كان سائداً قبل نكبة فلسطين الأولى وقيام إسرائيل عام 1948. وهذان الشلل والتردي اللذان يعاني منهما العمل العربي على المستويات الرسمية وغير الرسمية إزاء المشكلات العربية المصيرية وأهمها مشكلتا العراقوفلسطين، لم يحدثا فجأة ومن دون مقدمات أدت إليهما، وإنما تقف خلفهما أسباب عدة تراكمت آثارها السلبية في غضون الأعوام الماضية، وأهمها: استمرار الخلافات العربية - العربية لا سيما تلك التي تمخضت عن حرب الخليج الثانية عام 1991، وفشل كل الجهود التي بذلتها الدول العربية من خلال الجامعة العربية ومن خارجها في إيجاد حلول ناجعة لها ما أدى إلى انعدام الثقة والاكتفاء بالمصالحات الكلامية والمجاملات من دون إحراز تقدم جوهري لحل الخلافات. وانعكس ذلك في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في 16 الشهر الجاري، وفشلهم في الاتفاق على عقد مؤتمر قمة طارئ لاتخاذ موقف عربي إزاء المعضلة العراقية واحتمال نشوب حرب بسببها، ولا شك في أن هذا الفشل أضعف الموقف العربي أمام العالم. السبب الأساسي والأهم الذي يُضعف العمل العربي من خلال الجامعة العربية هو بقاء الجامعة على ما هي عليه منذ قيامها عام 1945، وإخفاق المحاولات التي جرت على مدى 50 عاماً ونيف لإصلاحها وتعديل ميثاقها وجعلها أكثر قدرة على مواجهة المشكلات والتحديات التي تواجه الأمة العربية على رغم حدوث تغيرات وتطورات جذرية على الصعيدين الإقليمي والدولي تتطلب تقوية دور الجامعة لتصبح أكثر فاعلية في قيادة العمل العربي الموحد. ضعف قوة تأثير الرأي العام العربي في السياسة والقضايا العربية، فهو لم يستطع أن يعبّر بحرية وقوة عن مساندته العراق وشعبه في وجه التهديدات الأميركية والبريطانية بشن حرب مدمرة عليه بحجة تجريده من أسلحة الدمار الشامل التي تزعم الدولتان أنه يملكها. وكانت التظاهرات التي عمت غالبية مدن العالم بما فيها نيويوركوواشنطن ولندن وسيدني ومدريد والتي قدر عدد المشاركين فيها بالملايين. والسبب الحقيقي الذي يقف وراء قصور الرأي العام العربي هو أن البلاد العربية تعيش منذ سنوات طويلة في ظل ظروف استثنائية تقضي بتطبيق قوانين الطوارئ والأحكام العرفية وفي ظلها تصبح الحريات مقيدة ووسائل التعبير عن الرأي محدودة وتحت الرقابة. زيادة تأثير القوى الأجنبية في المنطقة العربية في ظل النظام العالمي الجديد منذ عام 1991، وانفراد الولاياتالمتحدة بمركز القوة الأعظم في العالم، وتراجع دور القوى الدولية الأخرى على رأسها روسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي، ما أثر في قدرة العرب على الحركة والمناورة على الساحة الدولية وفقدانهم دعم القوى الأخرى لقضاياهم. وما زاد من ضعفهم إخفاقهم المتواصل في تحقيق تضامن عربي قوي ملزم في ما بينهم. ومهما يكن شأن الخلافات التي حدثت حول عقد مؤتمر قمة طارئ أو تحديد موعد جديد لمؤتمر القمة العادي فالأهم من ذلك في ظل الظروف الراهنة أن تعقد القمة في إطار العمل العربي الموحد، حتى يكون للعرب دورهم الذي تفرضه عليهم مسؤولياتهم القومية وفقاً لميثاق الجامعة ومعاهدة الدفاع المشترك، وتكون لهم كلمتهم أمام العالم. وحتى تكون القمة إضافة نوعية وجديدة تنقل التضامن العربي من الجمود إلى الحركة، فهي جديرة أن تأخذ في الاعتبار الحقائق الآتية: 1- إن الحرب التي تدعو إليها واشنطن ولندن، إذا قدر لها أن تقع، هدفها الجوهري إضعاف كل دول الشرق الأوسط وفي مقدمها الدول العربية، لمصلحة هاتين الدولتين وإسرائيل. 2- استمرار الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة العربية وفي ذلك تهديد لأمن دول المنطقة واستقرارها، بل وعامل تحريض للاتجاهات المتطرفة من كل القوى السياسية والدينية. 3- تأجيل عملية سلام الشرق الأوسط إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة سنة 2005 والتي تبدأ حملاتها السنة المقبلة، وهذا ما يؤكده تاريخ مسار السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية منذ زمن بعيد. وإذا تحقق هذا الاحتمال فهو يخدم مصالح إسرائيل وسياسة حكومة آرييل شارون على وجه التحديد ويتيح لها الفرصة والوقت لتحقيق أهدافها الظاهرة والخفية. والسؤال الذي يطرح نفسه في ضوء ذلك هو كيف يستطيع مؤتمر القمة أن يشارك بفاعلية وإيجابية في الجهود الدولية للتغلب على الاتجاه الذي يطالب باستخدام القوة العسكرية ضد العراق. للإجابة عن هذا السؤال، هناك خطوات عدة يمكن القمة العربية أن تأخذ بها أهمها دعوة العراق إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1441 والتزام كل القرارات السابقة والتعاون التام مع المفتشين الدوليين والكشف عن أي اسلحة دمار شامل يملكها، ودعوة مجلس الأمن إلى تحديد فترة زمنية لرفع الحصار المفروض على العراق منذ ما يزيد على عشر سنوات، وتأييد استقلال العراق ووحدة أراضيه وسلامتها ورفض أي تدخل أجنبي في شؤونه الداخلية، والدعوة إلى تحقيق مصالحة إقليمية بين العراق وجيرانه، ودعوة مجلس الأمن إلى إصدار قرار يطالب بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل بكل أنواعها وإخضاع دولها لنظم التفتيش الدولي خصوصاً إسرائيل. إن القمة العربية تمثل أعلى هيئة مسؤولة في جامعة الدول العربية، ومنوط بها اتخاذ المواقف والقرارات التي تحافظ على مصالح العرب العليا، وتحمي حقوقهم وأوطانهم وتدافع عن قضاياهم في الحاضر والمستقبل، ودورها هذا يتفق مع ما ورد في ميثاق الأممالمتحدة في الفصل الثامن الخاص بدور التنظيمات الإقليمية في مشاركة مجلس الأمن في المحافظة على السلم والأمن الدوليين. وفي وقت يقف العرب شعوباً وحكاماً على مفترق طرق، تتعرض جامعتهم إلى اختبار حقيقي لا مناص لها من النجاح فيه، وإلا ستفقد دورها وربما مبرر وجودها. * كاتب فلسطيني مقيم في القاهرة.