عقود ثلاثة مرت واللون الأحمر يصبغ الجسم العراقي. حروب... موت... ودمار، شكّلت علامات فارقة لوطن وشعب وجغرافيا. ولعل قدر العراق أن يختزل تاريخه الحديث بشخص، فعل أو منطقة... بالأمس صدام حسين، القمع الوحشي ومراكز تجارب الاسلحة المحظورة. واليوم الزرقاوي، العمليات العسكرية والفلوجة. صورة حصرية مؤلمة ترسخت في الأذهان وتناقلتها وسائل الإعلام مجسدة الوجه المعتم للعراق وكأن الحياة حذفت من قاموس هذا البلد، وكأن الاثني وعشرين مليون عراقي مجرد مشاريع قتل... وموت. لكن ماذا عن الوجه الآخر؟ ماذا عن هؤلاء الذين لا يؤمنون الا بثقافة الحياة؟ "السومرية" فضائية عراقية جديدة تعدنا بالإجابة عن هذه الاسئلة من خلال الاضاءة على جوانب مختلفة من حياة العراقيين اليومية، وتركيزها على عراق مختلف عما نعهده في وسائل الاعلام. 27 أيلول سبتمبر الماضي كان موعد الانطلاق، "وكان هذا الأمر - يقول مديرها العام الرئيس العالمي الأسبق للمنظمة الدولية للاعلان ورئيس مجلس ادارة تلفزيون لبنان السابق جان كلود بولس - تحدياً كبيراً لي إذ لم يصدق أحد من المحيطين بي الأمر، ذلك انه لم يكن مضى على انضمامي الى المحطة سوى ثلاثة أشهر وهي فترة غير كافية طبعاً، لكن بالتصميم والخبرة والارادة خرجت المحطة في موعدها، ونحن اليوم نبث خمس ساعات ليلاً وأربعاً نهاراً. والحمد لله بدأنا نلمس ايجابيات كثيرة من الاتصالات الكثيرة التي أتتنا لتهنئتنا على المستوى الرفيع من الاعلام الذي نقدمه وتغيب عنه كل مشاهد الحرب والدمار والذبح، مركزين على البرامج المسلية خصوصاً في شهر رمضان المبارك". السياسة... بعد رمضان فهل نفهم أن السياسة غائبة عن شاشة "السومرية"؟ "أبداً"، يقول بولس، "ستكون السياسة موجودة مباشرة بعد شهر رمضان، إذ لا يمكن أن تغيب السياسة عن التلفزيون، مع العلم أن السياسة التي سنقدمها ليست موجهة من الحكومة لأننا تلفزيون خاص. سنكون واقعيين فلن نخفي المعلومات، فإذا وقع انفجار ما، سنعلن عنه حتماً، لكن في الوقت ذاته ما يهمنا أكثر هو الإجابة عن اسئلة الناس وهمومهم. من هنا تتضمن النشرة الإخبارية عشر دقائق من السياسة في مقابل عشرين دقيقة على الأرض مع الناس، فنسلط الضوء عليهم وعلى حاجاتهم وطموحاتهم، كل ذلك تحت ادارة الإعلامية مي كحالة التي كانت لتسع سنوات خلت مستشارة رئيس الجمهورية اللبنانية السابق الياس الهراوي". فما الذي جاء بمي كحالة الى هذه الفضائية؟ "بالصدفة"، تقول مي وتتابع: "اتصل بي مدير البرامج جان كلود بولس وطلب مني الانضمام الى المحطة، و بصراحة لم افكر كثيراً قبل أن أوافق نظراً لثقتي الكبيرة به، اذ تربطنا صداقة قديمة، فهو كان استاذي في الجامعة، وكنا التقينا معاً في برامج عدة مشتركة، كما أنه كان رئيس مجلس ادارة تلفزيون لبنان ابان عهد الرئيس الهراوي، كل ذلك اضافة الى دم الشباب الذي يسيطر على هذه المحطة ويفتقده العراق، من هنا اخذت هذا التحدي". وتشدد كحالة على "الحيادية" التي ستكون سمة المحطة الرئيسية وتقول: "سنكون محطة حرة غير ملتزمة بأي فريق موجود في الساحة العراقية، هدفنا أن نلاحق الاخبار من دون موقف مسبق، وأن ننقل المشهد الحقيقي من العراق: القتل والدمار، لكن الحياة الطبيعية ايضاً في محاولة للخروج من مساوئ الماضي لتحسين المستقبل والانتقال من مرحلة الى مرحلة اخرى أفضل بكل المعايير. هدف المحطة اذاً اعطاء صورة حقيقية عن العراق. هناك موت أحياناً وهناك حياة دائماً. لذلك لن نهتم بالوضع الأمني على حساب الحياة اليومية للناس". لكن ماذا عن الحيادية في ظل نظام مسيطر اليوم في العراق؟ لسنا في وارد عقد الصداقة أو العداء مع أي فريق موجود في العراق. سنعالج قضايا عراقية مستجدة مع المتغيرات في العراق. لن نروج سياسة معينة، هدفنا اظهار حقيقة الوضع كما هو. من هنا أخذنا على عاتقنا أن نكون المحطة البديلة عن كل المحطات التي نشأت في العراق والتي لم تعط العراقي اطلاقاً صورة حقيقية عن بلده، هدفنا أيضاً أن نكون الصوت العراقي فننقل مطالب الناس الى المسؤول لايجاد الاجوبة الشافية، ليشاركوا عبر أسئلتهم بصناعة المستقبل الذي لا يزال غامضاً. مي كحالة من النساء القليلات في العالم العربي اللواتي هن اليوم على رأس مديرية الاخبار في المحطات التلفزيونية، فماذا عن هذا الموضوع؟ تقول: "لطالما كان التحدي من أبرز السمات في شخصيتي، فماذا لو كان هذا التحدي لخدمة اهداف عليا؟ بمعنى ان تكوني وسيلة أو فريقاً لرفع معنويات الشعب العراقي الذي لا يجد نفسه اليوم في الأخبار المقدمة على الفضائيات والبعيدة من حياته اليومية والمعيشية. من هنا ولسد هذا النقص كانت الحاجة الى هذه الفضائية لنقل الصورة الكاملة. من هنا الأمل كل الأمل في أن تظهر صورة الحياة الطبيعية بكل جوانبها". "السومرية" اذاً محطة عراقية جديدة تبث من بيروت بعناصر لبنانية فهل يعني ذلك انها محطة لبنانية تتوجه الى السوق العراقية؟ "أبداً، السومرية قناة عراقية، يقول بولس، "ذلك أن الرخصة عراقية، برأسمال لبناني كونها مملوكة من شركة cet اللبنانية. اما طاقم العمل فإضافة الى العنصر اللبناني يوجد الكثير من العراقيين على رأسهم الأستاذ جاسم اللامي، أما مركز العمليات فبيروت موقتاً ريثما تتغير المعطيات الأمنية السائدة حالياً في العراق علماً اننا في صدد التحضير لثلاثة برامج من قلب العراق". والسؤال: في ظل الظروف السائدة اليوم في العراق هل يسهل على "السومرية" جذب الاعلانات؟ "أنا متفائل جداً"، يقول بولس، "ذلك أن الجلسة أمام الشاشة الصغيرة تزيد في زمن الحرب عنها في زمن السلم، وأقول هذا انطلاقاً من تجربة شخصية أيام رئاستي تلفزيون لبنان حيث لم تنقطع الاعلانات في أحلك ظروف الحرب، بل زادت إذ يصبح التلفزيون معها وسيلة الترفيه الاولى". مهما يكن من أمر تبقى "السومرية" وعلى ذمة القيمين عليها "نافذة تطل بنا على الوجه الآخر من العراق، وجه الأمل والغد الأفضل". فهل ستكسب الرهان وتدخل حلبة التغيير والمنافسة أم أنها ستكون مجرد نسخة منقحة عن سواها من الفضائيات العربية؟