لم أدر بخبر رحيل الأديب والروائي عبدالرحمن منيف إلا في اليوم الثاني من رحيله. كنت وقتها جالساً مع اصدقائي في إحدى الاستراحات، وفاجأني والدي باتصاله قائلاً: "احسن الله عزاءك في صاحبكم". ولم اعرف من هو صاحبي حتى وضح لي ان عبدالرحمن منيف انتقل الى العالم الآخر. لست ادري أكان ابي غاضباً مني ليخبرني عن وفاة عبدالرحمن منيف بهذه الطريقة، ام ماذا، فهو اكثر من يعرف مدى تعلقي بهذه الشخصية، وحبي لها. أكتب هذه المقالة وأنا في الثالثة والعشرين من عمري. والشغف بالقراءة لم يتمكن مني إلا بعد بلوغي العشرين عاماً. وخلال عامين لم أقرأ للمنيف إلا كتابين هما: "النهايات" و"عروة الزمان الباهي"، مع ان جميع روايات عبدالرحمن منيف موجودة في مكتبتي. لقد وجدت في رواية "النهايات" سر تعلق عبدالرحمن منيف بالصحراء. فهو ولد وترعرع في هذه البيئة وكأنه يتحدث عن اهل هذه المنطقة رامزاً إليهم بشخصية عساف، بطل هذه الرواية الذي يبين لنا حبه للصيد، والنوم في الصحراء، وشخصيته الغامضة التي تحمل كثيراً من اسرار هذه البيئة. اما في "عروة الزمان الباهي" فعرفنا عبدالرحمن منيف شخصياً، من خلال كتابته عن صديقه محمد الباهي، وعلاقته الحميمة به، وعلاقته بأصدقائه الآخرين، وطريقة تعاملهم مع بعضهم. لقد عاش عبدالرحمن منيف حياة لا يحسد عليها، وتنقل من نجد، موطنه الأول، ومسقط رأسه الى عمان ليدرس هناك، ويكمل دراسته الجامعية بكلية الحقوق ببغداد، ثم انتقل الى دمشق، وبعدها الى بلغراد في يوغسلافيا ليحصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد. رجع بعد ذلك الى بيروت، وإلى دمشق. وعمل هناك في بعض المجلات الاقتصادية، وأصبح رئيس تحرير مجلة "النفط والتنمية". بعد ذلك ذهب الى فرنسا، وعاش بها مدة من حياته، ثم رجع الى دمشق ليموت فيها، ويتركنا مع عالمنا العربي نصارع قضاياه وحدنا، وهو غير موجود. يبدو ان منيف مات، وقلمه يريد ان يكتب شيئاً عن بغداد، او عن سقوط صدام. لكن صدام لم يحالفه الحظ، ولا بغداد، ليكتب قلمه عنهما. وأعتقد انه رحل وارتاح من واقعنا العربي المرير الذي صارع من اجله. لقد انتقل عبدالرحمن منيف بالرواية العربية بأسلوبه السردي، وطريقته في العرض والبناء، الى اسلوب روائي جديد وغريب. ذلك انه لم ينهج نهج الرواد المصريين في اسلوب الكتابة المباشر، بل خرج بأسلوب اجمل. وسلكت الرواية العربية منعطفاً جديداً بعد تكاتف الرائعين، عبدالرحمن منيف وجبرا ابراهيم جبرا الذي سبق منيف الى العالم الآخر. وأعتقد انه لا يزال حياً ونحن الذين متنا. سبق ان نشرتم لي مقالاً بعنوان "وداعاً يا خبازنا الحافي"، نعيت فيه الأديب والروائي الكبير محمد شكري. وإذ أشكركم وأقدر لكم تعاونكم مع القراء والمتابعين لجريدة "الحياة"، لدي تحفظ على المقال الذي نشرتموه، حيث انه تم حذف كثير من اسطر المقال، حتى ان العنوان لم يسلم من مقصكم الكريم، مع انه لم يخالف شخصية الجريدة. الرياض - فيصل الشايع [email protected]