حين ظهرت رواية "مدن الملح - التيه" لعبدالرحمن منيف، كتب جبرا ابراهيم جبرا على غلافها الخلفي: "في الرواية نفس ملحمي... يذكرني بالروايات الكبرى التي كتبت في الغرب...". بعد ذلك راح عبدالرحمن منيف يكتب الأجزاء الأربعة التالية من الرواية: وعلى رغم انه عاود الكتابة عن القمع مرة ثانية، وكتب روايته التاريخية الكبرى "ارض السواد"، إلا ان "مدن الملح" كانت الأهم في مسيرته الروائية. لقد كتب كإنسان ذي مبادئ ورؤية سياسية محددة، كما كتب، يدفعه الحنين الى المكان، عن مدينتي عمان وبغداد. رحل عبدالرحمن منيف بعد سنوات من اكتشافه هشاشة المدن، وبعد ان شاهد كيف ان الزمن راح يغيرها بسرعة مخيفة. ففي عقدين أو ثلاثة تُختصر قرون كاملة. رحل بعد ان شاهد بأم عينه كيف ان "مدن الملح" صامدة ومكينة بينما مدن التاريخ شديدة الهشاشة. وشاهد اخيراً كيف ان التاريخ العربي لا يسير الى الأمام، اي انه ليس بالضرورة ان تنتقل المجتمعات العربية من القبيلة الى المدينة، بل العكس.