Bernard Duterme ed.. E'conomie et Ge'opolitique du Petrole. إقتصاد النفط وجغرافيته السياسية. L'Harmattan, Paris. 2003. 190 pages. ليس من المؤكد ان النفط وراء الحرب على العراق لكن من المؤكد، في المقابل، ان هذه الحرب أعادت تسليط الأضواء باهرة على الأهمية الجيوبوليتيكة للنفط. فمنذ بداية التخطيط لهذه الحرب، اي عملياً منذ انتخاب بوش الإبن رئيساً ثالثاً وأربعين للولايات المتحدة الاميركية، امكن لباحث اميركي كبير في المجال الجيوبوليتيكي والجيوستراتيجي، وهو ميكايل كلير، في كتابه الصادر عام 2001 تحت عنوان "حروب الموارد" ان يلاحظ: "ان الحروب التي خيضت حول الموارد في حقبة ما بعد الحرب الباردة لا تشكل احداثاً عارضة او معزولة. بل تؤلف على العكس جملة متكاملة تندرج في اطار جيوبوليتيكي أوسع. فعلى حين ان النزاعات الدولية كانت تحكمها حتى وقت قريب اعتبارات سياسية او ايديولوجية، فإن حروب المستقبل لن يكون لها اجمالاً من هدف سوى الاستحواذ والسيطرة على الخيرات الاقتصادية الأساسية، وبوجه خاص الموارد الضرورية لتسيير المجتمعات الصناعية الحديثة". "حروب الموارد" هذه تكتسب كامل دلالتها متى ما علمنا ان الاستهلاك اليومي من النفط في العالم يصل الى 75 مليون برميل، وانه مرشح للارتفاع في العام 2020 الى 115 مليون برميل، وان التقديرات المتاحة تشير الى ان طاقة الانتاج العالمية لن تستطيع ان تتخطى في العقدين القادمين 90 او 100 مليون برميل في اليوم، مما يعني ان العرض سيكون أقل من الطلب بنحو 20 في المئة، ومما يعني ان سوق النفط مرشحة لأن تعرف قفزة جديدة في الأسعار لا تقل عن تلك التي عرفتها في 1973، ومما يعني اخيراً ان زمن النفط الرخيص ولى الى غير رجعة. وحروب الموارد تكتسب ايضاً دلالة اضافية من المنظور الجيوبوليتيكي متى ما علمنا ان اكبر اقتصاد مفترس للنفط في العالم هو الاقتصاد الاميركي، وان الولاياتالمتحدة ستضطر في العام 2020 وهذا حسب تقرير رسمي لنائب الرئيس ديك تشيني الى ان تستورد 45 في المئة من اجمالي استهلاكها من النفط، واكثر من ذلك بكثير حسب تقديرات الجامعي الكولومبي كارلوس ألفاريز الذي يقدر ان الولاياتالمتحدة ستكون مضطرة الى ان تستورد 20.8 مليون برميل من النفط يومياً، اي ما يعادل 81 في المئة من استهلاكها الذي سيرتفع في العام 2015 الى 25.7 مليون برميل في اليوم. هذه الهشاشة النفطية لأكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم تجبرها على التفكير المبكر بأسواق بديلة عن الاسواق التي تتموّن منها تقليدياً، وفي مقدمها السوق الاميركية الجنوبية فنزويلا وكولومبيا والاكوادور. ومن هنا بالضبط تأتي الاهمية الجيوستراتيجية للنفط العراقي الذي يمثل، بعد النفط السعودي، ثاني اكبر احتياطي في العالم: 112 بليون برميل من الاحتياطي الثابت و220 بليون برميل اضافي من الحقول غير المستكشفة بعد، بالاضافة الى 110 بليون قدم معكبة من الغاز الطبيعي من الاحتياطي الثابت و150 بليون قدم مكعبة من الاحتياطي غير المستكشف بعد. وتبعاً لتقديرات "مركز دراسات الطاقة العالمية" فإن العراق قادر، في حال رفع العقوبات عنه، لا على ان يستعيد طاقته الانتاجية السابق والمقدرة ب3.5 مليون برميل يومياً فحسب، بل على ان يضاعف ايضاً هذه الطاقة مرتين او حتى ثلاثاً لتصل الى 10 ملايين برميل يومياً، اي ما يعادل اكثر من ثلاثة اضعاف الطاقة الانتاجية الحالية لفنزويلا التي هي المورّد الأول للنفط الى السوق الاميركية اذ تغطي نحواً من 17 في المئة من حاجات الولاياتالمتحدة الى الطاقة. والواقع ان السيطرة على نفط العراق ليس من شأنها فقط ان تغير معادلات الارقام والحسابات الكمية، بل كذلك المعادلات الاستراتيجية. فكما كانت اوضحت صحيفة "واشنطن بوست" القريبة دوماً من مواقع السلطة في البيت الابيض، فإن "السيناريو الذي فشل في فنزويلا قد ينجح في العراق بعد اسقاط نظام صدام حسين". والسيناريو المشار اليه هو ذاك الذي استهدف اطاحة هوغو شافيز، رئيس جمهورية فنزويلا بعد ان رفض طلب الولاياتالمتحدة بالانسحاب من "منظمة البلدان المصدّرة للنفط" بهدف تحطيم تحكّم هذه المنظمة ب40 في المئة من سوق النفط العالمية 30 مليون برميل يومياً وشل قدرتها على ضبط الانتاج وضبط الأسعار معاً. فلو انسحب العراق، بعد "تحريره" من منظمة البلدان المصدرة للنفط، ورفع انتاجه في غضون السنوات الخمس او الست القادمة الى 5 أو 6 ملايين برميل يومياً، فإن الكارتل الذي تشكله منظمة البلدان المصدرة للنفط سيتفكك، لا سيما ان دولاً اخرى في المنطقة، مثل ليبيا، تعطي "اشارات" الى انها قد تحذو في هذه الحال حذو العراق. وعدا الهدف الكبير الذي مثله تفكيك منظمة "الاوبيك" من منظور الاستراتيجية الطاقوية البعيدة المدى، فإن اسقاط النظام العراقي من شأنه كما تضيف "واشنطن بوست" في مقال حمل هذا العنوان الدال: "النفط مفتاح سيناريو الحرب العراقية" ان "يفتح منجماً من الذهب امام الشركات النفطية الاميركية المحظورة منذ زمن بعيد في العراق وان يفكك في الوقت نفسه شبكة العلاقات والصفقات المحبوكة بين بغداد وروسيا وفرنسا وبلدان اخرى، ويعيد توزيع الخرائط في السوق العالمية للنفط". وبالاضافة الى ايفان ايفكوفتش، استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاميركية بالقاهرة، فإن بشارة خضر، الاستاذ في جامعة لوفان الكاثوليكية ببلجيكا، هو الاكثر تحمساً بين محرري هذا الكتاب الجماعي عن "اقتصاد النفط وجغرافيته السياسية" لأطروحة النفط كمفتاح لسيناريو الحرب العراقية. فهو يلاحظ ان الولاياتالمتحدة ما كان لها ان تعبىء مئة وحمسين ألفاً من جنودها وتتهياً لانفاق مئة بليون دولار لمجرد تحرير الشعب العراقي من حاكم طاغية وسَوقه، بإرادته او من دون ارادته، الى جنة الديموقراطية. فمهما قُنعت الحرب بأقنعة المثالية الاخلاقية، فإن تفسيرها الواقعي ينبغي البحث عنه على مستوى الصالح المادية والاستراتيجية. وهذه المصالح لا تخفي نفسها في حالة العراق. فهو يحوز، في باطن أرضه، 11 في المئة من احتياطي النفط الثابت في العالم، محتلاً بذلك المرتبة الثانية بعد السعودية التي تحوز اكثر من 25 في المئة من هذا الاحتياطي. ونفط العراق قادر وحده على تلبية حاجات الاستيراد الاميركي على مدى مئة سنة، ثم ان تكاليف استخراجه هي الأدنى من نوعها في العالم. ففي العراق لا تزيد كلفة انتاج البرميل الواحد على دولار واحد في حين انها ترتفع الى 7-8 دولارات في حوض بحر الخزر وآسيا الوسطى، وتصل الى 13-17 دولاراً في بحر الشمال، و16-19 دولاراً في الولاياتالمتحدة نفسها. والمثلث الذي يشكله النفط العراقي مع النفط السعودي والنفط الكويتي يضمن للولايات المتحدة ان تتحكم ب45 في المئة من احتياطي النفط الثابت في العالم، وهذا في زمن يشهد تعاظم التبعية النفطية لكبرى للبلدان الصناعية في العالم، بما فيها الولاياتالمتحدة نفسها. فهذه الأخيرة اذ تستهلك يومياً 19.6 مليون برميل تجد نفسها مضطرة الى ان تستورد اكثر من 10 ملايين برميل يومياً ايضاً. ومعدل التبعية هذا الذي يصل اليوم الى 55 في المئة ينذر بأن يرتفع في عام 2010 الى 60 في المئة. ويصدق الأمر بالمثل على الاتحاد الأوروبي الذي سيرتفع معدل تبعيته النفطية من 52 في المئة في اليوم الى 64 في المئة عام 2010. وكذلك على اليابان: من 85 الى 90 في المئة. والأخطر من ذلك وضع العملاق الصيني الذي سيرتفع معدل تبعيته النفطية، طرداً مع تصنيعه، من 35 الى 48 في المئة. واذا كانت الاستراتيجية حساب تطور الأشياء على المدى الطويل، فلا مجال للشك في ان السيطرة على نفط العراق تمثل، من هذا المنظور المستقبلي، عنصراً أساسياً في ما يمكن تسميته ب"استراتيجية الأمن الطاقوي" للولايات المتحدة الأميركية.