بعد التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود، والانقسام السياسي الذي تسبب به، قال حلفاء دمشق في لبنان إن إدارتها للشأن اللبناني ستعتمد نهجاً مختلفاً لمواجهة تنامي الاعتراض الخارجي والداخلي، بهدف ضمان عدم انقلاب السلطة السياسية على نفوذها اذا اضطرت لسحب قواتها نتيجة القرار الدولي الرقم 1559، على أن تمزج بين الليونة والتشدد. ومن هذا النهج، تجنب اتباع سياسة كيدية ضد المعارضة لئلا تستفيد الأخيرة من أي اجراءات قمعية ضدها وتحولها لمصلحتها في الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، إذا ظهرت مظهر الضحية، كما حصل صيف العام 2000، حين تسبب الاداء الاستفزازي لفريق السلطة بتعزيز فرص رئيس الحكومة رفيق الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لاكتساح بيروت وجزء من الجبل، فضلاً عن تحقيق معارضين آخرين اختراقات في مناطق أخرى. ولم تقصر السلطة في الأشهر الماضية في خطواتها الكيدية تجاه المعارضين. فبعضها ظاهر والآخر مستتر، بل ان جنبلاط ذهب الى حد اتهام الأجهزة بالوقوف وراء محاولة اغتيال النائب المعتدل والوجه المقبول لدى غالبية اللبنانيين مروان حمادة. وقضى النهج الجديد أيضاً، بالاتيان بوزراء صِداميين الى الحكومة الجديدة يتصدون للمعارضة وللمواقف الخارجية ضد سورية ولا يسكتون على الانتقادات، وأبرز هؤلاء وزير الإعلام إيلي الفرزلي، وزير العدل النائب العام التمييزي سابقاً القاضي عدنان عضوم، ووزير البيئة وئام وهاب... ولم يتردد حلفاء مقربون جداً من سورية في القول ان النهج الجديد يشمل تبديلاً تدريجياً في الوجوه التي استنفدت، أو احترقت، وان نقل بعضها من مناصب في الدولة، الى مواقع سياسية أخرى ووزارية هو تمهيد لمغادرتها المسرح في المدة الممتدة بين الربيع المقبل بعد الانتخابات ونهاية السنة المقبلة. ويبدو ان الوزير - القاضي عضوم من بين هؤلاء، فضلاً عن أشخاص يتولون مناصب أمنية... لكن هذا التبديل المنتظر يقتصر على الوجوه ولا يمس السياسة المتبعة. لكن، اذا صحت معلومات حلفاء دمشق عن النهج الجديد في ادارة الوضع اللبناني، فإن المهمة الصِدامية لبعض الوجوه لن تتأخر في استنفاد دورها حتى ما بعد الانتخابات أو أبعد من ذلك. فهي تحرق المراحل في"حرق"نفسها، وفي الإضرار بالنهج الجديد الذي يتوخى تجنب إظهار المعارضة ضحية. والوزير عضوم بات يرمز الى ذلك، فالقاضي الذي قادته سمعته الطيبة وعصاميته الى النيابة العامة التمييزية قبل سنوات، تحوّل ضمناً موضوع جدل في هذا المنصب، على ألسنة النواب تحت قبة البرلمان عند مناقشة مدى استقلالية القضاء. كذلك في الإعلام والبيانات السياسية. أما عضوم وزيراً فقد بدأ يقدم بتصريحاته خدمات جلى للمعارضة على طريقة ما قدمته السلطة العام 2000 لها. ولا تقتصر تفاعلات تصريحه الأخير حول نية القضاء"جلب"مروان حمادة لاستجوابه، في اليوم نفسه لعودة المصاب الى المستشفى لإنقاذه من نزف بطيء جراء محاولة القتل التي استهدفته والتلويح بملاحقته جزائياً على تصريحاته حول التحقيق بالجريمة التي ارتكبت ضده، على انها تحقق خدمة للمعارضة. ان موقف عضوم الذي بات موضوع استهجان وسخط في أي حلقة نقاش، يلقي الضوء على ما هو أدهى من تسبب أخطاء السلطة بارتفاع شعبية المعارضين. فالرجل اعتاد كقاضٍ ان يدلي بتصريحات فيها الكثير من السياسة، متسلحاً بحصانة القضاء، من موقعه في النيابة العامة التمييزية. وحين بات وزيراً نسي انه أصبح شخصية عامة قابلة للتناول ومن دون حصانة السلطة الثالثة. وهو بالتالي يمزج بينها وبين السلطة الثانية. لقد غلب الطبع على التطبع لديه، لأنه اعتاد المزج بينهما منذ ما قبل تسلمه حقيبة وزارية. أليست هذه حال المسؤولين الأمنيين الذين يمارسون السياسة باسم الأمن ويستظلون"حصانة"السلاح فيلغون كل ما هو سياسي؟....