يشاء القدر ان يتصادف فوز جورج بوش بولاية رئاسية ثانية مع تدهور صحة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وان يحتفل رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون بهذين الحدثين باعتبارهما نصرين له... نصر بفوز"اكبر صديق لاسرائيل منذ انشائها"، حسب ما نقلته وسائل الاعلام الاسرائيلية عن اوساطه، ونصر بقرب غياب خصمه اللدود العنيد الذي طالما تمنى قتله او موته او غيابه عن المعترك ليخلو له الميدان كي يجهز على القضية الفلسطينية اذا استطاع. يقول مثل انكليزي ان"الشيطان الذي تعرفه افضل من ذاك الذي لا تعرفه"، ولكن من المؤكد انه مثل لا يصلح استخدامه في معرض التعليق على فوز بوش بولاية رئاسية ثانية في البيت الابيض، ذلك اننا خبرنا سياسات ادارة بوش وعانينا نتائجها الكارثية، ولا نزال، في فلسطينوالعراق ومنطقة الشرق الاوسط إجمالاً. ان خيبة الامل ازاء اعادة انتخاب بوش لا تقتصر على العالم العربي وانما هي خيبة عمت العالم كله باستثناء اسرائيل التي تبنى بوش سياساتها في عهد اكثر حكوماتها يمينيةً وتطرفاً، اي حكومة شارون الذي يصفه بوش، على رغم سجله الارهابي وسلسلة المذابح وجرائم الحرب التي قادها ضد الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم من العرب، بانه"رجل سلام"! وثمة خوف في العالم كله من سياسات بوش المتهورة، ومن ادارته ظهره لدواعي القلق البيئية ورفضه التوقيع على معاهدة"كيوتو"واعتماده سياسة الحروب"الوقائية"بناء على استراتيجيات اقطاب المحافظين الجدد الليكوديين، بل الصهاينة المتشددين، من امثال اليوت ابرامز وبول ولفوفيتز وريتشارد بيرل وغيرهم، الذين امتلأت بهم ادارته من البيت الابيض الى"البنتاغون"وما بينهما. وقد صار هؤلاء مصدر سياسات امبريالية تعتمد على جبروت القوة المسلحة الاميركية المنتشرة في قواعد كثيرة في معظم مناطق العالم الآن، وهي سياسات تضع في قمة اولوياتها، وفي درجة مساوية للمصالح الاميركية على الاقل، امن اسرائيل ودعم سياساتها مهما افترقت عن الشرعية الدولية والقانون الدولي وقرارات الاممالمتحدة المتعلقة بالصراع العربي-الاسرائيلي. وليس انحياز بوش الاعمى الى اسرائيل بحاجة الى اثباتات اضافية، فقد تحدث في المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الاميركية - الاسرائيلية ايباك هذه السنة مؤكداً التزامه امن اسرائيل"كدولة يهودية"، مبرزاً بذلك الطبيعة العنصرية لتلك الدولة ومشدداً ضمناً على ضرورة"نقائها"من الاغيار! وخاطب بوش المؤتمرين الذين يمثلون اللوبي الصهيوني الاقوى في الولاياتالمتحدة قائلاً:"انكم بدفاعكم عن حرية اسرائيل وازدهارها وأمنها تخدمون ايضاً قضية اميركا". وكان بوش قد اعتبر قبل ذلك الكتل الاستطيانية اليهودية في الاراضي الفلسطينية"مراكز سكانية"اسرائيلية يجب اخذها في الاعتبار كأمر واقع. وقد اعتبر ذلك بمثابة"وعد"لاسرائيل لا يقل خطورة عن"وعد بلفور"البريطاني للحركة الصهيونية بدعم اقامة"وطن قومي لليهود"في فلسطين. ان بوش مضطر رغم فوزه، وبالاحرى بسبب فوزه، الى المضي في حربه في العراق الى نهايتها وفي السعي الى تنفيذ"خريطة الطريق"لحل الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. وهذا يعني ان عليه ان يعيد الى العراق امنه وان يخوض معركة اعادة بنائه ويعمل لترسيخ حكم ديموقراطي فيه عن طريق انتخابات حرة، وان يضغط على اسرائيل لتوافق على حل مقبول مع الفلسطينيين. ولكن هل سيكون بوش جاداً في ذلك او راغباً في تحقيقه؟ ان الجواب ليس كله عنده وانما هو ايضاً عند اهل العراق واهل فلسطين.