اعلن الرئيس جورج بوش رسمياً الاربعاء الحرب على العراق وعلى اي جهة تحاول اقناعه باستنفاد الجهود الديبلوماسية لتجنبها، وذلك بحديثه عن تصوراته وتوقعاته لما سيحدث في فترة ما بعد الرئيس العراقي صدام حسين. وكشف بوش الدوافع الحقيقية وراء الحرب على العراق بزعمه ان "النجاح" في ذلك البلد، اي فرض الاحتلال والوصاية عليه، سيحرم "المجموعات الارهابية" الفلسطينية من الدعم الذي تتلقاه، وسيسهل قيام دولة فلسطينية ديموقراطية وسيسهل على الفلسطينيين اختيار قيدة "معتدلة"! وربما اعتقد بوش والمحيطون به ان العرب سذج الى ابعد الحدود وأن اطلاق وعود وردية عن "عراق ديموقراطي حر" و"فلسطين ديموقراطية قابلة للحياة" سيجعلهم يتقبلون الحرب على العراق واهله وموارده. والواقع ان لا احد في المنطقة لديه معرفة بطبيعة التحالف الاميركي - الاسرائيلي، وهو تحالف عضوي وثيق ومتجذر، يمكن ان يصدق وعود بوش. ذلك انه يعلم كما نعلم ان الذين زرعوا فكرة هذه الحرب في الذهن الجماعي لادارته هم صهاينة موالون لاسرائيل بالدرجة الاولى من امثال نائب وزير الدفاع بول ولفوفيتز ورئيس مجلس سياسات الدفاع في البنتاغون ريتشارد بيرل ومستشار الرئيس لشؤون المنطقة اليوت ابرامز وكثيرين آخرين. وهناك توافق تام في ما يبدو بين الاصوليين المسيحيين الاميركيين الذين ينتمي اليهم بوش واركان اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة والعناصر المتطرفة في الجسم السياسي في اسرائيل. ويعلم بوش، كما نعلم، ان صديقه ارييل شارون الذي خلع عليه الرئيس لقب "رجل سلام"، فرغ للتو من تشكيل اكثر الحكومات يمينية وعنصرية وتطرفا في تاريخ اسرائيل، وربما في تاريخ اي منطقة اخرى في العالم، وان هذه الحكومة تضم عناصر اجرامية بعضها، كاعضاء "الاتحاد القومي" بزعامة افيغدور ليبرمان يعمل لتنفيذ برامج ال"ترانسفير" لترحيل الفلسطينيين عنوة من ديارهم، وبعضهم الآخر، كاعضاء الحزب الوطني الديني مفدال يعملون لبناء المستوطنات وتوسيعها في كل انحاء الضفة الالغربية وقطاع غزة. غير ان تلك العناصر البلغة السوء ليست اكثر اجراما بكثير من شارون او نتانياهو او اي عضو آخر في حكومة شارون الثانية. من هنا لن يستطيع بوش، حتى لو شاء، التأثير في سياسات حكومة شارون الجديدة التي تتمثل خطوطها العريضة في مضمون خطاب شارون في هرتسيليا العام الماضي، وهو خطاب اعلن فيه شارون قبوله ب"رؤية" بوش المتضمنة حلا على اساس دولتين دولتين، ولكن مع شروط اسرائيلية تفرغ اقتراح الرئيس الاميركي من اي معنى. وبوش يعلم كما نعلم انه لبى ويلبي كل مطالب شارون. ومثال ذلك ان الرئيس الاميركي اكد من جديد في خطابه الاربعاء انحيازه التام الى جانب اسرائيل باصراره، مثل شارون، ليس على خطوات متقابلة ومتزامنة من الجانبين وانما على خطوات من جانب الفلسطينيين اولا مع اعطاء الحكم عليها للحكومة الاسرائيلية. وقال بوش انه "يتوجب على الحكومة الاسرائيلية الجيدة من ناحيتها، بعد ازالة التهديد الارهابي وتحسين وضعها الامني، ان تدعم قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة". ان الحرب اكيدة مثل آثارها المدمرة. ومن الامور الاخرى الاكيدة ان بوش الذي اطلق هذه الحرب سيميع وعوده للعرب بعدها. وسواء فاز بوش بولاية ثانية في البيت الابيض ام لا، فإنه سيكون قد ساعد اسرائيل في قضم المزيد من اراضي الفلسطينيين وحقوقهم اضافة الى اخضاع بلد عربي كبير لاحتلال استعماري غربي جديد.