الأمسية السادسة من أمسيات"مهرجان دمشق المسرحي"الثاني عشر العائد بعد ستة عشر عاماً سباتاً، كانت بمثابة"سهرة مع سعدالله ونوس". العرض الأول مسرحية"نساء سعدالله ونوس"للبنانية نادين جمعة. توليفة من ثلاثة أعمال للكاتب السوري الراحل، اعتمدت فيه المخرجة الشابة خطاً درامياً وحيداً من وجهة نظر النساء في هذه الأعمال وقد أخرجتهن من الكتب إلى المنصة من أجل فسحة ولو قصيرة من حرية الجسد، الجسد الذي هو الهاجس المشترك بينهن. ومن أجل إعادة الاعتبار ربما لقصصهن في نصوص كن فيها ضحايا أو بطلات في عتمة الكتاب عندما كن مجرد أدوات لا تمتلك زمام مصيرها، تثير الحيرة والإرباك وتدعو إلى اتخاذ الموقف النقدي المساند أو المناهض، لتصبح في العرض قصصاً خلواً من سياقها الأدبي والدرامي والإنساني والتاريخي الموجود في النصوص. ولعل هذا ما أفقد الفكرة عمقها وأبقى عليها فكرة مبتكرة فيها لحظات وامضة من الجدة والتجريبية والجرأة المشهدية. لكن ذلك مع الأسف لم يقدم المتعة المطلوبة وبقي يدور ضائعاً في معظم العرض ضمن سياق مسرحي مكرر. العرض الثاني"يوم من هذا الزمان"للمخرج المصري عمرو فؤاد دوارة. هو نموذج للخطابية الإخراجية، يمكن استخدامه وسيلة إيضاح على أهمية العلاقة بين الشكل والمضمون. نرى في العرض كيف يستطيع الشكل الفج الإطاحة بنص معاصر وجريء وعميق، والذهاب به إلى حرفية ومباشرة خطابية هي أبعد ما تكون عن الفنية وأقرب إلى دروس التربية القومية والحفظ عن ظهر قلب واتخاذ العبر والقوالب الجامدة التي وقعت في الجمود والدعائية. وابتعدت عن المتعة والإبداع، ولم تقرّب الراحل سعدالله ونوس من جمهور أحبه وأحب فنه. وإن كانت أسرة العمل المصري كرمت في بداية العرض بلفتة مؤثرة اسم سعدالله ونوس بتسليم درع إلى زوجته الفنانة فايزة الشاويش. فإن النيات الطيبة لا تصنع الإبداع بمفردها. وهنا تساءل الجمهور العريض الذي افترش الأرض في العروض ووقف في البرد بانتظار لحظة الدخول، عن سبب السوية المتواضعة لمعظم الأعمال المسرحية في المهرجان! هذا المهرجان الذي يحرص الجمهور العريض على عودته، ويحرص الجمهور النوعي من طلاب جامعات ومعهد مسرح وأهل المهنة والمثقفين عموماً على حضوره بديلاً لمسرح عالي السوية غائب طوال العام. لكن مرارة التساؤل في الكواليس ترتفع كلما تقدم المهرجان في عروضه عن الطريقة والمعايير التي تمت وفقها عملية انتقاء الأعمال. وفي يوم"عروض سعدالله ونوس"يتساءل المرء ألم يكن من الممكن استحضار الكاتب الكبير في عرض مسرحي سوري تم تحضيره بروية وأعطيت له الإمكانات المادية اللازمة التي تجعل المبدعين يستطيعون التفرغ لعمل إبداعي يكون إضافة أخرى في رصيد المسرح السوري والعربي، وليس ركاماً فوق ركام، خصوصاً في فسحة الوقت التي بلغت ست عشرة سنة من انقطاع الود بين جمهور هذا المهرجان والمسرح، آخذين بعين المعرفة وجود مخرجين سوريين يستطيعون النهوض بهذه المهمة الإبداعية الجليلة مثل غسان مسعود ونائلة الأطرش وجمال سليمان وفايز قزق وجهاد سعد وعبدالمنعم عمايري وجواد الأسدي العراقي الذي كانت له دائماً حصة في مسيرة المسرح السوري المشرفة.