مهرجان السينما الاوروبية في بيروت يشكل هذا العام، ايضاً، مناسبة لبعض اكتشافات مهمة، لا سيما في مجال نوع من السينما اللبنانية كان له حضوره، في شكل أو في آخر، قبل فورة سينما الحرب، وسينما جيل علوية/ بغدادي، التي بها يؤرخ التاريخ المعاصر لهذه السينما. فالمهرجان يقدم على هامش عروضه الاوروبية الجديدة، وعروض الطلاب اللبنانيين، اربعة افلام تكشف، كل منها في مجاله، طموحاً سينمائياً محدداً: من السينما الشعبية مع الراحل سمير الغصيني "قطط شارع الحمرا" الى السينما الميلودرامية مع منير معاصري في فيلمه "القدر" الى سينما السرد الوجودي مع جورج شمشوم "سلام بعد الموت" وأخيراً الى نوع من السينما الثقافية النضالية مع كريستيان غازي في "مئة وجه ليوم واحد". كريستيان غازي الذي يعود فيلمه هذا الى الواجهة بعد غياب ثلث قرن، يجيب هنا على بعض اسئلة حول فيلمه وسينماه ونظرته الى السينما اللبنانية في شكل عام. بداية ما الذي يعنيه لكريستيان غازي عرض "مئة وجه ليوم واحد" بعد ثلث قرن على انجازه؟ هل يشعر بحنين اليه؟ الى زمنه؟ وهل يمكنه اليوم ان ينظر اليه نظرة نقدية؟ "مصادفة حلوة كانت عندما عرفت بعرض الفيلم في مهرجان السينما الاوروبية في بيروت"، يقول غازي ويتابع: "لكن للأسف يبدو أنهم أخذوا "ستوك" من الافلام اللبنانية القديمة لعرضها في هذا المهرجان، وكأن ما يهمهم هو الكمية فقط لا غير. والحقيقة أنه عندما عدت وشاهدت الفيلم بعد نحو ثلاثين عاماً على انجازه شعرت ان من واجبي سلك هذا الطريق من جديد، لأن طرحي كان صحيحاً يومها بقدر ما هو صحيح اليوم ولا أغالي ان قلت انه يحمل نظرة نقدية صحيحة في يومنا هذا". فماذا عن هذه النظرة؟ من كان كريستيان غازي في ذلك الحين؟ وما الذي اراد قوله؟ يقول غازي: "كانت طموحاتنا في الماضي كبيرة جداً، وظننا اننا نستطيع تغيير العالم لكن سرعان ما استولت المرتزقة على حلمنا. حلمنا بمجتمع نظيف، تسود فيه العدالة والمساواة بين البشر. في هذا الفيلم انتقدت الجميع في شكل لاذع، خصوصاً الطبقة البورجوازية الصغيرة التي حذرت منها كونها خطراً على الحركة ككل فهي كانت بديلاً عن شيء ما، اذ لم تكن تحمل لا مشروعاً ولا طموحاً، هذه النظرة التي حاولت تصويرها في الفيلم لم تعجب احداً، لا اليسار و لا اليمين... اذاً، ما قلته قبل ثلث قرن لا يزال راهناً اليوم، وما ينقصه هو أنه لم يأخذ في الاعتبار "الطائفية" التي اضحت اليوم من اركان الحياة اللبنانية. والسؤال: من هو كريستيان غازي اليوم: شاعر؟ سينمائي؟ مناضل متقاعد؟ أم مجرد فضولي يراقب العالم؟ "أبداً لست مناضلاً متقاعداً"، يجيب غازي باستنكار ويتابع: "أنا اليوم في حال مراقبة لما يجري من حولي، والنضال لا يعني المراقبة. فضلوا تهميشي لأنني داخل الحركة الاعتراضية الجذرية كنت مزعجاً جداً". وبالفعل غالباً ما يتجاهل نقاد ومؤرخون دور كريستيان غازي في السينما اللبنانية وتاريخها، فالام يعزو هو هذا التجاهل؟ يجيب ضاحكاً: "لأنني أرفض ان أكون شاهد زور، فأنا لا اعرف الكذب ولا السكوت عن الخطأ". "السكوت" عنوان المشروع الجديد الذي يطمح الى تنفيذه غازي قريباً الى جانب مشروع آخر عن سجن "أنصار"، آملاً من خلالهما أن "يتحدى الانسان نفسه بقليل من الجرأة". كريستيان غازي الذي كان يريد تغيير العالم من خلال السينما يعترف اليوم بفشله في ذلك مؤمناً "أن السينما لم تعد قادرة اصلاً على تحقيق غايتها هذه بعد ان تحولت البشرية الى مرتزقة لا اكثر".