تخطئ الحكومة العراقية الموقتة اذا اعتقدت ان مؤتمر شرم الشيخ بارك سياستها وطريقتها في ادارة شؤون العراق. الأكيد انه يؤيد السياسة التي يفترض ان تتبعها هذه الحكومة ولم تفلح فيها حتى الآن. واذا لم يتحدث بيان شرم الشيخ عن"انتصار"الحكومة في الفلوجة، فهذا لا يعني انه يعترف بهذا"الانتصار"ويدعمه وانما هو يسجله للأميركيين الذين كثرت انتصاراتهم في العراق الى حد استعصى على الاستيعاب. لكن دول الجوار وممثلي المجتمع الدولي استخلصوا درساً من معركة الفلوجة وعبروا عنه بوجوب السعي الى"مصالحة وطنية"أو عقد اجتماع لجميع الأطراف"قبل الانتخابات". وبذلك وضعوا اصبعهم على الجرح، وعلى التقصير الفادح الذي ارتكبته الحكومة الموقتة. لم تكن هذه الحكومة تحتاج الى مؤتمر شرم الشيخ لتحصل على"اعتراف"دولي بها. فقرارات الأممالمتحدة، ومساهمة المنظمة الدولية في تنصيب الحكومة، والتعامل اليومي لمختلف العواصم معها، تُمثل ممارسة رسمية لهذا"الاعتراف". ولكن لا قيمة لهذا الاعتراف طالما ان العالم يرى ويدرك اكثر فأكثر ان هذه الحكومة تحتاج خصوصاً الى اعتراف عراقي بها، ولا داعي لجهد كبير لمعرفة ان الحكومة ليست على تواصل جيد مع المجتمع، وانما هي على تواصل جيد مع سلطة الاحتلال التي لا تزال تملك القرار المالي والسياسي والعسكري، لكنها تستخدم الحكومة لغطاء"شرعي"لها، مع علمها ان هذه الحكومة لا تزال تفتقد الى الشرعية التي يفترض ان تحصل عليها من خلال الانتخابات. كانت عواصم العالم تتطلع الى"انتقال السلطة"، على انه صفحة جديدة يمكن ان يبرهن الجانب العراقي خلالها انه يستطيع ان يمسك أكثر بزمام الأمور. لم ينس أحد الأخطاء التي ارتكبتها سلطة بول بريمر، ونسبت في معظمها الى"نصائح"أطراف عراقية تصورت ان لديها مصلحة حقيقية في إلغاء الدولة السابقة بكاملها وفي حل الجيش وقوى الأمن. لذلك كان الأمل في الحكومة الموقتة ان تظهر الفارق في النصح والمبادرة، وهو ما لم يظهر، أو انه على الأقل لم ينعكس على الممارسات العشوائية لقوات الاحتلال. يمكن للحكومة ان تتذرع بالدواعي الأمنية، وان تعزو قصورها الى افتقادها جيشاً وقوى أمن يعملان بإمرتها، لكنها في الوقت نفسه لم تقدم اي رؤية سياسية تخاطب جميع فئات الشعب ولم تول اهتماماً ضرورياً لما يتطلبه التحضير الجيد للانتخابات كمحك حيوي على طريق تشكيل النظام السياسي الجديد لعراق ما بعد صدام حسين. الأخطر ان هذه الحكومة لم تتمكن من الحصول على أي تعديل جوهري في سياسات الولاياتالمتحدة، باتجاه دعم بغداد في سعيها الى تطبيع علاقاتها الاقليمية والدولية، لذلك اعطت انطباعاً بأنها لا تستطيع تقديم التزامات ذات صدقية، خصوصاً لأن قرارها ليس في يدها، ولأنها كانت وستبقى تحت رحمة سلطة الاحتلال التي باتت تختبئ وراء مصطلح"القوات المتعددة الجنسية"، وكأن التسمية يمكن ان تغير الوظيفة وتطبيقاتها. لم يكن متصوراً ان يعقد مؤتمر برغبة الولاياتالمتحدة وان يتحول منبراً ضدها أو حتى ضد الحكومة التي نصّبتها في العراق، كما لم يكن متصوراً ان يكون فرصة لإلقاء المدائح للاحتلال أو لانجازات الحكومة الرشيدة. مع ذلك أطلق المؤتمر رسالة واضحة تعبر عن قناعة دولية واقليمية، وهو وجهها الى الحكومة التي بات عليها ان تفهمها وتستوعبها: من التشديد على دور الأممالمتحدة، الى وجوب"توسيع مشاركة العراقيين لانجاح العملية السياسية"، الى ضرورة عقد اجتماع في أقرب وقت وقبل الانتخابات بهدف"توسيع المشاركة"، الى دعوة الحكومة للتحلي بروح الحوار الوطني والتزام التحول من المرحلة الانتقالية الى"دولة متحدة فيديرالية ديموقراطية تعددية تحترم بشكل كامل حقوق الانسان والحقوق السياسية لمواطنيها". واذا كانت هذه المطالب صيغت بديبلوماسية البيانات التوافقية فإن هذا لا يعني انها"انجازات"للحكومة، بل واجبات يحضها المجتمع الدولي على تلبيتها. إذاً فشرم الشيخ لم يبارك للحكومة في ما فعلته حتى الآن، وانما يبارك ما يريدها ان تفعله، والكرة الآن في ملعبها، اي عند الأميركيين ايضاً، واذا لم يفعلوا فإنهم يبرهنون التزامهم أجندة تخريب متعمد.