بعد مقتل الجنود الفرنسيين التسعة في ساحل العاج، وهو الخسارة العسكرية الفرنسية الاكبر منذ هجوم بيروت في 1983، لم يجد الرئيس الفرنسي بدّاً من الرد العصبي والقوي. فأمر بتحطيم القوة الجوية للرئيس غبابو، على رغم اعتراف هذا الاخير بأن قصف الموقع الفرنسي كان خطأ. فاندلعت بعد ذلك موجة من الكراهية والعنف بين انصار الرئيس ضد الجالية الفرنسية في ساحل العاج التي يفوق عددها العشرة آلاف نسمة، كما حوصر مقر الرئيس غبابو. جاء الرد الفرنسي اذاً على عكس ما توقعه المراقبون اي ضد صديق الامس. فلا يزال يذكر الجميع توفير الرئيس غبابو لطائرة مدنية خاصة لصديق من اليمين الفرنسي سعى للافراج عن الرهينتين الفرنسيتين المحتجزتين في العراق. وقد مثل دخول فرنسا المباشر على خط الازمة دليلاً على فشل ذريع في تطبيق معاهدة السلام التي وقعت في ماركوسي للوصول الى حل سلمي دائم في البلد. ولا شك في ان فرنسا ارادت تفادي ما حصل في رواندا سنة 1994، حين حصلت مجازر رهيبة للتوتسي على ايدي الهوتو، بدعم، او على الاقل بلامبالاة فرنسية وأممية. وبتصرفها الاخير تكون فرنسا قد وقعت في الفخ لأنها صنعت اعداء من جهتي الصراع. لقد كان ولا يزال الوضع في ساحل العاج قابلاً للتوتر كنتيجة منطقية لثلاثة اخطاء: الخطأ الاول هو عدم محاسبة المتسببين في ما سبق اتفاق ماركوسي، اي الذين قاموا بأعمال قتل ونهب، وذلك طبعاً بعد اجراء تحقيق محايد في الامر، والخطأ الثاني هو تكوّن القوة المتعددة الجنسية التي كلفت بمراقبة وقف اطلاق النار من الفرنسيين اساساً، اي القوة الاستعمارية السابقة، ما جعلها طرفاً في النزاع وحكماً في الوقت نفسه، الخطأ الثالث تمثل في عدم التقدم في تنفيذ بنود الاتفاق المذكور، وغض الطرف عن الانتهاكات اليومية له خصوصاً من جانب الرئيس غبابو. ولو القينا نظرة سريعة على افريقيا لوجدنا ان الدول غير الفرنكوفونية خطت خطوات مهمة نحو الديموقراطية، بينما لا تهتم فرنسا بأكثر من مصالحها وان كان ذلك على حساب الشعوب، اي بدعم الطغاة والتستر عليهم. وبذلك تتوافر الظروف الموضوعية لوقوع المجازر والفتن والنزاعات بين الاثنيات المختلفة. لهذا بقيت الدول الافريقية متخلفة وفقيرة. وبعد ان استُعمرت طويلاً ونُهبت ثرواتها، ها هم يواصلون استغلالها بأبشع الطرق. فلا هم ساعدوها مادياً، ولا تركوها تتدبر حالها لوحدها. ومن النادر سماع انباء عن طرح ديون متخلدة لدى الدول الفقيرة. اما المساعدات التي تقدم من طريق منظمة الفرنكفونية فهي عادة ما تكون مشروطة بخدمة الثقافة الفرنسية، وهدم الثقافات المحلية. وطبعاً عندما تنشر فرنسا ثقافتها فسيعود ذلك بالنفع على اقتصادها لاحقاً. وليس ادل على الجشع الفرنسي مما ذكره مسؤول فرنسي سابق من ان كل فرنك فرنسي يقدم الى افريقيا إلا وتجني منه فرنسا لاحقاً عشرة فرنكات. وكمثال حي آخر تستورد فرنسا البرامج الاعلامية المعدة بالانكيزية ثم تترجمها لتعيد تصديرها لافريقيا بأثمان مرتفعة. مشكلة فرنسا تكمن في انها لا تريد التسليم بأن العالم يتغير في كل يوم، فهي لم تعد كتلك التي كانت في عهد نابليون او حتى في عهد ديغول. اصبح مكانها الآن خلف ألمانيا واليابان، وربما الهند. وهي مثلاً تحاول عبثاً الظهور بمظهر الدولة التي تقود اوروبا، بينما الواقع يسير عكس ذلك. فالشعوب الاوروبية اصبحت متساوية بفضل الاتحاد. المبروك بن عبدالعزيز كاتب تونسي [email protected]