عاشت الاوساط الاقتصادية في مصر "لحظة مهمة" في اليومين الماضيين عقب صدور التقرير الاول للتنافسية في صيغته النهائية - إذ سبق الاعلان عن الخطوط العريضة للتقرير في حزيران يونيو الماضي. وتكمن اهمية اللحظة في التنافس الصحي والفاعل بين وزراء المال والاستثمار والتجارة يوسف بطرس غالي ومحمود محيي الدين ورشيد محمد رشيد، الذين صاغوا مقدمة التقرير في إطار رأي كل منهم في عملية الاصلاح وامكان النهوض بالاقتصاد الوطني، ما يعني سابقة في العلاقة بين الحكومة والمنظمات المدنية وعصر جديد يشير الى رغبة مشتركة في تحريك الأوضاع الاقتصادية. وطالب رئيس المجلس الوطني للتنافسية القائم على التقرير حسام بدراوي برفع مستوى الاستثمارات الانتاجية في البلاد، لافتاً الى أنه سعياً لتحقيق الهدف يمكن لمصر إما الاعتماد على التمويل الخارجي أو حشد المدخرات المحلية في ظل المطالبة بوضع سياسة حكومية قوية في شأن افضل طريقه لجذب الاستثمار الاجنبي المباشر والاسراع بالاصلاح الاقتصادي، وإلا ستكون مصر مهددة بتهميشها عالمياً. واللافت ان الوزراء الثلاثة باركوا بشدة التقرير، مطالبين بأكثر من تقرير للاستفادة من النتائج النهائية لحلحلة الوضع الاقتصادي. قال وزير المال الدكتور يوسف بطرس غالي في مقدمته ان التقرير يهدف الى استكشاف طبيعة تنافسية الاقتصاد المصري من خلال تقويم مناخ قطاع الاعمال الراهن واثره في التنافسية. ويحدد التقرير المواضيع الرئيسية التي ترتبط بدعم التنافسية، ويولي اهتماماً خاصاً للتحديات القائمة ويتطرق الى امكانات التطوير المؤسسي وتحسين مناخ قطاع الاعمال بصفة عامة. ويؤكد التقرير أنه للحكومة دوراً كبيراً في تحسين مناخ قطاع الاعمال وذلك من خلال ازالة المعوقات البيروقراطية وتبسيط اجراءات انشاء الشركات ودعم الاطار التنظيمي، لافتاً الى ان قطاع الاعمال من وجهة نظره يتحمل مسؤولية كبيرة ايضاً وتصبح المشاركة بين الحكومة وقطاع الاعمال هي اساس تفعيل التغييرات اللازمة لتحفيز القدرة التنافسية للاقتصاد. ويعد التقرير نقطة تحول في فكر الحكومة، إذ يقوم قطاع الاعمال للمرة الاولى بتوجيه النقد البناء لاداء الاقتصاد، كما يعد أول تقرير مصري يرصد أداء الاقتصاد وفقاً لمعايير عالمية معترف بها تعتمد على منهج علمي موحد. وتعد هذه الخطوة إشارة واضحة عن نضوج الاقتصاد المصري والعاملين فيه من الحكومة وقطاع الاعمال، وإيمانهم بأن الاقتصاد المنفتح يجب أن يسبقه أولاً فكر منفتح على المقاييس العالمية. وقال وزير الاستثمار محمود محي الدين ان مصر خطت خطوات مهمة منذ التسعينات لتأسيس اقتصاد قادر على استيعاب السوق العالمية، حتى اصبحت سوقاً أكثر انفتاحاً وأمناً للشركاء في مجال التجارة. ومع ذلك فإن تنافسية مصر الدولية في حاجة الى أن تنتعش ثانية، ففي الأعوام القليلة الماضية يرى محي الدين أن معدلات التطور تباطأت وأن ترتيب مصر في التنافسية تراجع الى الوراء بالنسبة الى بلاد اخرى، بيد أن هذا ليس معناه أن الاقتصاد غير قادر على التطور السريع، بل على العكس، فإن مصر قد اظهرت تطوراً سريعاً في أكثر من حدث مترابط على مدار فترات زمنية مختلفة، إذ ظهرت بعض تلك المعدلات التي تعد أكثرها سرعة في التطور خلال فترة احلال الاستيراد في الستينات. وفي اواخر السبعينات ومعظم فترة الثمانينات ارتبطت مجموعة كبيرة من برامج الانفاق العامة وتيارات الاقتراض الخارجي بالتطور السريع. وفي اوائل التسعينات وحتى منتصفها، ساعد الاستقرار الاقتصادي الكلي، وكذلك الاصلاحات الهيكلية، على تحقيق معدلات عالية للتطور فترة اخرى، ومع ذلك كانت كل تلك الاحداث المترابطة تعد موقتة، اذ أن اطوار الاقتصاد المصري لم تحدد بعد الشروط التي تساعد على تحقيق التطور السريع والمستدام. ويحاول التقرير تحليل تلك الشروط الضرورية اللازمة لتقوية قدرة الاقتصاد المصري على التنافسية مقارنة ببلدان أخرى. وأكد محي الدين أنه عند استعراض التقارير "نجد انفسنا في حاجة الى التنبيه على بعض المؤشرات التي تستلزم الحذر، حيث أن ترتيب مصر ساء تدريجياً عبر الأعوام القليلة الماضية مقارنة ببلدان اخرى. والسؤال المهم الذي يطرح نفسه: هل هذا الانحدار المستمر في القدرة التنافسية ينم عن الاتجاه الى مستوى أسوأ؟" وأشار التقرير إلى حقيقة أن البلاد التي لا تجد فيها الاستثمارات مكاناً ملائماً يبعد عنها المستثمرون تلقائياً، ما يعني أن الفجوة المتزايدة بين مصر والبلاد الاخرى تستحق مراعاة الانتباه واتخاذ العمل الفوري من جانب الحكومة. وأكد التقرير انه ينبغي تسوية المواضيع المتعلقة ببيئة الاعمال بالاجماع، وذلك حتى يمكن اتخاذ الاجراءات المفيدة اللازمة لازالة العوائق الرئيسية التنظيمية والتأسيسية للتنافسية، والارتقاء بالاستثمار الاجنبي، وتعزيز المؤسسات التي تدعم القطاع الخاص. وطالب محيي الدين ببناء مشاركة بين القطاع العام والقطاع الخاص تتبنى وسائل فعالة لتسهيل عملية تبادل الآراء والافكار فيما يخص سياسة القطاع العام والخاص، بالاضافة الى زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاصلاحات الرئيسية الخاصة بسياسة بيئة الاعمال. وقال الوزير رشيد محمد رشيد ان التقرير جاء في وقت ملائم من عملية التنمية في البلاد، فبينما تستمر مصر في التحرير الاقتصادي والاندماج بشكل اكبر في السوق العالمية، تزداد الحاجة أكثر من اي وقت مضى الى تدعيم تنافسية صناعاتها وشركاتها التجارية، وذلك لمواجهة التحديات التي تفرضها العولمة، وانتهاز ايضاً الفرص التي تتيحها نحو التكامل الاقليمي. واستكمل التقرير، حسب رشيد، المبادرات الاخرى التي قامت بها دول صناعية كبرى واخرى نامية على حد سواء. وتسعى التقارير، بما فيها التقرير المصري، الي تقديم تحليل مفصل عن العوامل الرئيسية المؤثرة في نمو اقتصاداتها ورفاهية شعوبها في المستقبل. ويحاكي التقرير المصري للتنافسية الشكل والبناء الذي يصدر به تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي عن التنافسية، كما يتضمن عرضاً لدور المجلس الوطني للتنافسية، والمنهجية المتبعة في التقرير، والتعريفات المستخدمة، اضافة الى تحليل للاقتصاد المصري. ويتبعه بعض التوصيات الخاصة بالاصلاحات الاقتصادية اللازمة لدعم تنافسية الاقتصاد في المستقبل. ويتيح التقرير قياس التقدم في تنافسية الاقتصاد المصري، ما يتيح متابعة وقياس جميع التحسينات في كل مجالات الاقتصاد. وأجمع الوزراء الثلاثة أن مصر في حاجة الى التعرف على الاعراف العالمية الجديدة في قطاع الاعمال، مع توجيه اهتمام خاص الى الجودة والمرونة والتصميم الفني والجدارة بالثقة والاعتماد وامكانية النفاذ والاهتمام بالتعرف على شركاء الاعمال. فضلاً عن ذلك ينبغي بناء مجتمع يُقدر التنافسية بدرجة عالية، وما تتضمنه من المزيج الامثل من التكنولوجيا والاعمال الادارية ومهارات الموظفين ومنظمات الاعمال، إلا أنه لكي يتم اعداد جميع عناصر الخطة الاستراتيجية للتنافسية، لابد من العمل الجماعي والمشاركة الواسعة لكل الاطراف المعنية في المجتمع، بما في ذلك قطاع الاعمال والحكومة والمجتمع المدني. نظرة عامة قال التقرير انه على رغم ان مصر دولة ذات دخل متوسط منخفض، فإنها تمتلك الاسس الضرورية اللازمة لبناء اقتصاد متين، فخلال الفترة بين عامي 1997 و2003 اظهر الاقتصاد بصورة ثابتة انه لا تهتز مرونة اقتصادية في مواجهة عدد من العوامل الخارجية مثل: ازمة جنوب شرقي آسيا عام 1997 وبطء استرداد الاقتصاد العالمي لعافيته، الانخفاض الموقت في قطاع السياحة في الفترة ما بين عامي 1997 و1998 عقب حادثة الاقصر، الهبوط في اسعار البترول العالمية وتأثيرها في صادرات مصر من البترول عام 1998، الركود العالمي في اعقاب احداث ايلول سبتمبر 2001 والحرب الافغانية اضافة الى الاضطرابات التي حدثت اخيراً ولا تزال مستمرة في العراق. وأكد التقرير أن مصر حققت الكثير من خطوات التقدم نحو امام، ولكنها تواجه الكثير من التحديات المتزايدة، فلقد كان استقرار الاحتياطات العالمية ونمو حجم الصادرات وتحقيق فوائض في الحساب الجاري وميزان المدفوعات والسيطرة على الديون الخارجية، كل ذلك كان يعد خطوات ايجابية حققتها مصر بنجاح، بينما تتضمن التحديات التي تنتظر مصر الكثير، وفي مقدمها تزايد حجم الديون المحلية وتزايد سرعة التضخم وارتفاع معدل البطالة وارتفاع العجز في الموازنة وانخفاض اجمالي الانتاج المحلي بالنسبة الى الفرد وعدم توافر البيئة المشجعة للصادرات وانخفاض مشاركة القطاع الخاص والقطاع المصرفي الهش وهزال الاستثمارات الاجنبية المباشرة وبطء برنامج التخصيص وبيئة الاعمال التي كان من الممكن ان تكون اكثر جاذبية للاستثمارات، بالاضافة الى أن نظام التعليم لا يلبي حاجات قطاع الاعمال. نتائج وأشارت نتائج التقرير النهائية إلى ان صورة مصر ليست قاتمة، فلديها من الامكانات ما يمكنها من تحسين قدرتها التنافسية، وهذا يرجع الى سياسات الاقتصاد الكلي القوية التي ابعدت الدولة عن الازمات، التي ظهرت في منتصف التسعينات حتى اواخرها، في اميركا اللاتينية وجنوب اسيا، واخيراً في الارجنتين عام 2002. وأكد التقرير أن القدرة التنافسية هي الناتج النهائي المركب من محركات التغيير المعقدة ويتطلب اعادة بناء القدرة التنافسية للاقتصاد المصري، ما يعني التنفيذ السريع للاصلاحات الاقتصادية والمالية والتنظيمية والمؤسسية الواسعة النطاق من أجل الاتجاه نحو بيئة اعمال اكثر وداً ورفع معدلات الاستثمار والدفع نحو تحقيق معدلات نمو أكبر. وقال التقرير انه بناء على النتائج، فإن صُناع السياسة البارزين والجهات التنفيذية الرئيسية في البلاد يدركون ادراكاً تاماً التعديلات المطلوب اجراؤها، تلك التعديلات التي تنبع من الوعي الداخلي بها، وهي الآن تتقدم في مراحل التنفيذ، فقد تم تنفيذ الكثير من الاصلاحات الا أن التقدم المطلق لم يكن كافياً فقد تراجع مركز مصر حسب المؤشرات المختلفة لقياس القدرة التنافسية مقارنة ببلدان اخرى، وعليه تجدر الاشارة الى ضرورة الاسراع بالاصلاح والا ستكون مصر مهددة بخطر ان تكون على هامش مسيرة العولمة، في اشارة إلى إن احد الدروس المستفادة من خبرة مصر الطويلة في الاصلاح هو اهمية الاستجابة القوية والسريعة للارادة السياسية من اجل تقوية البيئة الاقتصادية وبيئة الاستثمار، علاوة على القدرة التنافسية.