ينتظر المصريون القرارات الجديدة التي ستعلنها الحكومة في غضون أيام، في إطار ما يسمى "تغيير خريطة الاقتصاد". ويعتبر المصريون التعديل الذي جرى على هيكل التعرفة الجمركية في الثامن من ايلول سبتمبر الماضي جرعة أولى لتنشيط الاقتصاد القومي، الذي يحتاج الى جرعة ثانية وعاجلة اكثر تنشيطاً من الاولى بعد قرب نفاد تأثير الأولى. وينتظر المصريون جرعة مدروسة بدقة وبفكر قيادي ماهر، خوفاً من نتائج سلبية تصيب الهيكل الاقتصادي العليل أكثر مما تداويه، فالامراض الاقتصادية كثيرة ومتشعبة وان كان اخطرها تراجع الاستثمار الى نحو 300 مليون دولار سنوياً من 1300 مليون في السابق وتآكل منظومة الضرائب وعشوائية السياسة التعليمية والفجوة الكبيرة بين الاستيراد والتصدير، وتلك امراض اقتصادية في حاجة ماسة الى علاج عاجل بالجرعات تمهيداً لاجتثاثها من جذورها حتى لا تدمر خلايا الجسد بالكامل. تصدر في غضون أيام قرارات جمهورية في شأن اصلاح النظام الضريبي القائم وحل مشاكل المصدرين، لاعطاء دفعة قوية لزيادة الصادرات وازالة الكثير من العقبات أمام بعض الصناعات بهدف تنميتها والنهوض بها. وقال رئيس الحكومة احمد نظيف ان هناك حالياً مراجعة لخطة شاملة لاصلاح النظام الضريبي وتنشيط اجراءاته بما يتماشى مع المتغيرات العالمية ويساعد على تخفيف الاعباء عن المواطنين والمستثمرين في الداخل او الخارج على السواء. وتحرص الحكومة في الوقت نفسه على ألا تتعارض خطوات الاصلاح الاقتصادي مع الاستقرار الاجتماعي، وذلك بدعم الاستثمار في توفير الخدمات الاساسية للمواطنين واصلاح التعليم وتطوير الخدمات الصحية وزيادة فرص العمل لاستيعاب الوافدين الجدد سنوياً في سوق العمل. كما تركز الحكومة على اصلاح النظام المالي واعادة هيكلة القطاع المصرفي واصلاح البنوك العامة واعداد احدها للتخصيص قريباً. وأضاف نظيف أن الحكومة بدأت بالفعل تنفيذ خطة الاصلاح الجمركي بعد علاج التشوهات في التعرفة الجمركية، ما يعمل على تقليل الحماية الزائدة للصناعة المصرية وزيادة تنافسية المنتج المصري. وأكد ان الاصلاح الجمركي سيساعد على زيادة التجارة الخارجية، ما يسهم في زيادة معدلات النمو، مشيراً الى ان خطوات الاصلاح في مجال الجمارك لن تقتصر على خفض التعرفة الجمركية وستشمل اصلاح الادارة الجمركية والتوسع في تطبيق تكنولوجيا المعلومات في هذا المجال. وأشار الى أن الحكومة تتطلع إلى توفير بيئة مشجّعة لمشاركة فعالة بين القطاعين العام والخاص، تركز على تنشيط الطلب المحلي على المنتجات والخدمات في مختلف القطاعات، ما يسهم في رفع معدلات النمو وتوفير فرص عمل جديدة. وقال نظيف ان هناك ملامح مبشرة باتجاه الاقتصاد المصري للتعافي بعد عام صعب تأثرت فيه بعض القطاعات بتداعيات تحرير اسعار الصرف، موضحاً ان معدل النمو حالياً يبلغ 4.1 في المئة، ومن المتوقع زيادته في ضوء اجراءات الاصلاح الاقتصادي التي بدأت الحكومة تنفيذها بالفعل. وذكر أن الاقتصاد الوطني يواجه عدداً من التحديات حالياً في مقدمها نسبة البطالة، التي تبلغ 10.7 في المئة، وضرورة توفير 600 ألف فرصة عمل سنوياً، موضحاً أن هناك عدداً من المؤشرات الايجابية منها زيادة الصادرات بنسبة 31.7 في المئة والسياحة بنسبة 25.6 في المئة وعائدات قناة السويس بنسبة 28.1 في المئة. من جهته، شدد وزير المال يوسف بطرس غالي على استمرار عملية التطوير التي بدأت قبل فترة وجيزة بخفض التعرفة الجمركية وعلاج التشوهات الجمركية، مشيراً الى انه سيصدر قريباً تعديل جديد لضبط اداء الجمارك في عدد من السلع، عبارة عن ملحق لاستكمال التخفيضات السابقة والتي طالت اكثر من 8000 بند جمركي يتضمن كل بند منها نحو 2000 سلعة. وقال إن خفضاً جديداً على التعرفة الجمركية سيتم في تموز يوليو من السنة المقبلة لاستكمال تطوير منظومة العمل الجمركية وتيسير وتشجيع العمل في التجارة والاستثمار. وأعلن غالي أنه قبل نهاية السنة سيتم ربط جميع المنافذ الجمركية في مصر بشبكة مركزية في القاهرة حيث سيتم الاستعلام آلياً عن المعلومات الجمركية، خصوصاً المتعلقة بالتسعير، من دون الاعتماد على موظفي الجمرك، لافتاً الى أن هناك اتجاهاً لربط الجمارك بالبنوك التي تتعامل معها من اجل التوسع في التعامل الآلي وتدريجاً سيحل النظام الالكتروني ويتم سداد الجمارك عن طريق بطاقات الائتمان. وأضاف أن الجمارك ليست تعرفة فقط وإنما نظم ادارية، مشيراً الى أنه تم التوسع في برامج تدريب رجال الجمارك وابعاد الموظفين الذين لا يستوعبون التطوير ويتمسكون بالاساليب القديمة في التعقيد الى مواقع اخرى بعيدة عن التعامل مع الجمهور. وزاد: "اننا في تطوير القطاع الجمركي استفدنا من تجربة اكثر من 50 دولة وتعرفتنا الجمركية مازالت مرتفعة مقارنة بالكثير من الدول النامية ونسعى ان نكون في موقع متقدم بعد الاستمرار في علاج التشوهات الجمركية". واعتبر غالي أن الاجراءات الاخيرة لمعالجة التشوهات في التعرفة الجمركية تأتي في إطار خطوات متواصلة تستهدف تدعيم سياسات الاصلاح الاقتصادي في البلاد. وقال ان الحكومة تعمل على تحقيق معدلات نمو عالية وتحسين جودة الانتاج وبناء نظام اقتصادي متوازن يسهم في زيادة القدرة التنافسية للاقتصاد المصري، موضحاً ان خطط الحكومة تستهدف زيادة معدلات النمو واصلاح الممارسات غير الملائمة في الجمارك والتأمين والبنوك وغيرها من المؤسسات لزيادة فرص العمل وتحسين الانتاجية وزيادتها. السياسات الصناعية قال وزير التجارة الخارجية والصناعة رشيد محمد رشيد إن الحكومة انتهت من وضع خطتي عمل شاملتين تحددان شكل ومحتوى السياسات الصناعية المطلوبة لتطوير صناعة الاسمنت في البلاد. وأضاف رشيد أنه في إطار هذه السياسات الصناعية حددت الدولة الاجراءات المطلوبة لدفع وتنمية صناعتي الاسمنت والاسمدة وحجم المساندة الحكومية المطلوبة وآلياتها والفئات المستهدفة لهذه المساندة، لافتاً الى ان السياسات الصناعية - التي تم الانتهاء من إقرارها - حددت العقبات المطلوبة إزالتها ومدى وإطار التدخل الحكومي في صناعتي الاسمنت والاسمدة باعتبارهما من الصناعات المهمة والحيوية للاقتصاد القومي، مشيراً الى أنه سيتم الاعلان قريباً عن هذه السياسات. وأكد رشيد انه سيتم تطوير برامج مساندة الصادرات المصرية وزيادة كفاءتها لتحقيق أقصى استفادة منها في زيادة الصادرات، لافتاً في هذا الصدد الى أنه سيُعقد الثلثاء المقبل اجتماع لمجلس ادارة صندوق تنمية الصادرات لوضع تصور جديد لخطة عمل في الفترة المقبلة في ضوء سياسة الحكومة للنهوض بالتصدير، وموضحاً أنه سيبحث ايضاً في أساليب مساندة التصدير وإمكان امتدادها لتشمل البنية التحتية للتصدير. وبدأ رشيد مشاوراته مع رؤساء المجالس السلعية 10 مجالس للنهوض بالصادرات، مقترحاً تشكيل لجنة من بعض رؤساء تلك المجالس مهمتها تحديد مشاكل البنية التحتية للتصدير ووضع الحلول اللازمة والعاجلة. كما دعا الى التقدم بالاقتراحات اللازمة لتحديد التدخل والاجراءات الحكومية والسياسات اللازمة لمضاعفة الصادرات السلعية، مؤكداً أن الحكومة تعطي أهمية قصوى لزيادة حجم تلك الصادرات السلعية في الفترة المقبلة كما أنها مستعدة لتقديم كل الدعم والمساندة للمصدرين. وقال إن التحدي الحقيقي الذي تواجهه الحكومة ومجتمع الأعمال هو ترجمة التوجهات والسياسات والقرارات التي تم اتخاذها الى نتائج محسوسة على أرض الواقع من خلال إنعاش القطاعات الانتاجية والتصديرية، مشيراً الى أن الحكومة تحملت المخاطرة في ما اتخذته من قرارات تخفيض التعرفة الجمركية وأنه على قطاع الاعمال ان يتحمل نصيبه من المخاطرة ويأخذ بزمام المبادرة في توسعة النشاط الانتاجي والتصدير. الخبراء إلى ذلك اجمع الخبراء على ضرورة اصلاح النظام الضريبي وعلاج التشوهات القائمة وتغيير اسلوب التعاطي مع المشاكل الاقتصادية. ويرى هؤلاء أن القرارات الاقتصادية الاخيرة لخفض الجمارك ومشروع قانون الضرائب من شأنها أن تنقل البلاد الى الاقتصاد العالمي. وأشاروا الى أن تلك القرارات تحتاج إلى تكاتف جميع الجهات الشعبية والحكومية حتى تؤتي ثمارها وينعكس اثرها بشكل ايجابي في اداء الاقتصاد. وتطلع الخبراء الى اجراءات مماثلة خلال الفترة المقبلة لانعاش السوق وأكدوا ضرورة التزام التعديلات الجمركية والضريبية الجديدة، ما سيؤدي الى إحداث رواج اقتصادي في السوق المحلية والخروج من حال الركود التي تعاني منها الاسواق في المرحلة الحالية. كما طالبوا الحكومة بضرورة الاسراع بتنفيذ التعديلات التي اعلنتها وأكدوا ضرورة ايجاد حلول سريعة لمعالجة المشاكل التي ستنتج عن تطبيق تلك القرارات وعلى رأسها زيادة العجز في الموازنة العامة، معتبرين ان الحل الامثل لذلك هو الاسراع بتنفيذ برامج الاصلاح الاقتصادي الاخرى وفي مقدمها تفعيل برنامج التخصيص لتعويض جزء من هذا العجز. وقالت رئيسة مركز البحوث والدراسات الاقتصادية الدكتورة هبة نصار ان خطوات الاصلاح تهدف الى خفض اسعار السلع في السوق المحلية وتمكين المواطنين من الحصول على حاجتهم بأسعار مناسبة. وأضافت أن القرارات الاخيرة تحمل العديد من الايجابيات، في مقدمها احداث رواج اقتصادي في السوق نتيجة خفض الاسعار مثل السلع الغذائية والهندسية والورق والمنتجات الجلدية والصناعات التكنولوجية. واعتبرت انه على رغم تأثر الموازنة العامة للدولة سلباً بتلك القرارات في المرحلة الحالية وعودة الضغط على العملة المحلية والتأثر الموقت لبعض الصناعات مثل صناعة السيارات، إلا انه على المدى المتوسط والبعيد سيكون الاثر اكثر ايجابية في كل قطاعات الاقتصاد. وقال رئيس الجمعية المصرية لشباب الاعمال حلمي ابو العيش ان تحقيق النجاح للقرارات الاقتصادية الاخيرة يتطلب جهداً من كل الفئات الشعبية والرسمية إلى جانب الحكومة، مشيراً الى أن الظروف الاقتصادية العالمية الراهنة والمستقبلية تتطلب بذل الجهد من الجميع حتى تكون مصر قادرة على المنافسة والاستمرار. وأضاف ان المرحلة المقبلة تواجه العديد من التحديات، اهمها توفير اختبار حقيقي هذه المرة على القدرة على المنافسة أو الخروج منها، مطالباً بضرورة زيادة الانتاج وتحسن كفاءته وزيادة القدرة التصديرية حتى تتمكن مصر من المنافسة في السوق المحلية قبل العالمية. من جهتها، قالت استاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة جنات السمالوطي ان القرارات الجديدة من شأنها اعادة النشاط من جديد الى قطاعات الاقتصاد، موضحة أن الضرائب تقوم بثلاثة ادوار في سير حركة الاقتصاد، اولها الدور المالي المتمثل في الايرادات والدور الاقتصادي المتمثل في النشاط الاقتصادي والدور الاجتماعي من خلال العدالة في التوزيع. ورأت ان التخفيضات الجمركية الاخيرة من شأنها زيادة القدرة التنافسية للمنتج المحلي وخلق رواج اقتصادي، معتبرة أن مسألة حسن التطبيق والتنفيذ من قبل الحكومة وبمشاركة الفئات المعنية المختلفة يعد الركيزة الاساسية لإنجاح تلك القرارات وعلى رأسها منع التهرب الضريبي وانتاج منتج مصري قادر على المنافسة. وطالبت بضرورة ترشيد انفاق الدولة في ظل تراجع الايرادات في المرحلة القريبة نتيجة تلك التعديلات، إضافة الى ضرورة اللجوء للطرق البديلة لمحاولة تقليص العجز في الموازنة العامة للدولة. قطاع السيارات يتطلع قطاع السيارات في مصر الى قرارات جديدة وجرعة تنشيطية عاجلة تعطي السوق توازناً بعدما أثر قرار خفض الجمارك في القطاع عموماً. ورحّب رئيس اتحاد مصنعي السيارات صلاح الحضري بالاجراءات الجديدة، مشيراً الى أن الحكومة اعلنت استعدادها لمناقشة المشاكل واوجه القصور الموجودة في تلك التعديلات، "وهو ما بدأناه بالفعل منذ اكثر من اسبوع".