إذا كان من شبه المستحيل العثور على مقالة واحدة في الصحافة العربية، بمختلف ميولها وتياراتها وولاءاتها، تدافع عن سهى عرفات، فإن من الصعب جداً قراءة أية مقالة في إعلام أوروبا الغربية تهلل لفوز جورج دبليو بوش، أو تدافع عن شخصه وسياسته... قد تجوز هذه المقارنة بعد تقديم التعزية لأرملة الرئيس الفلسطيني، بيد أنها تظهر جلياً عمق الكره الأوروبي بمختلف اتجاهاته، إذا ما استثنينا اليمين المتطرف، لظاهرة بوش. فحتى المقالات التي تود الخروج عن المنطق الغالب في موقف اوروبا الغربية، وتفسير الظاهرة الاميركية، مقللة من الخطر الاصولي الداعم للرئيس المجدد، فانها تبدأ بالتأكيد على ان كاتبها كان مؤيداً لجون كيري، أو ان القيم الاميركية ليست من قيمه. وقبل الاعلام الاوروبي وحملته على بوش، وحتى قبل ظهور نتائج الانتخابات الاميركية، كان رفض البرلمان الاوروبي تنصيب الايطالي روكو بوتغليوني كمفوض اوروبي، بعد تصاريح هذا الاخير التي اعتبرت مجحفة بحق النساء والمثليين، بمثابة رد أوروبي قبل أوانه على قيم اميركا الجديدة، وموقف واضح من رفض أي التباس في القيم بين القارتين. اما اليوم، وبعد فوز جورج دبليو بوش بفارق أربعة ملايين ناخب، وصعوبة الموقف الحكومي والسياسي الاوروبي في استئناف التصدي من جديد للسياسة الاميركية، والقلق اوروبي من انتعاش الحركات الاصولية واليمينية المتطرفة داخل القارة الاوروبية الفرنسي اليميني المتطرف جان ماري لوبن الذي كان ناهض الحرب الاميركية في العراق، والمعروف بصداقاته مع صدام حسين، اخذ يهلل لنصر بوش بدأ يظهر اعلام أوروبا الغربية كآخر حصن معرض للسقوط امام الزحف الاميركي. وإذا كانت تعليقات الصحافة الفرنسية بمختلف اتجاهاتها السياسية متوقعة بعد فوز بوش، خصوصاً ان الحملة الاميركية على فرنسا خلال المعركة الانتخابية كادت تكون حملة عنصرية اتهام جون كيري بكونه فرنسياً أو انه "يشبه الفرنسيين" بدا بمثابة الشتيمة الجمهورية للمرشح الديموقراطي، فإن اعلام بلجيكاوالمانيا وحتى أو خصوصاً بريطانيا جاء أعنف بكثير من الاجماع الفرنسي على العداء للبوشية. صحيفة "لوسوار" البلجيكية أكدت عدم ثقتها بأي تغيير قد يطرأ على سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية، مقارنة بين رحيل ياسر عرفات، مع أمل بظهور طاقم فلسطيني جديد، وبقاء جورج دبليو بوش!.. في المانيا صحيفة "فرانكفورتر رندشو" كتبت ان "نتائج الانتخابات الاميركية تجبر اوروبا على الاعتماد على ذاتها. الولاياتالمتحدة تبتعد اليوم أكثر عن سياسة مشتركة وقيم مماثلة مع القارة الاوروبية. الحلف القديم يلفظ أنفاسه الأخيرة، والولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي أضحى واحدهما أغرب للآخر من أي وقت مضى...". و على الوتر ذاته عزفت "سودويتشو زيتونغ": "أميركا غدت ارضاً غريبة، وهذه الانتخابات تؤكد هذا الاحساس. بوش، على عكس ما ظن العديد، ليس هفوة في تاريخ اميركا، انه يمثل الأكثرية في بلاده. برلين وباريس وعواصم أوروبية أخرى يمكنها تثبيت أفكارها عبر تقديم حلول للأزمات الدولية. فالاستقصاءات تشير الى ان رفض واحتقار بوش هو الأقوى في كل من المانياوفرنسا...". بيد ان الرفض والاحتقار ليسا حكراً على هاتين الدولتين. فالوضع البريطاني يبدو أشد غرابة. الغالبية العظمى من ناخبي توني بلير يكرهون بوش. والجديد ان حزب المحافظين، حزب مرغريت ثاتشر، أي بلغة أخرى، حزب أميركا في أوروبا، يمارس بدوره الاشمئزاز من البوشية. وهذا بعد ان أوفد كارل روف، مستشار الرئيس الاميركي، رسالة الى زعيم حزب المحافظين مايكل هوارد الذي كان يعتزم زيارة واشنطن لتهنئة بوش، مفاده انه لا داعي لقدومه لأن الرئيس لن يستقبله، نتيجة انتقاداته لسياسة بلير العراقية. ربما كان اعنف ما كتب ضد الولاياتالمتحدة في الأيام الأخيرة من حصة "الغارديان" البريطانية التي طالب معلقها بخروج أميركا حتى من... الحلف الأطلسي!". فهذه الدولة انما هي مزيج من انعزالية فكرية وتدخل امبريالي في الخارج. وهي لدى شعبها نسبة مسدسات تفوق نسبة جوازات السفر... حتى ال48 في المئة الذين صوتوا لجون كيري لا يشاطرون اوروبا قيمها، والظن انهم مختلفون عن بوش يجعلنا نظن انه بخروج بوش قد تتحسن الأمور...". ويختم تعليقه "يمكننا ان نظل أصدقاء أميركا. ولكن لن نبقى أبداً حلفاءها...". أما الأقلية الاميركية التي تقاسم أوروبا قيمها، فانها اليوم تظهر بشكل مكثف على الانترنت: رسائل استغاثة وغضب، خصوصاً اعلان نيات هجرة ورحيل. مركز "سلايت" يقدم لقرائه النصائح التقنية حول "كيفية الانتقال الى كندا"، وهناك اقبال مكثف على مركز للهجرة الى كندا، وفي كاليفورنيا، حسب صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل" زحمة أمام أبوب قنصليات استراليا ونيوزيلاندا.