نجح مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الأميركي بتوفير بعض الدعم للدولار بعدما قررت ذراعه المعنية بالسياسة النقدية، لجنة السوق المفتوحة، رفع السعر الحقيقي للفائدة القصيرة الأجل الى مستوى ايجابي للمرة الأولى منذ هجمات أيلول سبتمبر 2001 وأبدت، في بيانها التقليدي، درجة ملحوظة من الثقة في النشاط الاقتصادي ونسبة التضخم اعتبرها بعض المحللين مقدمة لزيادات جديدة خصوصاً في اجتماع العاشر من كانون الأول ديسمبر المقبل. لكن عدداً كبيراً من المحللين والاقتصاديين الأميركيين"شكك في قدرة الدولار على الاستفادة بقوة من حافز أسعار الفائدة"وأبدى ما يشبه"الاجماع"على أن العجوزات المالية والتجارية الأميركية التي سجلت أرقاماً قياسية في الفترة الرئاسية الأولى لجورج بوش تواجه احتمال التفاقم بحدة في الفترة الرئاسية الثانية معرضة الدولار، أو ما وصفه أحد كبار هؤلاء المحللين ب"امبراطور"النظام المالي الدولي، للمزيد من"التعري"من جراء اضعاف أركانه الأساسية. قررت لجنة السوق في اجتماعها العادي الثلثاء رفع سعر الفائدة على الدولار بمقدار ربع نقطة مئوية الى 2 في المئة. وبمعادلته بنسبة التضخم الأميركية ارتفع سعر هذه الفائدة الرئيسية، التي تؤثر بشكل غير مباشر في عدد من أسعار الفائدة التجارية، الى مشارف مستوى الصفر ما من شأنه، سيما في حال استمرت عملية تشديد السياسة النقدية حسبما هو متوقع، أن يعزز الأصول الاستثمارية المقومة بالدولار ومعها أسعار صرف الورقة الخضراء التي حققت فعلياً بعض المكاسب الفورية مقابل الين الياباني والعملة الأوروبية الموحدة اليورو. وجاءت الزيادة الجديدة، وهي الرابعة منذ نهاية حزيران يونيو الماضي، بعد تصريحات ومؤشرات جعلتها شبه مؤكدة خصوصاً اعلان رئيس مجلس الاحتياط آلن غرينسبان أن عجلة الاقتصاد الأميركي تجاوزت"الرقعة الرخوة"التي اعترضتها في وقت مبكر من الصيف واستعادت ثباتها، علاوة على بيانات التوظيف التي فاقت توقعات المحللين حين أظهرت أن سوق العمل أضافت 337 ألف وظيفة جديدة في تشرين الأول اكتوبر. ولاحظ محللون أن سوق العمل، التي بات من المؤكد بأن أداءها المفاجئ سيُنقذ الرئيس بوش من احتمال أن يصبح أول رئيس أميركي يخسر وظائف في فترته الرئاسية الأولى، لعبت دوراً مهماً في قرار لجنة السوق التي قللت كذلك من مخاطر ارتفاع أسعار النفط والتضخم مؤكدة في بيانها أن"ناتج الاقتصاد الأميركي ينمو بوتيرة معتدلة على رغم ارتفاع أسعار الطاقة وقد تحسنت أوضاع سوق العمل ولا يزال التضخم وتوقعاته الطويلة الأجل ضمن نطاق السيطرة". وشددت اللجنة على أن توقعاتها ببقاء نسبة التضخم الأميركية منخفضة نسبياً في الفترة المقبلة تجعل من الممكن تشديد السياسة النقدية بخطوات"محسوبة"ليستنتج بعض المحللين من هذا التشديد ومن اللهجة"المتفائلة"للبيان، سيما في شأن سوق العمل، أن زيادة جديدة بمقدار ربع نقطة مئوية في سعر الفائدة أصبح من شبه المؤكد أن تأتي في اجتماع كانون الأول، وهو الاجتماع الأخير للسنة الجارية، وأن تتبعها زيادات مماثلة السنة المقبلة. وحتى عند مستوى 2 في المئة أصبح سعر الفائدة الأميركية يماثل سعر نظيرتها في منطقة اليورو وساهم في أن يحقق الدولار مكاسب فورية بنسبة 1.4 في المئة مقابل الين وكذلك في أن يُحال دون الورقة الخضراء وتسجيل رقم قياسي جديد في الانخفاض مقابل اليورو الذي اخترق حاجزاً سيكولوجياً عند مستوى 1.3 دولار قبل أن يتراجع الى 1.2888 دولار في نهاية جلسة التداول الاربعاء. غير أن محللين في مؤسسة أبحاث السوق"غلوبال انسايت"شككوا في أن تكون اغراءات أسعار الفائدة كافية لتوفير دعم مستدام للدولار مشيرين الى أن السياسة الاقتصادية المتوقع أن ينتهجها الرئيس بوش في الفترة الرئاسية الثانية خصوصاً التزامه تثبيت الخفوضات الضريبية الضخمة التي نجح في اقناع الكونغرس بتبنيها في فترة رئاسته الأولى ستفاقم العجوزات الأميركية الى درجة لا يحتملها المستثمر الدولي وستنعكس آثارها بشكل خطير في أسعار صرف الدولار. وفي تحليل منفصل استنتج الاقتصادي المخضرم ريتشارد بيرنر أن نجاح الرئيس بوش في تثبيت الخفوضات الضريبية سيعني أن الموازنة الأميركية ستعاني عجزاً يصل الى 3 في المئة من الناتج المحلي سنوياً حتى نهاية العقد الجاري. ولاحظ أن هذا المستوى من العجز المالي قد لا يكون على رغم ضخامته، خطيراً بالنسبة لاقتصاد عملاق مثل الاقتصاد الأميركي لكنه يصبح كذلك عندما يترافق مع عجز تجاري يُتوقع أن يصل الى 5.2 في المئة من الناتج المحلي السنة المقبلة. ولخص بيرنر مشكلة العجز المالي بالقول ان"الرئيس بوش أشرف على أكبر زيادة في الانفاق الحكومي منذ أربعين عاماً ولا يوجد في واشنطن شهية تُذكر للانضباط المالي"بينما لخص المحللون في"غلوبال انسايت"تبعات هذه العجوزات على الدولار بالقول ان اعتماد أميركا على المستثمر الدولي، ممثلاً بالمصارف المركزية والاستثمار الخاص، لتمويل عجوزاتها يعني ان"فقدان الثقة بقدرة ادارة بوش على ضبط بيتها المالي قد يؤدي الى هروب رؤوس المال من الولاياتالمتحدة بوتيرة من شأنها أن تدفع بالدولار هبوطاً وبأسعار الفائدة صعوداً". ولفت المحلل الاقتصادي في مؤسسة"مورغان ستانلي"ريكاردو بربيري الى أن انخفاض أسعار صرف الدولار في الفترة الرئاسية الأولى لبوش بنسبة 26 في المئة مقابل العملات الرئيسية وبنسبة 50 في المئة تقريباً مقابل اليورو لم يضعف الثقة في الورقة الخضراء وان لم يستبعد احتمال أن تكون"المصارف المركزية وأسواق المال تفضل تجاهل أن الأمبراطور أصبح عارياً"، لكنه رأى أن مكانة الدولار كعملة رئيسية في النظام المالي الدولي لا يمكن إلا أن تتأثر في حال استمرت أسعار صرفه بالتراجع. وكشف صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي تكبد الدولار خسائر ملموسة في مكانته كعملة احتياط في الاعوام الأربعة الأخيرة لصالح اليورو اذ انخفضت حصته في الاحتياط الدولي من العملات الصعبة من 66.9 في المئة سنة 2001 الى 63.8 في المئة نهاية العام الماضي على رغم ارتفاع حجم هذه الحصة من 1.089 تريليون دولار في بداية الفترة نفسها الى 1.294 تريليون دولار في نهايتها. وبالمقارنه ارتفعت حصة اليورو من 16.7 في المئة عام 2001 و13.5 في المئة فقط عام 1999 الى 19.7 في المئة عام 2003.