يبدو أن الملكة صوفيا عقيلة الملك الأسباني خوان كارلوس، المعروفة بولعها بالآثار، أغرمت فعلاً بالمواقع الأثرية والأسواق الشعبية والكنائس السورية خلال زيارتها برفقة العاهل الأسباني الى سورية العام 2002، فكان أن أعادت التجربة مرة أخرى وبطابع مختلف هذه المرة ليتسنى لها مشاهدة ما لم تستطع مشاهدته خلال زحمة مواعيدها في الزيارة الأولى خصوصاً في مدينة حلب التي أخذت الجزء الأكبر من زيارة الملكة صوفيا الخاصة. المتسوقون السوريون في السوق القديمة بحلب، كما رواد المطاعم التراثية والمقاهي الشعبية، فوجئوا بتجول الملكة بينهم واستماعها الى أصحاب المحلات والقائمين على السوق الذين قدموا شروحاً مفصلة عن أقسامها وخاناتها والأبواب المحيطة بها، فضلاً عن تمتعها بمشاهدة الباعة وهم يحضرون الاطعمة والعصائر الخاصة بإفطار رمضان بعيداً عن البروتوكول والحراسات الأمنية. شملت جولة الملكة صوفيا في حلب، التي استمرت أربعة أيام رافقتها خلالها شقيقتها الأميرة آيرين والأمير مايكل إبن عمها وزوجته الأميرة مارينا، باب النصر وفندق بارون العريق الذي استضاف شخصيات تاريخية وقلعة حلب حيث زارت موقع مكتشفات البعثة الألمانية واطلعت على أقسام القلعة وحمامها وقاعة العرش والسوق القديمة المجاورة ومتحف التقاليد الشعبية وأحد المقاهي الشعبية مقابل القلعة. وحرصت الملكة الأسبانية التي وصلت حلب على متن طائرة "السورية" القادمة من فيينا على زيارة مطرانية الروم الأرثوذكس وكنيسة نياح السيدة و كنيسة الأربعين شهيداً والكنيسة السريانية الأرثوذكسية، فيما خصصت يوماً بأكمله لزيارة المدن الأثرية المنسية خارج حلب بدءاً بموقع قرية الشيخ سليمان الآثري الذي يعد من أجمل وأهم "المدن المنسية" من حيث اتساعه ومظهره المتميز وقيمته الأثرية. ويتألف الموقع من مساكن ذات طابقين تعود إلى الفترتين الرومانية والبيزنطية، وبرج من أربعة طوابق بالإضافة الى ثلاث كنائس، تعود الصغيرة الشرقية منها الى القرن السادس أما كنيسة العذراء فتتميز بوجود باحة داخلية بين مبنيي الكنيسة والضيافة وتقدم أجمل الأمثلة عن فن العمارة السوري بأروقتها الرائعة وبالتقنيات العالية في معالجة الحجر وتشكيلاته الفنية. وأمضت الملكة وقتاً طويلاً تستمع الى شرح من الدليل السياحي عن قلعة سمعان، وهي من أكبر وأهم المجمعات الكنسية في العالم خلال الفترة البيزنطية. ويتألف هذا المجمع المعماري من كنيسة المزار المشيدة حول قاعدة عامود القديس سمعان بشكل مثمن يتوسط أربع صالات محمولة على أعمدة، وقد بُني دير للرهبان وكنيستان ملحقتان به في الزاوية الجنوبيةالشرقية وكنيسة جنائزية صغيرة في الزاوية الشمالية الشرقية، وفي جنوب المجمع نفسه شُيدت كنيسة المعمودية مع ملحقاتها من بيوت ضيافة وفنادق ومخازن. وشملت الجولة كنيسة باصوفان التي تعود إلى القرن الخامس الميلادي، وتعد من أقدم الكنائس في حوض البحر المتوسط. ورغم اختفاء معالم قرية باصوفان الأثرية تحت الإشغالات الحديثة فلا تزال بقايا هذه الكنيسة تشكل نقطة جذب للباحثين والمهتمين خصوصاً أن الموقع موجود وسط منطقة غنية بعشرات من "المدن الميتة". وخصصت الملكة يوماً كاملاً للتجول في أسواق حلب والاطلاع على عمليات ترميم الجامع الاموي وزيارة مقام النبي زكريا ومشاهدة الساعة الشمسية الموضوعة في حرم الجامع والمدرسة الحلوية ومنزل حلبي قديم لصاحبته السيدة أوجي بوخه حيث جلست مع صاحبة المنزل وأفراد عائلتها التي أعطت الملكة لمحة مفصلة عن تاريخ المنزل ومقتنياته الأثرية من تماثيل ومعروضات ولوحات. وبعد احتفال أقاربها وكبار مرافقيها بعيد ميلادها صباح اليوم التالي، غادرت الملكة إلى دمشق حيث قصدت دير مار تقلا في معلولا، ثم زارت الجامع الأموي الكبير في دمشق حيث تأملت مناسك صلاة التراويح و جالت في سوق الحميدية العريق. واصطحب الرئيس السوري بشار الأسد وعقيلته السيدة أسماء الملكة وشقيقتها في جولة خاصة، فيما رافقتها السيدة أسماء بجولة في التكية السليمانية وسوق المهن اليدوية وسوق الحميدية وكنيستي القديس حنانيا والقديس بولس.