لا تحتاج سورية الى أي مؤرخ أو عالم آثار لتأكيد هويتها الحضارية فالشواهد الاثرية والاوابد تملأ مساحة الخارطة السورية من مختلف عصور التاريخ. وعدا التجوال في دمشق القديمة أو حلب والمواقع المعروفة مثل تدمر والجامع الاموي وقلعتي صلاح الدين والحصن والمدن المنسية في إدلب، تتناثر في سورية مواقع أثرية أخرى تبدأ من بصرى الشام مرورا بمعلولا وانتهاءً بنواعير حماه وافاميا. ولا شك ان زيارة سورية لا تكتمل إلا برؤية هذه المواقع والقرى الأثرية. من الجنوب تبدأ الرحلة وتحديدا من بصرى الشام احدى اهم المدن الأثرية والسياحية في سورية والتي يفسر موقعها الاستراتيجي الذي تحتله على مفترق الطرق بين سورية وفلسطين والاردن ومنها الى السعودية الثروة الهائلة من الآثار والمعالم التاريخية الرومانية والبيزنطية والاسلامية التي تملكها والتي لا مثيل لها في معظم أنحاء بلاد الشام. وأهم آثارها المسرح الروماني الذي يعطي المدينة خلوداً أبدياً كونه المسرح الوحيد الكامل في سائر أنحاء العالم الذي بقي محتفظاً بمعظم اقسامه وسائر عناصر عمارته منذ بناه الرومان في القرن الثاني للميلاد حتى يومنا. وهو بني على شكل المسارح الهلينستية بحيث تمتد أطرافه الى أكثر من نصف دائرة وترتفع جدرانه الى ما ينوف على عشرين مترا ويبلغ طوله 101.8 متر وهو محاط بأبواب أرضية ونوافذ علوية ويتسع لأكثر من خمسة عشر ألف متفرج. وتعد الكنيسة الكاتدرائية في بصرى اول كنيسة بنيت على شكل مربع تعلوه قبة ويعود تاريخ بنائها الى 512م وهي مكرسة للقديسين سيرج وباخوس وليونتوس، وتتألف من ثلاثة طوابق أهمها الطابق الاوسط ويرتكز فوق أعمدة من الطراز الايوني وفي القسم الجنوبي بقايا صالة واسعة كانت مسقوفة باقواس مرتفعة وعتبات من الحجر كانت مكسية بالرخام. وتضم بصرى مجموعة من الآثار الاسلامية منها الجامع العمري، الذي اقيم فوق انقاض معبد روماني قديم ويرجع تاريخه الى زمن الخليفة عمر بن الخطاب عندما فتحت الجيوش الاسلامية هذه المنطقة. ويقع المبنى على مساحة من الارض على شكل شبه منحرف وقد تمت عملية بنائه على مرحلتين ويعود معظم السور الخارجي الى الفترة الايوبية وقد تم ترميم الجامع على يد الأمير عزالدين أبو منصور كمشتين، اضافة الى مسجد المبرك ومسجد الخضر ومدرسة الدباغة ومسجد ياقوت وحمام منجك . وتحتاج مدينة بصرى لأكثر من يوم لزيارة جميع مواقعها الأثرية. ويعتبر "فندق بصرى الشام" التابع لسلسلة فنادق الشام المنتشرة في جميع المدن السورية من الفنادق المميزة في سورية، وهو يقدم لزبائنه افضل الخدمات وفق المواصفات العالمية، اضافة الى الخدمات المساعدة كتأجير السيارات السياحية والباصات وتنظيم الرحلات والمؤتمرات. وقريباً من بصرى في الطريق الى مدينة السويداء يمر الزائر بمدينة "شهبا" التي انجبت الامبراطور فيليب العربي الذي حكم الامبراطورية الرومانية. وكان فيليبيوس وفياً لمسقط رأسه فقد عزز مكانتها وبناها من جديد على النمط الروماني فضمت أسواراً مربعة الشكل تحيط بالمدينة من جهاتها الاربع. كما أقام فيها شوارع رئيسية متصالبة وشيد داخل المدينة القصور والمعابد وأقواس النصر والحمامات وهيكل "فيليبون" الذي بناه تخليدا وتكريماً لوالده. وعلى رغم توسع مدينة "شهبا" في العصور الحاضرة فإن تاريخها القديم لا يزال ماثلا للعيان من أعمدة الهيكل الى المسرح وابواب النصر والحمامات الكبرى مرورا بالشارع الروماني المبلط الذي يجتاز المدينة من الشرق الى الغرب ويحكي تاريخ روعة هذه المدينة التي يقال "انها مصغرة عن مدينة روما". وفي الطريق الى الشمال مرورا بدمشق وجامعها الأموي وأبوابها ومدينتها القديمة وقلعتها واسواقها العريقة، لا بد من المرور بمدينة معلولا حيث البيوت ترتفع فوق بعض طبقات لا تعلو الطبقة الواحدة أكثر من ارتفاع بيت واحد بحيث تحولت اسطحة المنازل الى أروقة ومعابر لما فوقها من بيوت. والمدينة مبنية في حضن جبل صخري تتناثر بيوتها بين الأوابد والاحجار الضخمة والمغارات المحفورة في الصخر تحكي تاريخ آلاف السنين منذ العهد الآرامي الى العهد الروماني فالبيزنطي الى ان اصبحت البلدة بدءاً من القرن الرابع مركزاً لاسقفية استمرت حتى القرن السابع عشر الميلادي. ولا يحتاج الزائر لمعلولا كي يستنطق الاوابد والاحجار ليستخلص منها التاريخ بل يكفي ان تقترب من احد الأهالي وتستمع اليه لتدرك ان التاريخ لا يزال حيا يتكلم اللغة الآرامية نفسها التي سادت الشرق الادنى منذ القرن الاول قبل الميلاد وحتى القرن السابع الميلادي وهي نفسها لغة المسيح التي تكلم بها وبشر فيها بتعاليمه السماوية. ولا يزال يتكلمها الى اليوم سكان معلولا كلهم مبقين على إرث ثقافي اندثر من العالم منذ مئات السنين. ولعل أروع المشاهد الباقية في معلولا "الفج" وهوالشق الجبلي، وخصوصا القسم الغربي منه، حيث ينقسم الجبل الى قسمين قاسيين يحتضنان ممراً صخرياً نحتته عوامل الطبيعة، كما نحتت فيه مغاور وكهوف. وعند بداية هذا الفج شيد اقدم دير في العالم وهو دير القديسة "تقلا" أولى شهيدات النصرانية وتلميذة القديس "بولص"، وهو عبارة عن مبنى حجري شاسع يعود الى القرن الاول على ارتفاع 1500 متر. ويستطيع السائح وقبل متابعة الرحلة ان يتحرر من التعب ويخلد الى الراحة في فندق "سفير معلولا" المصنف بمستوى أربع نجوم، ليعود وينطلق الى وسط سورية تحديداً الى الغرب من مدينة حماه وفوق هضبة تشرف على سهل الغاب الفسيح حيث تعود الحياة من جديد الى مدينة "أفاميا" الأثرية التي ظلت راقدة تحت الرمال طوال ثمانية قرون بعد زلزالين حلا بها وتركاها اثراً، ومن ثم المرور بالمدينة لرؤية الطريقة القديمة لضخ مياه نهر العاصي في نواعير حماه التاريخية التي لا تزال تقوم بدورها. بعد الزلزالين ضاع اسم "افاميا" لسنوات، الى ان عادت للظهور مرة أخرى بعد ان زارها العديد من الرحالة والمؤرخين والجغرافيين ومروا على بعض الكتابات التي تذكر اسمها. وتشكلت بعثة أثرية للعمل في موقع افاميا وكشفت النقاب عن ستة كيلومترات من سورها الذي يبلغ طوله الكلي سبعة كيلو مترات هي الاشبه بتدمر، وقامت بترميم ابراجه واقسامه المنهارة كما قامت بترميم الخان الاثري وحولته الى متحف خاص بالفسيفساء المكتشف في "افاميا" وغيرها من المواقع الأثرية، اضافة الى كشف جزء كبير من الشارع الرئيسي للمدينة البالغ طوله 1850 متراً وعرضه 27 متراً. وقامت برفع ما يزيد عن 400 عمود من اعمدته التي أطاحت بها الزلازل التي حلت بهذه المدينة اضافة الى ترميم واجهات الحوانيت المطلة على رواق الشارع العظيم والتي يصل طولها الى ثلاثة كيلومترات على طرفي الشارع حيث كانت تشكل سوقاً تجارية نشطة في "افاميا". باتجاه الشمال الشرقي وقريباً من مدينة دير الزور وعلى الضفة اليمنى لنهر الفرات تقف "دورا لوروبوس" شاهدة على عراقة تاريخ هذه المنطقة. ويعود تاريخ المدينة الى "سلرقسنيكاتور" احد قادة الاسكندر الذي شيدها فوق موقع حصن اشوري منيع وذلك عام 200 قبل الميلاد على ان تكون مستعمرة يونانية للدفاع عن الفرات وحماية الطرق الرئيسية المارة بجواره. وتبلغ مساحة المدينة داخل السور 73 هكتاراً تخترقها شوارع منتظمة وتحوي العديد من القصور، غير ان ما يميز المدينة كثرة معابدها التي تزيد على عشرين هيكلا وثنياًً وتوحيدياً منها "ازناتكونا" المخصص لعبادة إله تدمر ومعبد "ادونيس" والكنيسة المسيحية، وهي تعتبر اقدم كنيسة بنيت في العالم. وهناك معبد زيوس كيروس المخصص لعبادة زيوس الذي يقابل "بعل" عند الشرقيين، ومعبد "ارتمس" ومعبد الآلهة الحامية للمدينة. وهذه الكثرة والاختلاف في المعابد تثبت التسامح الديني والحرية المتبعة في ممارسة الشعائر الدينية في الحقبة التدمرية التي شهدتها "دورا اوروبوس".