تقدم الحكومة السورية دعماً لإنشاء جمعيات أهلية خدمية تدعم الصحة والاقتصاد والريف، وتبدي تسامحاً متنامياً حيال عدد من المبادرات التي تصب في خانة إنشاء مؤسسات دعم وتنمية المجتمع المدني، والتي يؤمل منها بالمجموع الترويج للتغيير الحاصل في سورية، وإعطاء صورة متفائلة عن الرؤية الحكومية الجديدة للمستقبل. خلال شهور قليلة مضت، ازداد عدد المنظمات غير الحكومية بصورة ملحوظة. وغالبية هذه المنظمات خيرية، وعلى ارتباط بالحكومة عبر وجود أعضاء ذوي صلات حكومية واضحة في مجالسها الاستشارية. وكانت صفحات الوب، مرة أخرى، رحماً ولدت منه مبادرات مميزة، شكلت في ولادتها واستمرارية حياتها دلالة واضحة على التغير الواضح في نظرة الحكومة وطريقة تعاملها مع مثل هذه المبادرات. ومن هذه المبادرات موقع على الانترنت أطلقه عمار عبدالحميد www.tharwaproject.com كإحدى الطرق التي تمكن العالم العربي من مخاطبة مشاكله المتعلقة بأقلياته الدينية والعرقية. وعلى رغم الأهداف الإقليمية التي ينادي بها المشروع وعلى رغم باقة الأسماء العالمية التي يضمها مجلسه الاستشاري، فإن مكاتب "ثروة" موجودة في دمشق، وستستمر إدارته من هناك كما يؤكد عمار دوماً، "لأن دمشق تمنح المشروع صدقية اكبر في عيون سكان المنطقة". بالصدفة المطلقة ترافق إطلاق مشروع "ثروة" مع أحداث الشغب الكردية الأخيرة، التي هزت شمال سورية. وقد تضافر اجتماع هذا الأمر مع الأسماء البارزة في مجلسه الاستشاري مثل سعد الدين إبراهيم، وهو باحث اجتماعي مصري معروف، وجيل كيبيل الخبير الفرنسي في الإسلام السياسي، وفلينت ليفيريت، وهو عضو في منظمة بروكين المؤسساتية، إضافةً إلى حساسية موضوع حقوق الأقليات في العالم العربي في شكل عام، لتحقيق صدى ملحوظ للمشروع، وطنياً وإقليمياً وعالمياً. وعمار عبدالحميد قاص وشاعر ومحلل اجتماعي سوري يقيم في دمشق، وهو المدير الاستشاري لدار "إيمار" ومنسق مشروع "ثروة"، تحدث بداية عن واقع العمل الأهلي في سورية وعن الدور الذي يمكن للشباب لعبه في تطوير هذا العمل: "ما زال العمل الأهلي في سورية في الطور الجنيني، ولا يمكن له أن ينمو من دون أن يكون للشباب دور فاعل وأساسي فيه. كلنا في دار إيمار عناصر شابة، ونحن منذ البداية نعتمد على عناصر شابة، كما أن توجهنا الأول هو نحو الشباب". وعن الدافع وراء رغبة الشباب للمشاركة في الجمعيات الأهلية قال عمار: "إذا كان الشباب غير راضين عن الأوضاع الحالية في البلد والمنطقة، وأرادوا أن يساهموا في إحداث تغييرات جذرية وبناء مستقبل أفضل، مع استغلال طاقاتهم الإبداعية على أفضل نحو، فلا غنى لهم عن المشاركة في النشاطات الأهلية المختلفة وفي إطلاق هذه النشاطات. وفي هذه التوجهات مخاطرة بلا شك، لكنها تحمل في طياتها أيضاً بعض الأمل، ونحن في أشد الحاجة إلى الأمل في حياتنا". وعن مشروع "ثروة"، تابع عبدالحميد قائلاً: "إنه برنامج إقليمي يعنى بالمسائل المتعلقة بالأقليات في الشرق الأوسط، وهو طريقة في دعم انتشار الثقافة الديموقراطية والمدنية في المنطقة، لأنه يركّز على قضية هي في صميم المسألة الديموقراطية، وبالتالي فهو يدعو إلى اتخاذ خطوات عملية ويبتعد عن التنظير والعموميات". وأضاف: "طبعاً، نحن ما زلنا في بداية هذا المشروع وما زلنا نبني أسسه والطريق أمامنا طويلة وقد تسبقنا الأحداث في الكثير من الأحيان، ولكننا مع ذلك نسعى نحو الأفضل، وأعتقد أنه ما زالت أمامنا فسحة من الوقت للمساهمة في دعم الحوار بين جماعات الأقلية والغالبية في المنطقة وفي إحداث بعض التغييرات الإيجابية. وعن كيفية تعاطي الحكومة مع المشروع، أجاب عبدالحميد: "إن إطلاق أي مبادرة مستقلّة في منطقتنا في هذا الوقت بالذات لا بد من أن يثير الكثير من التساؤلات، ولا شك في أنه ينطوي على بعض المخاطرة، وخصوصاً أنه يشمل التعامل مع جهات أجنبية واقليمية من دون الحصول أو حتى محاولة الحصول على أي غطاء أمني، ولكن، والحق يُقال، فنحن لغاية الآن لم نتعرّض لأي مساءلة من قبل الجهات الأمنية السورية، وهذه بالفعل بادرة جيدة". وأضاف: "عنصر المخاطرة الآخر هنا هو الصدى الواسع للمشروع في الأوساط العالمية، فأي عثرة الآن ستكون ملحوظة، ونحن ما زلنا في البداية، وسيكون هناك عثرات بلا شك. يتوجب علينا الآن اذاً أن نصبح أكثر سرعة ودقة وحرفية في التجاوب مع المتغيرات المختلفة في المنطقة والعالم ضمن دائرة تخصصنا". وعن ردود الفعل الرسمية وغير الرسمية التي لقيها ويلاقيها المشروع وكيفية مساهمته في رفع الوعي الاجتماعي، قال عبدالحميد: "نحن ندير المشروع حالياً من سورية ومن دون أي تدخل أو توجيه من السلطات. ولقد بدأنا نلفت الانتباه إلى موقعنا على مستوى الدوائر الفاعلة في المجتمع المدني في المنطقة والعالم، ويزداد عدد الاستفسارات والزوار للموقع باضطراد. هناك بعض القلق والتوجس حيال "ثروة"، وهذا طبيعي في هذه المرحلة المبكرة، إذا أخذنا في عين الاعتبار الطابع الخاص للمشروع، وتوقيت إطلاقه، والطريقة التي يتم بها التعامل مع القضايا الحساسة عادة". وعن تعريف دار إيمار بأنها منظمة غير حكومية، أجاب عبدالحميد: "دار إيمار مؤسسة تهدف إلى الارتقاء بمستوى الوعي المدني في المنطقة، وهي مؤسسة في طور النمو، ومرخّصة حالياً كدار نشر". أما عن الصفة الحكومية التي يتمتع بها مشروع "ثروة" فأجاب عمار: "ليست لدينا صفة رسمية كمنظمة غير حكومية في سورية. والوضع الحالي يسعدني لأنه يمنحني ويمنح الموقع قدراً أكبر من الحرية. أرجح شخصياً أننا كنا سننال الترخيص الحكومي لنكون مؤسسة غير حكومية في حال طلبناه، وعندها سيتوجب علينا الحصول على موافقة رسمية من الجهات المختصة لدى رغبتنا القيام بأي نشاط، ولكننا الآن لسنا بحاجة للموافقات".