يبدو المشهد الإقليمي، في ظل الحوار المتعدد الأصوات والزوايا مع سورية وإيران، متبايناً الى حد كبير مع الهدف الذي وضع له في الأصل. وبدلا من « فصل سورية عن ايران»، كما قيل سراً وعلناً عن الغاية من الحوار، تبدو المقاربة الأميركية – الأوروبية – العربية لطبيعة الحوار مع الدولتين وكأنها تتم تحت سقف « التحالف الاستراتيجي» القائم بين سورية وايران وليس على حسابه. هذا على الأقل ما تحاول دمشقوطهران، وكل بأسلوبها وعلى طريقتها، اظهاره للعالم من ناحية، ولمحاوريهما من ناحية ثانية، من دون اعتراض أو حتى تحفظ من هؤلاء. وفي الواقع، فلا تعني «الليونة» المستجدة، والمنسقة، في موقفي الدولتين من موضوعات الحوار، ولا حتى النظرية المقابلة التي ترى في الموقفين محاولة ل « كسب المزيد من الوقت» غير ذلك. فقد بات غنياً عن البيان، ومنذ أعوام، أن النظامين في سورية وايران ينفذان أجندتيهما بوتيرة واحدة ومن منطلق واحد هو إدراكهما أن لا غنى لأحدهما عن الآخر، بقدر ما لا رغبة لأي منهما في ارتكاب فعل الانفصال استبعاداً منهما لما يمكن أن يكون هاجس «الثورين الأبيض والأسود». يساعدهما على ذلك، أنهما لا يريان تناقضاً في ما بينهما إنْ على الصعيد الجيو سياسي – يحدهما جغرافياً العراق، أياً كان شكل دولته في المستقبل – أو على مستوى الدور الجيو استراتيجي – يطلان على البحر المتوسط وبحر العرب والخليج وبحر قزوين – أو على مستوى الدور الإقليمي على خلفية امتداداتهما في كل من فلسطين ولبنان وبعض دول الخليج. واذا كانت عزلة النظامين دولياً، في خلال الأعوام الماضية، قد دفعتهما الى زيادة تعزيز ما يقولان معاً إنه «تحالف استراتيجي» بينهما، فمما لا شك فيه أن ما بات بين النظامين عقب هذه الأعوام لم يعد سهلاً عليهما، ولا على أي منهما منفرداً، التراجع عنه سواء في السياسة أو في الاقتصاد أو قبل ذلك كله في النفوذ الذي يسعيان اليه على مساحة المنطقة من جهة وفي مواجهة العالم الخارجي من جهة أخرى. من هذه الزاوية، يبدو المشهد السياسي الاقليمي الآن مختلفاً تماماً عما قد يكون خطر في بال البعض عن افتراض «فصل سورية عن ايران»، أو حتى «فصل ايران عن سورية»، ولهذا فقد بادرا معاً – وبالتوازي في الزمن ومع الأطراف ذاتها – الى الحوار... أملاً في تحقيق أهدافهما معاً، وكل على حدة، وليس حتماً من أجل تحقيق أهداف الآخرين. وعملياً، ما تسرب حتى الآن من معلومات عن الحوار السوري – الأميركي – الفرنسي، وكذلك عن الحوار الايراني – الأوروبي – الأميركي، لا يخرج البلدين المعنيين، ولا أياً منهما، عن جادة «التحالف الاستراتيجي» القائم بينهما ولا عن الأهداف السياسية الداخلية والإقليمية لكل منهما. أكثر من ذلك، فلا خلاف عملياً بين النظامين هذين حتى في ما يبدو في الظاهر خلافاً حول بعض المسائل الكبرى. اذ ليس صحيحاً، كما ظن البعض في لحظة من اللحظات، أن ايران «تحفظت» على المفاوضات غير المباشرة بين سورية واسرائيل، لا برعاية تركية ولا برعاية أميركية مفترضة، في مرحلة لاحقة. والأمر ذاته ينطبق على موقف سورية من تحركات ايران في المنطقة وعلى مستوى علاقاتها مع دول العالم. في تقرير لصحيفة «هآرتس» الاسرائيلية، كتبه عكيفا الدار ونشر في الخامس من تشرين الأول الحالي، أن أكثر من عرض ايراني قدم للولايات المتحدة في الفترة ما بين أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، والغزو الأميركي للعراق في 2003، أي عملياً في الفترة ذاتها التي كانت تُجرى فيها المفاوضات السورية – الاسرائيلية، حول عقد «صفقة» اقليمية في المنطقة تكون القضية الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ منها. ونقل الكاتب عن مدير شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي في ولاية الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش الأولى، فلينت ليفيريت، أن واشنطن تلقت في مناسبتين اثنتين عرضاً «تصالحياً» ايرانياً لم تعره الادارة الأميركية الاهتمام الكافي. أول العرضين، كما يقول ليفيريت، وصل الى واشنطن بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، وتضمن مساعدة ايران على وقف الارهاب الذي تمارسه كل من «القاعدة» و «طالبان»، لكن ادارة بوش تجاهلته واعتمدت بدلاً منه ما وصفته باستراتيجية «محور الشر» كما هو معروف. العرض الثاني جاء عبر السفير السويسري في طهران (راعي الشؤون الأميركية فيها) بعد فترة قصيرة من اجتياح العراق في 2003، وقد كشف عنه ليفيريت في محاضرة ألقاها أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك في حزيران (يونيو) 2006، وتضمن «اتفاقاً» بين الطرفين – أي طهرانوواشنطن – على عدد من النقاط على الشكل التالي: - بدء مفاوضات حول الملف النووي الايراني. - تبني مبادرة السلام العربية (يشير الدار الى أن ايران كانت قد وافقت على المبادرة، في أثناء مؤتمر لوزراء خارجية الدول الاسلامية عقد في طهران في أيار عام 2003 في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي). - وقف دعم المنظمات الفلسطينية العاملة خارج الأراضي المحتلة. ومرة أخرى، تجاهلت واشنطن هذا العرض من ايران. بالقدر ذاته، لم يظهر في يوم من الأيام، ولا في شكل من الأشكال، «تحفظ» سوري ما على الدور الذي تلعبه ايران في المنطقة، بما في ذلك العراق وفلسطين ولبنان وحتى بعض الدول العربية الأخرى في الخليج. ومع ان مسؤولين عرباً، واعلاميين في دول عربية متعددة ومن توجهات متعددة، يتخوفون من الدور الايراني في المنطقة – العراق وفلسطين ولبنان تحديداً – فلم يحل ذلك كله دون اقتراح الرئيس السوري بشار الأسد، في آخر زيارة له الى طهران في تموز الماضي، اقامة تحالف ايراني – سوري – تركي – عراقي مشترك. غالب الظن، أن المشهد الاقليمي الراهن لن يتغير كثيراً، خاصة في المستقبل القريب، بغض النظر عن مدى «نجاح» الجولة الحالية من الحوار الأميركي – الأوروبي – العربي مع كل من سورية وإيران. فالأهداف متباعدة، بل وحتى متناقضة، بدليل أن بين المتحدثين باسم مما يسمى ب «جبهة الممانعة والمقاومة» من يصف مرحلة الحوار هذه بأنها مرحلة «تغيير السلوك الأميركي»... وليس تغيير سلوك أي من دول المنطقة. * كاتب لبناني