عزز الجيش السوري من حملته لطرد مقاتلي المعارضة من حلب، حيث قال المقاتلون إنهم صامدون وتعهدوا بجعل المدينة «مقبرة النظام». وقال مقاتل شاب يدعى محمد وهو يتحسس الذخيرة التي يضعها في سترته: «كنا نعلم دائماً أن حلب ستكون مقبرة النظام... دمشق هي العاصمة لكن لدينا هنا ربع سكان البلاد وكل قوتها الاقتصادية». لكن تفوق القوات الحكومية على الأرض بالأسلحة الثقيلة حال دون تحقيق المعارضين نجاحاً يذكر في الاحتفاظ بمناطق حضرية. وكان المعارضون قد حققوا تقدماً كبيراً في دمشق قبل أسبوعين لكن القوات الحكومية استعادت أغلب المناطق التي سيطروا عليها. ويقول خبراء عسكريون إن مقاتلي المعارضة مسلحون تسليحاً خفيفاً للغاية ويفتقرون لقيادة جيدة مما يجعل من الصعب عليهم التغلب على الجيش الذي تقصف مدفعيته المدينة في أي وقت شاء وتسيطر طائراته على الأجواء. وقال رجل وصف نفسه بأنه الناطق باسم «ثورة حلب»: «بالأمس كانوا يقصفون المنطقة بمعدل قذيفتين كل دقيقة. لم نستطع التحرك على الإطلاق». وأضاف: «ليس صحيحاً على الإطلاق أن قوات النظام في صلاح الدين»، وذلك في تكرار لنفى نشطاء ما أعلنته الحكومة من أن قواتها استعادت السيطرة على حي صلاح الدين الذي يقع في جنوب غربي حلب وتمر عبره طرق تعزيزات الجيش السوري القادمة من الجنوب. وفي مدينة تنقسم فيها الولاءات مثل حلب حيث تؤيد قطاعات من السكان النظام بدا البعض حذراً من التحدث علانية في وجود المقاتلين الذي جاء الكثيرون منهم من مناطق محيطة بالمدينة. وسئل رجل كان يقف عند مركز للشرطة تضرر بشدة من نيران القصف أي الجانبين يؤيد فقال: «لسنا مع أحد. نحن مع الحق». وعندما سئل أي جانب هو جانب الحق أجاب: «الله وحده». ففي حين يرحب بعض سكان حلب بقدوم مقاتلي المعارضة يبدو البعض متوجساً من المقاتلين. وفي بعض المناطق الفقيرة على مشارف المدينة، يتجمع رجال بثيابهم التقليدية البيضاء على أعتاب منازلهم ويتحدثون عن أوضاعهم في المدينة قبل حلول موعد الإفطار. البعض متحمس لسيطرة المعارضة، لكنهم يقرون بأن الحرية لم تجلب الراحة التي كانوا ينشدونها. وقال جمعة، وهو عامل بناء تكسو التجاعيد وجهه ويبلغ من العمر 45 عاماً «يمكنني أن أقول إن 99.9 في المئة من الناس لا يصومون. كيف نصوم ونحن نسمع دوي المورتر والمدفعية وهي تضرب مناطق مجاورة ونسأل إن كان الدور القادم علينا». وأضاف: «يكاد لا يكون لدينا أي كهرباء أو ماء، وزوجاتنا وأبناؤنا تركونا هنا لحراسة البيت وذهبوا إلى مكان أكثر أمناً. إنه رمضان حزين». ورغم ذلك يشعر جمعة بالحماسة وهو يرى مقاتلي المعارضة في شوارع ثاني أكبر المدن السورية: «معنوياتي مرتفعة. عندما أراهم من عتبة منزلي أشعر بأن النظام بدأ يسقط أخيراً». لكن جاره عمرو يرى الوضع بشكل مختلف، ويقول متذمراً: «كل ما لدينا الآن هو الفوضى». واعترض بعض الرجال بشدة على ذلك الرأي، وقال أحدهم: «لكنهم يقاتلون ليخلصونا من القمع». هز عمرو رأسه قائلاً: «ما زلت مقموعاً... فأنا بين خيارين. أريد فقط أن أعيش حياتي». وفي حين تهرع مجموعات من الأطفال لتحية مقاتلي الجيش السوري الحر في شاحناتهم، يتشبث آخرون بأيدي أمهاتهم ويحملقون في الأرض. ويشعر مقاتلو المعارضة، وأغلبهم من الريف، بالحيرة أمام مظاهر الاستقبال المتضاربة. قال مقاتل اسمه مصطفى جاء من قرية مجاورة للقتال في حلب: «أعتقد أن الكثير من الحلبيين يريدون التخلص من النظام لكنهم يريدون منا نحن أبناء الريف أن نقوم بهذا نيابة عنهم... أن نفقد أقاربنا ووظائفنا. إنهم يريدون هذا من دون أن يعانوا هم أنفسهم». وفي كل يوم، تخرج من المدينة شاحنات وسيارات أجرة مكتظة بالأسر والمخدات والبطاطين. وفي أحد الأزقة، كانت هناك أسرة تنقل كل متاعها من في شاحنة نقل، وقال الأب: «سنتوجه إلى الريف». ويبدو أن مقاتلي المعارضة مشغولون بمحاولة إدارة أجزاء المدينة التي يسيطرون عليها... فهم يتابعون الآن حركة المرور ويبتسمون لسائقي سيارات الأجرة الذين يلوحون لهم ويتبادلون معهم المزاح، ويقول بعضهم: «ما رأيكم في القيام بدور الحكومة؟». وتتكدس أكوام من القمامة بعضها مرتفع لدرجة أن بعض مقاتلي المعارضة يستخدمونها كحواجز طرق. وحين يوقف المقاتلون شاحناتهم في الشوارع يخرج سكان ويطلبون منهم المساعدة في الحصول على البنزين. ويلح البعض عليهم لفتح المزيد من المخابز حتى تقل طوابير المنتظرين لشراء الخبز. وأوقف البعض مقاتلين في «الجيش السوري الحر» وطلبوا منهم فعل شيء لمواجهة النقص في الخبز والوقود. وما زال مقاتلو المعارضة يسيطرون على قطاعات من المدينة ويتحركون في هذه المناطق وهم مسلحون بالبنادق ويرتدون ملابس مموهة في استعراض للثقة. لكن المواجهات العنيفة أدت إلى سقوط العشرات بين جرحى وقتلى. وامتلأت المستشفيات والعيادات الموقتة في أحياء يسيطر عليها المعارضون في شرق حلب بضحايا سقطوا خلال أسبوع من القتال. وبالإضافة إلى المتطوعين الذين يأتون من مناطق ريفية لدعم مقاتلي المعارضة، هناك أيضاً متطوعون من بلدان إسلامية يريدون «نصرة» أشقائهم في سورية. ومن هؤلاء عبد الله بن شمر الذي انطلق مع صديق ليبي في رحلة عبر التضاريس الجبلية التي تفصل جنوب تركيا عن سورية. وقال بن شمر (22 سنة) ذو اللحية الخفيفة والمتخصص في الهندسة متحدثاً لرويترز في بلدة ريحانلي التركية والتي لدى سكانها العرب روابط تاريخية مع سورية: «من واجبنا الذهاب إلى بلاد الشام العظيمة (سورية) والدفاع عنها ضد الطغاة... الذين يرتكبون المذابح ضد شعبها». ويتوجه شمر وصديقه إلى سورية في إطار تدفق صغير ولكنه متنام لمتشددين عرب إسلاميين عقدوا العزم على الانضمام للثورة المستمرة منذ 16 شهراً. لكن وجودهم يزيد بواعث قلق الدول الغربية التي حذرت من نمو «القاعدة» في سورية. ويقول بن شمر وصديقه الليبي سالوم إنهما يسيران على نهج أسلافهما. ووصل بن شمر وصديقه وهما من الطبقة المتوسطة إلى تركيا هذا الأسبوع. وكانا قد التقيا أول مرة في بلدة برايتون البريطانية قبل عدة سنوات أثناء حضور دورة لغات. وقال عدة قادة لمقاتلي المعارضة في شمال غربي سورية إنه خلال الشهور القليلة الماضية انضم أشخاص منهم ليبيون وكويتيون وسعوديون وأيضاً مسلمون من بريطانيا وبلجيكا والولايات المتحدة بأعداد ثابتة إلى قوات الجيش السوري الحر. ويشكل هؤلاء الأشخاص ما تصفه مصادر المعارضة بتدفق سريع لكنه ما زال صغيراً لمقاتلين أجانب إلى سورية. ومن بين هؤلاء شبان سوريون ولدوا في الغرب بعد فرار عائلاتهم من الاضطهاد. وتوجه معظمهم إلى محافظة حماة في وسط سورية حيث يوفر لهم بعض الجهاديين ممن لهم خبرة في أفغانستان التدريب الأولي على التعامل مع البنادق الآلية وحرب العصابات. وتقول مصادر المعارضة إن المئات من الجهاديين الأجانب يعملون الآن في مدينة حماة وهي مركز كبير للثورة. وتوجه البعض للقتال في دمشق لكن أعدادهم أصغر من أن تغير ميزان القوة الذي يميل في شكل كبير لمصلحة قوات النظام. وشبه ديبلوماسي غربي يتابع تدفق المقاتلين الأجانب إلى سورية بالأوروبيين المؤمنين بالمثالية والذين توجهوا إلى إسبانيا عام 1936 للمساعدة في القتال ضد الجنرال فرانسيسكو فرانكو لكنهم لم يتمكنوا في نهاية المطاف من مضاهاة قوات الدكتاتور فرانكو. وقال سالوم إنه حارب مع قوات المعارضة الليبية في معركة الزاوية قرب طرابلس قبل سقوط معمر القذافي العام الماضي. ورفض الإفصاح عن المكان الذي سيتوجه إليه في سورية لكنه قال إن واجبه الديني يتحتم عليه مساعدة السوريين الذين يحتاجون المساعدة. وقال: «أشقاؤنا السوريون في حاجة إلى أي مساعدة يمكن أن يحصلوا عليها لأن المجتمع الدولي تخلى عنهم خلافاً لما حدث في ليبيا». وأضاف سالوم (24 سنة) والذي قال انه ترك جامعة طرابلس في ليبيا حيث كان يدرس الكيمياء: «إنهم يرحبون بنا وينتظروننا بشغف. نريد أن نخبرهم بأنهم ليسوا وحدهم في هذه المعركة لتحرير هذه الأرض من طغيان الأقلية». وقال سالوم الذي ينوي الانضمام إلى وحدة تسمى كتائب أحرار الشام أن المشاركة في الجهاد من أسمى طموحاته كمسلم. وذكرت مصادر بالمعارضة السورية أن معظم المقاتلين الأجانب انضموا إلى هذه الوحدة. وأضاف سالوم: «نتابع نجاحات مجاهدينا السوريين في الأسابيع الماضية. النصر من عند الله». وكان سالوم جالساً على حشية عليها جهازا إرسال واستقبال وجهاز آي فون وأجهزة اتصالات أخرى. وفي تصريح يراعي على ما يبدو بواعث قلق الدول الغربية الداعمة لهم يقول زعماء المعارضة السورية أنه في حين أن الجهاديين العرب الذين يتوافدون ببطء على سورية محل ترحيب إلا أن أعدادهم لا تذكر وهم يتحركون من منطلق المثالية والتقوى. ويقولون إن وجودهم لن يغير شكل الانتفاضة. وقال يونس خضر وهو قائد عسكري لكتيبة من مقاتلي المعارضة تسمى «أحفاد النبي» في منطقة عندان غربي حلب: «معظمهم من الشبان المستائين من القتل الطائفي الذي يمارسه النظام. يحملون لواء الوحدة الإسلامية ويأتون إلى سورية بدافع المثالية وغالباً من دون تدريب أو خبرة قتالية ملموسة». واستشهد خضر بقضية صابر الحجي وهو طالب ليبي كان يدرس الفقه الإسلامي وانضم للمعارضة السورية كمقاتل وقتل في حلب. وقال: «نكن احتراماً كبيراً للحجي. كان رجل دين وإخلاصه للإسلام يأتي في المقام الأول ولهذا فهو نموذج للكثير منا». وأضاف: «فليرحمه الله ويسكنه فسيح جناته مع الشهداء».