يقتفي خطاب بشار الأسد، الرئيس السوري، في مؤتمر المغتربين السوريين في 9 تشرين الأول/ اكتوبر اثراً تاريخياً اشاعته الثورات السياسية "الكبيرة" والفادحة طوال القرن الماضي. فهذه الثورات، الشيوعية والفاشية والدينية، حرصت على رواية تاريخها، وحوادثه القريبة والبعيدة، رواية توصف بالإيدلوجية تهويناً. فما صنعته هذه الرواية، ولا تكف عن صنعه حيث يقيض لها ان تنشب اظافرها ومخالبها في التذكر او في التأريخ، هو محو اجزاء جوهرية من الرواية او "المرآة" التاريخية، وإغفالها، وتركها نهباً للتحريف. ولعل من القرائن الأوضح على هذا الصنيع بعض الصور الشمسية الفوتوغرافية لوقائع من الثورة البلشفية في روسيا 1917. فهذه الصور "تطورت" اطواراً بحسب الحوادث السياسية والحزبية المعاصرة. ففي حالها الأولى، او طورها الأول، جمعت "باقة" من قيادات الاستيلاء الشيوعي على السلطة. ولم تلبث رؤوس القادة هؤلاء ان تساقطت، رأساً بعد رأس. ومع تساقط الرؤوس غابت الوجوه من الصور ومحيت. فلم يبق حول لينين، قائد الحزب الشيوعي وثورته وانقلابه، إلا "خليفته" الذي عين نفسه، وانفرد بالسلطة، وقتل رفاقه ولو بعد حين. وسارت الثورات الفاشية والنازية بأوروبا، والثورة الصينية الماوية، والثورات والانقلابات "الوطنية" المصرية والجزائرية والعراقية والفلسطينية والإيرانية على الرسم نفسه، من غير ان يعلم بعضها بما سبق إليه بعضها الآخر. فهذا من السنن القوية والمستعادة. والرواية - اللوحة او الصورة التي رواها رأس "القيادة" السورية على مسامع المغتربين، وخص بها فصلاً لبنانياً معاصراً، اغفلت "شخوصاً" اضطلعوا بأبرز ادوار "الدراما" اللبنانية. فالخَبَر عن عام 1975 يقتصر على ان "إحدى الدول قدمت باخرة للمسيحيين لكي يهاجروا من لبنان". وهو يكني عما اشيع عن المبعوث الأميركي، دين براون، في 1976، ولم يتجاوز الهمس او السجال الغاضب والصادر عن بعض من التقاهم المبعوث المستخبر. وهذا بعيد من حاملة الطائرات الفرنسية، في 1989، وكانت رد جواب على حصار بحري ضربته قوات "القيادة" إياها على الساحل اللبناني، وتهدد لبنانيين كثيرين في حياتهم وقوتهم. ويجمع الشائعةَ الى التلويح تواضعُ الولاياتالمتحدة وفرنسا على القرار 1559، اليوم. وتوضح فقرة الخطاب التالية ما ألمحت إليه الفقرة السابقة، إلماحاً. وهي تروي دخول "سورية" اي قواتها العسكرية الرسمية، وهي غير قواتها "الفلسطينية" الرسمية لواء اليرموك وغير منظمتها العسكرية والأمنية "الفلسطينية" "الصاعقة" لبنانَ، في ربيع 1976 "لإنقاذ المسيحيين اللبنانيين ... الذين كانوا يذبحون ... باسم إصلاح النظام السياسي والعدالة والاشتراكية والتقدمية". وفي الفقرات التي تناول بها الخطيب لبنان واللبنانيين في هذا الطور من تاريخه وتاريخهم، مر على "الفلسطينيين" مرة واحدة. فقال: "اين كانوا "فاعل مجهول... لفاعل معلوم": كمال جنبلاط والد "النمر" وليد جنبلاط في العام 1982 خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عندما كان الآلاف من اللبنانيين يُقتلون، والفلسطينيون كذلك. "تطوير" التاريخ فالرئيس السوري يتصدى ل"تأريخ" فصلين 1976 و1982 من فصول الحروب المتطاولة والمتناسلة التي عصفت بالبؤرة اللبنانية، وكان ابتداؤها فعلاً غداة 1967، أو ربما عشيتها في خريف 1966 توفي جلال كعوش، الفلسطيني البعثي، وكان اوقف إبان عملية "فدائية" على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وتولت "سورية" صلاح جديد وأجهزتها تصوير الوفاة في صورة "اغتيال" عزته الى عمالة وتواطؤ، يتصدى الرئيس السوري لتأريخ الفصلين هذين، وهما يعودان الى "الحقبة" الفلسطينية من الحروب الملبننة، من غير التعريج على الفلسطينيين، وأدوارهم الكثيرة الأوجه في الإعداد للحروب "الأهلية" "بين النصارى والدروز" على قول اخباريي القرن التاسع عشر، وفي انفجارها، وتغذيتها من بعد. وهذا يفوق بأشواط عظيمة تجديد النظر في بعض "شخوص" الصور الفوتوغرافية، و"تطويره" و"إصلاحه" على وجه يتفق وأطوار اهل السلطة والقوة ومناهجهم. ففي غضون الأعوام 1970 - 1982 تخللت المنظمات العسكرية والأمنية و"السياسية" الفلسطينية، ومنظمة منظماتها، الجماعات اللبنانية ودولتها، من أدناها الى اقصاها، وأعملت فيها تقطيعاً وتفريقاً ووصلاً ولحْماً وعصباً، من وجه آخر. وصادرت المنظمات هذه اللبنانيين، وجماعاتهم السياسية القومية والتقدمية والأهلية والمذهبية، على قضاياهم ومسائلهم ومناقشاتهم الدستورية والاجتماعية والثقافية. فرفعت المنظمات القادمة من الأردن وسورية والعراق على أسنّة الرشاشات، ألوية اصلاح النظام السياسي اللبناني والعدالة الاجتماعية والهوية العروبية. وآزرها على ذلك، وحملها ربما على بعضه، زعماء وسياسيون و"مناضلون" لبنانيون كثيرون. وكان سهم المنظمات "الفلسطينية" السورية، وسهم الأجهزة السورية الدعاوية والسياسية، في الإعداد المديد للانفجار، ثم في فصوله وتوالدها، معلّى وراجحاً، على نحو ما كان السهم المزدوج هذا معلى وراجحاً في محاولات التحكيم، وفي إخفاقها. فالمنازعة والخلاف بين الساسة السوريين وبين الساسة الفلسطينيين على لبنان واستتباعه، اهلاً وأرضاً وسياسية، احتدما منذ 1963 إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية و1965 ابتداء "الكفاح المسلح"، وتفاقما عشية 1967 وغداتها، في غمار "الحرب الأهلية العربية الباردة" التي كان لبنان مسرح فصلها "المحلي" والحار - على غرار حروب "التعايش السلمي" المحلية. وضلع لبنانيون كثر، جماعات اهلية وأحزاباً وأفراداً، في حروب ومنازعات الحقبة الفلسطينية. وقتل منهم عشرات الآلاف في الأثناء، سقطوا على خطوط تماس جوالة، وعلى جبهات متنقلة وظاعنة، وعلى الحواجز وتحت القصف المدفعي الثقيل. وكانت الواقعة البارزة والحاسمة في الفصول هذه كلها الحلفَ بين المنظمات الفلسطينية المسلحة وبين الأحزاب والجماعات العروبية اللبنانية "الحركة الوطنية". ونشأت "القوات المشتركة" عن هذا الحلف. ونشأ، رمزياً، "الشعب اللبناني - الفلسطيني"، سلف "الشعب الواحد في دولتين". ويندرج شطر راجح من الحوادث التالية، العسكرية والسياسية والاجتماعية، الى يومنا هذا، في الحلف هذا، وفروعه ومترتباته، وفي "منطقه". وليس اقل فروع الحلف خطراً وأثراً خلافة السياسة السورية السياسة الفلسطينية، إبان حقبتها، على "حكم" لبنان واللبنانيين، والتوسل به وبهم ارض سيبة او سباء ومسرحاً احتياطياً تخاض عليه حروب لا يترتب على خسارة اصحاب المسرح الأساس وهم الساسة الفلسطينيون والسوريون، في هذا المعرض إياها انهيارُهم الداخلي. والحق ان اشد الأعداء "الاستراتيجيين" عداء، الأميركيين والإسرائيليين ومنذ بعض الوقت الفرنسيين، لم يتقصد ضرب المسرح الأساس او الرئيس، وتقويض سلطان سورية على السوريين وجماعاتهم ودولتهم. فقصف عين الصاحب، قبل نحو السنة، وقبله قصف بعض المواقع السورية العسكرية في لبنان، متأخر وقتاً، قياساً على العقود الثلاثة التي مضت من عمر الجوار المضطرب. والمربح الصافي الذي جناه ساسة سورية من التسلط على لبنان وسوس جماعاته ومؤسساته والأسد الابن يسأل عن داعي قواته وأجهزة امنه الى "الهيمنة" على لبنان، ولا يقع على جواب، وجنته معهم وإليهم سياسات كثيرة اخرى عربية وإقليمية ودولية، هو ازدواج الحرب هذا، ومسارحها ومداخلها ومخارجها. وإذا اغفلت "القيادة" السورية "الشخص" الفلسطيني من روايتها الحروب الملبننة، وهي تزعمها اهلية شأنها شأن شركائها اللبنانيين اليوم وبالأمس وشأن اسلافها الفلسطينيين، فإنما السبب في الإغفال هذا هو استمرارها على نهج ومنطق لم تطوهما. وتلويح احد ألوية الأمن السوري، بعد شهر من انهيار صدام حسين في العام الماضي، ب"خارطة لبنانية ذات تضاريس اصولية"، رداً على تطويق اميركي لسورية الأسدية، قرينة على ثبات المنطق والنهج هذين. وهي تثور على الدول الكبيرة التي تُراجِع، منذ بعض الوقت، مسايرتها النهج والمنطق السوريين، ومماشاتها لهما. والقرار الدولي الأخير في لبنان عبارة عن هذه المراجعة، بعد قانون "محاسبة سورية" الأميركي. مشاركة والإغضاء ويتشارك الخطاب الرئاسي السوري مع الردود اللبنانية عليه، من موقع المخالفة ومن موقع الموافقة، في إسقاط "الشخص" الفلسطيني من الحوادث اللبنانية. فالمخالفون او معظمهم وأخصهم المقصودون مباشرة بالمحاسبة السورية "القيادية" اي "الرهط" الجنبلاطي و"الوطني" الشيوعي، لا يتستر سكوتهم عن حلفهم المدمر والمميت السابق على رغبتهم في اتقاء نتائج "استحضار بعض الماضي في شكل انتقائي وسجالي"، على قول بيان "لقاء قرنة شهوان" صحف 13 تشرين الأول. ويحسب البيان ان الاستحضار هذا "طعنة للمبدأ الذي قام عليه اتفاق الطائف"، وتجاهل لما "أنجزه... طي صفحة الماضي وتجاوز مرحلة الحرب". وهو، من طرف بعيد من الصراحة والوضوح، "يطرح السؤال عن طبيعة الدور الذي قامت به سورية اي سياستها في لبنان طوال الأعوام الماضية". ويعقب احد وجوه لقاء "القرنة" على الإعلام الرئاسي، فيكتب مذكراً، في معرض "لا حاجة بنا للتذكير"، باجتياح الدامور "على يد قوات الصاعقة - الفلسطينية التابعة لسورية"، على قوله جبران تويني، "النهار" في 14 تشرين الأول. وكأن اجتياح الدامور، على خطره ومكانته وفظاعته، رحم الحروب السابقة واللاحقة كلها، وكأن "ابو موسى" الفتحاوي يومها لم يكن قائد الحملة، ولم تشارك فيها فصائل شيوعية... ويخلص تويني الى ان تاريخ لبنان هذا يجب ألا يكتب "من طرف واحد". وهو على علم ويقين بأن ما "يجب" ان يكتب "يفترض ان يوحد بين اللبنانيين، لا ان يصب الزيت على النار!". وهذا توهم للتأريخ "كل الحقائق" يترجح بين التأله وبين الارتزاق وتجييش المرتزقة. وحتى ميشال عون، قائد الجيش اللبناني الأسبق ورئيس حكومة انتقالية في 1988 - 1990، اقتصر إلماحه الى دور فلسطيني على تسليح سوري لبعض المنظمات الفلسطينية في 1969 و1970. وما يسميه عون "تسهيل عبور المنظمات من الأردن" الى لبنان، سبق لصلاح خلف "ابو اياد" رجل "فتح" الثاني، ان سماه بعبارة أصرح "تخزيناً" لها، سورياً، بلبنان، في نصف العقد تقريباً بين إخراجها من الأردن، في 1970 - 1971، واندلاع الحريق في "المخزن" اللبناني. فلا عجب إذا اغضى بعض وارثي "الحركة الوطنية" وجناحها "التقدمي" خصوصاً و"القوات المشتركة" و"الشعب اللبناني - الفلسطيني" عن السهم الفلسطيني كله في الطور الذي تناوله الأسد الإبن، إغضاءً تاماً. فكرر حبيب صادق - احد "رفاق درب" الحزب الشيوعي اللبناني، ونصير "المقاومة" الفلسطينية على "الطغمة المالية" و"المارونية السياسية"، و"رفيق درب" نبيه بري، زعيم حركة "امل" في انتخابات 1992 النيابية - تعليقاً على الخطاب، مناشدته "إدارة الحكم في البلدين" "إجراء تسوية ديموقراطية في الداخل تعيد اللحمة الى طبيعتها بين الحاكم والمحكوم ... وإجراء تسوية عادلة بين الدولتين، الشقيقتين الجارتين، تصويباً للعلاقات المختلة بينهما...". وفي هذا - اي في تصور "التسوية" "الديموقراطية" و"العادلة"، إجراء يسيراً على "إدارة دأبها الاحتكام الى "الطبيعة" و"لحماتها" - ما فيه من عرك التاريخ وحوادثه على انواعها. ويستجيب المذهب دعوة "حكماء" الصحافة والسياسة اللبنانيتين الى الكف عن "التذكير" و"التذكر" و"صب الزيت على النار" جملة وتفصيلاً. فلا يملك من يحمل نفسه على المواطنة اللبنانية شأن موقع المقال من تقرير التواطؤ الظاهر، "اللبناني - السوري" الرسمي واللبناني المعارض، على إغفال الدور الفلسطيني القومي والدور اللبناني "الوطني"، في سوس المنازعات اللبنانية الداخلية، وإسلامها الى الانفجار. ويضمر الإغفال هذا سياسة حاضرة لا يؤمن ان تلد ما ولدتها سابقاتها من محن وكوارث وبؤس لا تنفع "التسويات" الخطابية في تداركها. فإذا لم ندرك، نحن اللبنانيين، ان السياسة السورية في لبنان، منذ غداة 1973، مشت في خطى "السياسة" الفلسطينية، فحرفت شرعية الدولة والوطن اللبنانيين والداخليين عن الهيئات الداخلية، وحلت عروة الاثنتين، وناطت الشرعية بسياسات ومنظمات وأجهزة ومصالح خارج متناول اللبنانيين ومحاسبتهم ومداولاتهم - إذا لم يُدرك هذا الصنيع الدؤوب والمتطاول امتنع فهم حوادث العقود الثلاثة الأخيرة ومآلها منذ اتفاق الطائف الى يومنا. وحين تقسم السياسة السورية اللبنانيين ومن ورائهم البشرية، ويتابعها "حلفاؤها" على هذا التقسيم، بين حزب القرار 1559 وحزب "سورية" والعروبة و"الصورة المشرفة والإنسانية"، على قول بشار الأسد في وصف سلطته ومديحها، فهي لا تعدو المضي على اركانها المعهودة والمعروفة. "الاعتقاد الاستراتيجي" ورأس هذه الأركان وأولها انفراد طاقم هذه السلطة بترتيب القومي الاستراتيجي في المقدمة، ووراءه او تحته بكثير، وبما لا يقاس، "القطري" الوطني وهيئاته السياسية والاجتماعية، ومصالحه ومشاغله. وتترتب على القسمة والترتيب هذين "حرب اهلية" بين غرضيتين وعصبيتين متعاديتين حتى الموت، لا تهدأ ولا تفتر. فكيف يُتوقع ان يزن في ميزان هذه القسمة الكونية والأبدية قانون انتخابات "عادل"، او إنفاق مقتصد، او تدبير إعلامي وصحافي محايد، او قضاء مستقل ونزيه؟ فالقومي الاستراتيجي، شأن اركان الاعتقاد في فقه الولاية أو الإمامة، لا يجوز ان يدلي بدلوه فيه، وفي حَمَلته وسدنته وكهنته، ناخبون تهب اهواؤهم ومصالحهم "الضيقة" على أوراق اقتراعهم، فيميلون معها ويشرّقون ويغربون. والناخبون ينبغي تكتيلهم وعصبهم وسوقهم "حزب اللهياً" او "سورياً قومياً - اجتماعياً" او "أملياً". وتحل إعالتهم، ولو إعالة الكفاف من مالية نازفة ومهدورة، لقاء ولاء عصبي. والحق ان الاختبار الفلسطيني في لبنان، وانقياد بعض السياسيين والجماعات والأحزاب والنخب إليه، جرّأ "القيادة" السورية، وقيادات عربية غيرها ربما، على توهم ترتيب القومي الاستراتيجي والوطني على مرتبتين متفاوتتين، جائزاً ومشروعاً ومقبولاً. وتتحمل الكتلة العروبية اللبنانية، ومكوناتها الحزبية والعصبية والزعامية، تبعة ثقيلة عن التوهم الفاعل هذا. فهذه الكتلة ارتضت الخروج على منجزات تدبير لبناني تجريبي كانت عوائده السياسية والاجتماعية والثقافية على اللبنانيين كلهم، على رغم بعض التفاوت، مجزية. ولم يحل فرق العوائد هذا بين الكتلة العروبية اللبنانية، او العروبة السياسية وجماعاتها، وبين المغامرة الخرقاء بإطاحة التدبير اللبناني بقضه وقضيضه. ولعل التلكؤ عن تجديد المغامرة، غداة ربيع العام 2000، هو ما يخل بالموازين السياسة السورية، وليس سقوط "وضع تعاقدي" سابق، على زعم "ديموقراطي" اي شيوعي سابق سوري. واضطلع بدور متصدر في الإقبال على المغامرة، من غير اضعف ضمان بالتزام "الشريك" الاستراتيجي والقومي الفلسطيني اولاً ثم السوري والحزب اللهي من بعده قيوداً على "شراكته" او تسيّده، اضطلع بالدور هذا تصنيمُ "القومي" وصيغه المسلحة والجمعية العصبية و"الفدائية" الانتحارية. وأوكل الساسة السوريون وأجهزتهم الى "الحالة" الخمينية، فالحزب اللهية، رعاية الصيغة الصنمية للتكتيل الأهلي والجماهيري. فكانت "الحالة" هذه، ثم مثيلاتها "الإسلامية" في مدن الساحل وجوارها، آلة ترتيب وتقسيم سياسيَّيْن للبنانيين لا ينفد فعلها، ولا تستقيم سيادة شعبية ووطنية معها. وهذه العوامل لا تزال على قيد الحياة وتتغذى من حوادث كبيرة ومتجددة. ولا تنفع اعتبارات سياسية ظرفية في تقييد اثرها المميت في الاجتماع اللبناني. ولا ينفع التذرع بانقسام الكتلة العروبية اليوم، وبانحياز شرط منها الى اللبنانيين بعد لأي ومصالحة الجبل العتيدة لم تكن هباء من غير شك، ولكنها كانت بعيدة من التكافؤ والمساواة بين فريقيها وطرفيها. وبقي احد الفريقين على غمغمته وجمجمته. ومقدماته "التاريخية" والعصبية تعصى الامتحان والمناقشة، بينما يستعجل الفريق الآخر "طي صفحة الماضي". وهذه ليست بشائر إنشاء وطني وشعبي متماسك على رغم طراوتها في البلقع الذي نقعي فيه. * كاتب لبناني.