مع ان ناشطات عراقيات في العمل النسائي يؤكدن ان الأحوال السياسية في بلدهن وبنيتها الأساسية قد تحسنت الى حد كبير منذ اسقاط قوات التحالف نظام صدام حسين في نيسان ابريل الماضي، إلا ان الوقائع المتعلقة بفرص عمل حقيقية لتحسين اوضاع النساء في العراق، تكشف تردياً، لجهة انسحاب النساء من الحياة خوفاً من مخاطر الاختطاف تارة، ومن فكر متشدد نشط اخيراً، يرى في خروج النساء عيباً حتى لو كان من اجل العمل. عضوتا مجلس الحكم رجاء الخزاعي وسون غول تشابوك تتفقان على ان "الأحوال الاقتصادية والأمنية تحسنت ايضاً بالنسبة الى المرأة منذ سقوط صدام حسين". وتلفت الخزاعي الى ان "بعض وسائل الإعلام بالغ في تصوير المشكلات الأمنية في البلاد بما فيها احوال المرأة. لكن كل شيء عاد الى طبيعته"، مع اعادة فتح المدارس والجامعات، وعمل المستشفيات على مدار الساعة، فيما تشير الطبيبة لينا عبود الى ان الكثير من زميلاتها عدن الى وظائفهن "بفضل تحسّن الأحوال الاقتصادية، وارتفاع المرتبات". رجاء الخزاعي، تقر بعدم وجود فرص عمل حقيقية، لافتة الى اهمية إيجادها، "لأنها من الحاجات الملحة الى جانب تحسين احوال الأمن". وتقترح انشاء برنامج على غرار برنامج "فيالق الخدمة المدنية" الذي بدأه الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت اثناء فترة الكساد في الثلاثينات، كما تدعو الى إنشاء برامج تسمح بمنح ضمانات مصرفية وقروض محدودة للمشروعات الصغيرة في العراق. ويأتي هذا الكلام في ظل مؤشرات تقول ان المرأة اليوم في المجتمع العراقي لم تعد تمثل نصف المجتمع، بل تخطت ذلك منذ زمن طويل. وإذا كان عدد سكان العراق 24 مليوناً، نصفهم تحت الثمانية عشرة فسيبقى 12 مليوناً من البالغين، وهذا العدد هجر منه حوالى 3 ملايين بسبب الديكتاتورية. ومعظم هؤلاء من الرجال، وقد قتل وأعدم وعوّق خلال الثلاثين سنة الماضية بسبب الحروب والحصار، ما لا يقل عن مليونين من العراقيين معظمهم من الرجال. وعلى رغم ان للمرأة نصيباً في ذلك لا يمكن تجاهله، يبقى الفارق كبيراً. وبعملية حسابية بسيطة، يتبين ان نسبة النساء بين سكان العراق تشكل اكثر من 60 في المئة، والنسبة هذه "كارثة اجتماعية كبيرة"، بحسب مصادر تشير الى مخاطر نسبة الأرامل والمطلقات والعوانس والأميات والعاطلات. المرأة في المجتمع العراقي اليوم، تعاني مشكلات وتعقيدات نفسية واجتماعية، فيما لا تزال تضطهد من الأب والأخ والزوج والمجتمع، ناهيك بوضعها الاقتصادي المتدهور. قلة من النساء تحررت اقتصادياً، وكثيرة منهن تتحمل عبء المسؤولية الاقتصادية، لكونهن يعلن اولادهن او ازواجهن المعوّقين في الحروب. والمرأة العراقية تقضي وقتاً مضنياً في المنزل وخارجه، في التسوق وشراء الحاجيات للعائلة واصطحاب الأطفال الى الطبيب والوقوف في الطوابير للحصول على الحصة التموينية او غير ذلك من المهام الإضافية. هذا في المدينة، أما في الريف فالواقع أتعس من ذلك وأكثر تعقيداً بسبب قسوة العمل الريفي وكثرة اعبائه. المعاناة جعلت النساء يشخن بسرعة، وأصاب العديد منهن الأمراض النفسية. ومع انهيار الدولة العراقية، وجد اكثر من مليوني رجل قادر على العمل، انفسهم خارج مؤسساتهم الحكومية التي حلها "التحالف"، وصارت بعض العوائل، تودع النساء صباحاً في رحلة السعي الحلال، بينما الرجل بعيد من ساحة العمل، يقتله الملل احياناً في المقاهي، او متصفحاً جريدة. بعضهم يقضي وقته في اعمال صيانة بيته، وفي مجمل الأحيان بشعور من الغضب وخيبة الأمل. ازواج عاطلون حكايات وقصص الأزواج العاطلين من العمل والزوجات العاملات كثيرة اليوم في العراق. وتبادل الأدوار بفعل الضرورة، بات شائعاً، مع انه يحدث اختلالاً في العلاقات الاجتماعية، ليس لأن الزوجات لم يعتدن العمل، بل لأن الجهد الأساس والاعتماد في الإنفاق في الأسرة، صار على كاهل الزوجات او بعضهن، ما يرفع حساسية الرجال تجاه عمل المرأة، ويؤدي الى ارتفاع وتيرة الاحتجاج للتعبير عن اليأس او الرفض بشكل. ويؤدي كذلك الى العنف الأسري ضد الأطفال والزوجات على حد سواء. ش.ع. زوجة ضابط مسرّح من الخدمة حالياً، لها اربعة اولاد اصغرهم في الرابعة من العمر، تعمل في التنضيد في احدى الصحف العراقية. تقول: "أخرج من البيت في السابعة والنصف صباحاً، وقد لا اعود إليه قبل التاسعة ليلاً، ساعات العمل طويلة ومرهقة، وفور عودتي اباشر بإعداد العشاء وتحضير طعام اليوم التالي، وفي الوقت نفسه اتابع دروس الاولاد". كيف يمكنك الاستمرار في هذا الوضع؟ تجيب: "أعود مهدودة الحيل، ولكن لم يعد في الامكان اقتطاع وقت للراحة. الحال صعبة، ولا استطيع التذمر فزوجي يعاني ارتفاع ضغط الدم، وأي عصبية قد تقضي عليه. يكفيه ان يعيش مشكلة البطالة. الرجال لا يحتملون مثل هذا البقاء في البيت. كما انهم يحسون بالحرج وجرح الكرامة". وفيما اذا كانت تحصل على مساعدة من زوجها، جاء الرد سريعاً: "أعوذ بالله انه ينتظرني ليطلب مني كأس ماء". لكنها تؤكد انها متاعب الحياة وصعوبة تحصيل الرزق لا تهون عليها ان تذكّر زوجها بما يعاني منه. لا أريد أن تنفق علي امرأة زوج يحتج غاضباً ويقول: "زوجتي لم تعد تحترمني لأنني صرت ربة بيت"، فيما الزوجة ترد باكية "أوهامه عن عملي كبيرة، ولم اقصد ان اجرح كرامته، وكل ما في الأمر انه طلب مني ان اقوم بعملي المنزلي على وجه السرعة، فذكّرته بأنني متعبة بعد جهد نهار طويل". الزوج مصر على الطلاق لأنه، بحسب قوله، لا يريد ان تنفق عليه امرأة. المشكلة ما زالت قائمة، وبتدخل الجيران ذهبت الزوجة الى بيت اهل الزوج حتى تهدأ ثورة الغضب، او الى ان يجد عملاً، "لأنه قد يقوم بعمل مجنون"! ليست كل الحكايات سوداوية او معقدة، فهناك أسر أخذت الامر على نحو ايجابي. رفيعة 39 سنة مثلاً، تعمل مترجمة ولها ثلاثة ابناء اصغرهم في السادس الابتدائي، تشعر بالحماس وتستمتع بكونها المعيل الوحيد للأسرة: "هذا الواقع يعطيني صلاحيات كبيرة لم اكن املكها فقد صرت "السيد" كما كان يفعل زوجي. الجميع يساعدونني وأولهم زوجي. وهم جميعاً يقومون بما كنت اقوم به وحدي، وأضحك منهم عندما لا تفي جهودهم بالغرض المطلوب... انها فرصة ليعرفوا مقدار اهميتي"! وتضيف رفيعة ان زوجها لا يعترض كثيراً او يتعصب لفكرة فقدان وظيفته الحكومية وقد دأب على القول: "بسيطة... على الاقل أنت اجمل من مديري السابق"! كذلك، ليست كل القصص بهذه الطرافة. ب. أ. 35 سنة أم، اصغر اولادها في الحضانة وابنها الاكبر في المرحلة المتوسطة، متزوجة منذ 15 عاماً وتعمل حالياً في قسم العلاقات العامة في وزارة التربية، تبدو حزينة جداً لأنها تعاني من وضع لم تعتده وبدأت تشعر بأن علاقتها بزوجها تفقد بريقها المعهود بسبب حساسيته المفرطة من عملها، فيما هو عاطل من العمل: "أفتقد الحنان والألفة التي تربطنا، كنا افضل صديقين، ولكن ضغط المسؤوليات وجهد العمل ومتابعة دروس الاولاد، دفعتني مرة للتشكي بصوت عال وما كنت اريد اثارة حفيظته ابداً لأنني اعرف مقدار حساسيته ورقته". وتتساءل السيدة نفسها عما اذا كان يتوجب عليها الاستقالة من عملها، لأن عائلتها بنظرها اهم من كل المناصب والوظائف. لكنها تتذكر سؤالاً آخر: كيف يمكننا ان نعيش ونوفر مستلزمات الحياة الضرورية؟ عمل النساء يقابل عموماً بعنف الازواج، وهو ما تشرحه سيدة تعمل في تربية الاطفال دون سن المدرسة: "طبيعة التربية العشائرية والنظرة التي تربينا عليها والتي تحصر واجب الاعالة الاسرية في الرجل، قد تدفع الرجال الى شعور يأخذ شكلاً متطرفاً يقع خارج حدود التعقل". ورداً على سؤال: هل تنظر المرأة باستعلاء الى شريكها عندما يفقد عمله؟ تجيب: "الزوجات اكثر انسانية وتفهماً مما يظن الازواج أنفسهم... قد تجرح كبرياءهم اذا كانت العلاقة مبنية على الفائدة المالية فقط، وأنا اعتقد ان الزوجة المحبة لن تحاول اثارة حفيظة زوجها". على الارض، مبادرات متعددة تطلق بقصد تشجيع المشاريع الصغيرة للنساء. "مركز فاطمة الزهراء" افتتح في مدينة الحلة 100 كم جنوببغداد بعون "الوكالة الاميركية للتنمية الدولية" وسلطة التحالف الموقتة. وسيوفر المركز الفرص للنساء من اجل المشاركة في البرامج التعليمية وتعلم مهارات وظيفية جديدة والمشاركة في مشاريع ذات مردود مالي. وكان مسؤولون من "البنك الدولي" اجتمعوا مع مجموعة مكونة من 18 سيدة عراقية بينهن سيدتان من اعضاء مجلس الحكم، خلال الفترة من 10 الى 14 تشرين الثاني نوفمبر الماضي لمناقشة دور المرأة في تنمية العراق، واتخاذ اجراءات لتحسين هذا الدور. وطبقاً للبيان الصحافي الذي نشره "البنك الدولي"، فإن العراقيات قدمن خلال الاجتماع مساهمتهن في التقرير المشترك للأمم المتحدة والبنك عن احتياجات العراق. وقال البيان ان الاجتماع اسس شبكة من النساء العراقيات اللواتي سيقدمن مساهمتهن بشكل مستمر الى البنك حول الموضوعات الخاصة بالمرأة وموضوعات تقنية اخرى. وقالت نظيرة تشاملو كبيرة مستشاري قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا في "البنك الدولي" لشؤون المرأة: "ان مشاركة العراقيات حتى الآن ما زالت هامشية في مشروعات اعادة الاعمار. ومن المهم ان تكون مشاركتهن بدرجة اكبر". وقالت احدى المشاركات في الاجتماع: "اطلعنا على افكار تتعلق بأهمية مشاركة المرأة في تنمية العراق، والاستراتيجية التي يمكن اتباعها في مجالات متعددة مثل التعليم والصحة وحتى الزراعة والكهرباء. والآن اصبحنا ندرك كيف يمكن ان نشرك المرأة في عمليات اعادة اعمار العراق". وتوفير فرص العمل للنساء موضوع مشترك لنحو عشرات من الروابط والاتحادات والتجمعات النسائية في العراق اليوم. احداها "اللجنة الاستشارية لشؤون المرأة في العراق" التي تحضر اعمالها وزيرة البلديات والأشغال العامة المهندسة النشيطة نسرين برواري التي اكدت أخيراً ان "المرأة العراقية لا بد ان يكون لها دور في جميع مراحل عملية التحول السياسي بالنظر الى تاريخها النضالي، ولأن المرأة تمثل قدرة وكفاءة الى جانب اخيها الرجل، فالبلد بحاجة الى جميع الكفاءات والطاقات".