المرأة تعيش في خوف دائم من الزوج«افاتو كمرا» سيدة ناهزت الأربعين من عمرها، تقطن في حي «الميناء» جنوب العاصمة الموريتانية نواكشوط، وتتردد كثيرا على مصلحة النزاعات الأسرية في وزارة المرأة، تقول إنها تعيش جحيما بين خيارين أحلاهما مر، أولهما البقاء مع زوجها «صار» الذي يتخذها زوجة ثالثة له، منذ زواجهما قبل 16 عاما، حيث تتعرض على يديه للضرب المبرح، مضيفة أن جسمها يحتفظ بشواهد على قسوته وفظاعته، ستبقى قائمة إلى أن تدفن معها، وتحكي قصتها معه: «في البداية كان الضرب باليد وبأسلاك الكهرباء والعصي أمرا عاديا بالنسبة لي، وكنت أتحمله منه كما تتحمله باقي زوجاته، وأنجبت منه ثلاث بنات وولدين، لكن مع تقدم العمر صار أعنف وأشرس مما كان عليه، خصوصا بعد تقاعده وتفاقم المشاكل الأسرية عليه، فأحيانا يضربني بعمود وأحيانا بالحديد، وقد تسبب في شج رأسي أكثر من مرة وأصابني بجروح عديدة، وحاليا أعاني من آلام مزمنة في ركبتي اليسرى بعد أن ضربني عليها بمكواة ملابس قبل سنتين، وذات يوم قام بوضع سكين ساخنة على ذراعي ما تزال آثارها باقية عليّ، وركلني على البطن حتى فقدت الوعي، لسبب بسيط وهو أحد الأطفال سكب شرابا على ثوب كنت أغسله له، وحتى في فراش النوم كان يسبني ويضربني، ويصفني بالقبيحة والدميمة، وقد بدأ أولادي يكبرون ويتعذبون معي، ولم اعد أطيق العيش معه». الضرب عند الزنوج تقليد أبوي متوارث .. ولدى الأغلبية العربية فضيحة تلاحق الرجل لكن «افاتو» تواجه خيارا آخر لا يقل صعوبة عن البقاء مع زوجها العنيف، فهي أمية وعاطلة عن العمل، وزوجها يرفض تطليقها ما لم تتنازل له عن الأولاد، وهي تعرف أن بقاءهم معه سيكون عذابا لهم، لأنه يضربهم بلا رحمة ولا شفقة، وتسعى «افاتو» لدى السلطات لمن يحميها من زوجها، أو على الأقل يخفف من وطأته عليها، فهي لم تعد تأمن على حياتها معه، ولا تريد أن تنفصل عن أبنائها أو يضيعوا منها. حالة «افاتو كمرا» هي مثال لعدد كبير من النساء الموريتانيات اللواتي يتعرضن للعنف على يد أزواجهن، أحيانا دون شفقة أو رحمة. ويقول الباحثون الاجتماعيون إن ظاهرة العنف الزوجي تتفاوت في المجتمع الموريتاني حسب تفاوته الطبقي والعرقي، حيث تنتشر ظاهرة تعدد الزوجات وضربهن في أوساط قوميات الأقلية الزنجية، ويعتبر الضرب أحيانا تعبيرا من الزوج لزوجته عن حبه لها واهتمامه بها، وتفرض العادات على الزوج أن يتعامل مع زوجته كما كان أبوها وأخوها الكبير يعاملانها، فهو مسؤول عن تأديبها، ويضيف أحد الباحثين أن الزوجة إذا رأت زوجها يضرب باقي زوجاته ويحجم عن ضربها، فإن ذلك قد يكون مثار شك لديها في حبه لها واهتمامه بها، وقد بدأت تلك الظاهرة تتقلص تدريجيا مع ازدياد نسبة الوعي بين السكان، وتفعيل القوانين المجرمة للعنف الزوجي. أما الأغلبية العربية، فيكاد الأمر ينعكس فيها، حيث يعتبر ضرب النساء فضيحة تلاحق الرجل إن هو أقدم عليه، ويقدم بعض القضاة الشرعيين التقليديين في موريتانيا على تطليق المرأة من زوجها عنوة إذا هو ضربها، بل إن كلمات جارحة أو عنيفة من الزوج لزوجته، قد تكون كافية لتطليقها منه، وهو ما يعتقد الباحثون الاجتماعيون أنه كان السبب في انتشار ظاهرة الطلاق بشكل كبير في الأوساط العربية الموريتانية، وتناقصها في الأوساط الزنجية، حيث لا يجد الرجل العربي حيلة لتفريغ شحنة غضبه على المرأة إلا بتطليقها، لأنه لا يملك سلاحا آخر لعقابها، فيما يملك الرجل الزنجي الحق الاجتماعي في ضربها والتزوج عليها، الأمر الذي يجعله أقل إقداما على الطلاق من نظيره العربي. الزوج يضرب زوجته وأولاده عند أي خطأ باليد وبأسلاك الكهرباء والعصي وأحياناً بالحديد ! وتعرف المدونة القانونية الموريتانية العنف ضد المرأة «بأنه كل تصرف أو سلوك بشري ينزع إلى استخدام قدر من القوة القسرية، بما في ذلك الإكراه والأذى الجسدي الذي يتضمن الضرب والأذى النفسي وغيرهما «، ورغم أن القوانين الموريتانية تعاقب بشكل صارم العنف ضد المرأة مهما كانت، زوجة أو أختا أو بنتا، ناهيك عن بقية النساء، إلا أن موروثا من العادات والتقاليد يستند إلى تفسيرات لنصوص دينية في بعض الأحيان، جعل مهمة استئصال العنف الزوجي أمرا بالغ الصعوبة، حيث يدخل العنف الزوجي لدى البعض في إطار التقاليد المتوارثة في المجتمعات الأبوية والتي تقوم على اعتبار رب الأسرة المسئول الأول عن تأديب أفراد العائلة في حال مخالفة الأعراف ، سواء كان هذا التأديب ماديا أو معنويا، ومن هنا فإن له مطلق السلطة التقديرية في معاقبة الزوجة. المرأة تعيش في خوف دائم من الزوج ووفقا لدراسة أعدتها وزارة شؤون المرأة الموريتانية فإن العنف الزوجي ينتشر بشكل ملفت للانتباه، رغم أن عدد حالات العنف ضد المرأة التي يتم التبليغ عنها لا يعكس حجم العنف الزوجي الواقع في المجتمع، مع انتشار ظاهرة جهل الكثير من الناس بالمؤسسات الرسمية والمنظمات غير الحكومية التي تنشط في محاربة ظاهرة العنف ضد المرأة وتلاحق مرتكبيه، هذا فضلا عن أن اللجوء إلى التقاضي يعتبر في أحيان كثيرة فضيحة تعكس فشل المؤسسة الأسرية والقرابة التقليدية في معالجة القضايا الأسرية، في مجتمع محافظ، يرفض أن تخرج مشاكله من بين جدران البيت. العنف الزوجي في أرقام ويضيف تقرير للوزارة انه في السنوات الأخيرة تزايد عدد حالات العنف الزوجي التي يتم التبليغ عنها لدى قسم النزاعات الأسرية، حيث بلغت نسبة الحالات التي تحدثت النساء فيها عن تعرضهن للعنف على يد الرجل أكثر من 57 في المائة، من بين حالات النزاع الأسرية المعروضة على الوزارة . ويتضح من سجلات قسم النزاعات الأسرية بوزارة شؤون المرأة أن نسبة 60 % من النساء اللواتي يتعرضن للعنف الزوجي تقل أعمارهن عن 30 سنة، و82 % تحت عمر 35 سنة، وهو ما يشير إلى أن الأجيال الشابة من النساء أكثر عرضة للعنف الزوجي ربما بفعل تغير مكانة المرأة وتناقض التوقعات بين الأزواج والزوجات ، هذا فضلا عن أن انخفاض مستوى التعليم وتواضع المستوى الاقتصادي كلها مؤشرات ملازمة لمعظم ضحايا العنف الزوجي، إذ تبلغ نسبة النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و20 سنة، وتعرضن للعنف الزوجي 17 في المائة ، بينما تبلغ النسبة لدى النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 21 و25 سنة 23 في المائة، وترتفع النسبة قليلا لتبلغ لدى الفئة العمرية من النساء ما بين 26 و30 سنة نسبة 24 في المائة، أما الفئة العمرية بين 31 و35 سنة، فتبلغ نسبة تعرضهن للعنف الزوجي 19 في المائة، وتنخفض النسبة كلما تقدم بالمرأة العمر، حيت تبلغ نسبة النساء اللواتي تعرضن للعنف الزوجي بعد تجاوزهن 36 سنة، نسبة 5 في المائة. ويرتبط ألأمر ارتباطا وثيقا بالمستوى التعليمي، إذ كلما انخفض هذا المستوى ارتفعت نسبة التعرض للعنف الزوجي، إذ تتجاوز نسبة النساء الأميات اللواتي تعرضن للعنف الزوجي في حياتهن 46 في المائة، وتتناقص النسبة لدى اللواتي حصلن على مستوى تعليمي ابتدائي لتبلغ 30 في المائة، وكلما رفعت المرأة مستواها التعليمي، تناقص حظها في العنف الزوجي، حيث تبلغ نسبة اللواتي تعرضن للعنف على يد أزواجهن من ذوات المستوى التعليمي الإعدادي 11 في المئة، وتبلغ النسبة 7 في المائة لدى صاحبات المستويات التعليمية الثانوية، في حين لا تتجاوز نسبة الجامعيات اللواتي يتعرضن للعنف الزوجي 1 في المائة. وللمهن كذلك دورها في تصنيف حالات العنف الزوجي، حيث تقول الوزارة المكلفة بشؤون المرأة إن نسبة 42 في المائة من الزوجات العاطلات عن العمل يتعرضن للعنف على يد أزواجهن، في حين تبلغ النسبة 4 في المائة فقط بين الطالبات والموظفات. وتتجه المؤشرات إلى تزايد منحنى العنف الزوجي مع طول العشرة الزوجية وارتفاع عدد أطفال الأسرة ، حيث تبلغ نسبة من تعرضن للعنف على يد أزواجهن خلال العامين الأولين من الزواج 21 في المائة، وترتفع النسبة كلما تقدم العمر بالزواج لتبلغ 32 في المائة لدى من تتراوح أعمار زواجهن 11 سنة. وللأطفال نصيبهم من رفع درجة حرارة العنف الزوجي، حيث تبلغ نسبة تعرض الحوامل للعنف على يد أزواجهن، 10 في المائة بين حالات العنف الزوجي المسجلة، بينما تبلغ نسبة أمهات طفل واحد اللواتي تعرضن للعنف الزوجي 18 في المائة بين الحالات المسجلة، وتزيد النسبة مع أمهات طفلين فما فوق، وتوضح الدراسة أيضا أنه كلما ارتفع فارق السن بين الزوجين أيضا كلما ازداد احتمال تعرض الزوجة للعنف على يد زوجها، حيث ترتفع النسبة لدى الأزواج الذين يكبرون زوجاتهم بعشر سنوات فما فوق لتبلغ نسبة 67 في المائة، ربما لأن القيم التقليدية والتوقعات القديمة مازالت حاضرة عند هؤلاء، في مقابل جيل من الزوجات الشابات. بيد أن الدراسة خلصت إلى أن ظاهرة العنف الزوجي بدأت تتضاءل بحيث تكاد تختفي في الأوساط الاجتماعية الحضرية ذات المستوى المادي المرتفع، والتي تقتصر معظم حالات العنف الزوجي فيها على بعض مدمني الخمور والمخدرات، في حين تنتشر الظاهرة بشكل أكبر في الأوساط الفقيرة بسبب انتشار الجهل وغياب الوعي، وتلاحق الأزمات والمشاكل الأسرية.