يتابع العالم كله هذه الأيام باهتمام بالغ قضية واحدة هي القبض على الرئيس العراقي السابق صدام حسين. ان اصحاب نظرية المؤامرة كانت لهم اسهامات طيبة في هذا الحدث! وهل يعقل أن يمر حدث على هذا المستوى من دون أن يكون لهم إسهام فيه أو يحاولوا الصاق التكذيبات والتأويلات والتحليلات العجيبة الغريبة به؟ في إحدى الدول العربية يقولون ان هذا ليس صدام حسين، هذا تلفيق أميركي، لماذا لم نرَ صدام واقفاً على قدميه؟ هم لا يريدون أن نكشف زيفهم، فإذا التقطوا صورة لصدام وهو واقف تبين الفارق في الطول، ولعرفنا انه ليس صدام! بل ذهبوا أبعد من ذلك فقالوا: لن نستمع بعد الآن الى أشرطة مسجلة لصدام! هل يقصدون ان السبب هو القبض عليه؟ لا، بطبيعة الحال. يقولون ان اميركا ستضغط على القنوات العربية، وتمنعها من بث تسجيلات صدام كي توهم العالم بأنها قبضت عليه. هذا، ونحن نرى ونقرأ كيف يكيل وزير الدفاع الأميركي التهم، وكيف تمارس الضغوط على هاتين القناتين. ان هذه الأفكار ومثيلاتها لا تغذيها نظرية المؤامرة وحسب، ولكنه الجهل والفقر اللذان نلحظ معهما استشراء الخرافات والسحر والشعوذة ومعاداة الحقيقة والواقع، إذا خالفت العاطفة سيطرة أرباب الجهل على عامة الناس، حتى يصبح المشعوذ عالماً، والمبصِّر باحثاً، وقارئة الكف محللة سياسية تستقرئ المستقبل... نعم سقط صدام، وسقط شر سقطة، بأبشع وأذل ما يمكن أن يتخيل العقل الناشئ على معاني الكرامة الزائفة. صحيح اننا رغبنا لو أن الذي قام بالقبض عليه هو الشعب العراقي. ولو كان ذلك لكان الوقع أخف، مع انني متأكد أنه كان ليكون أقسى بكثير. ان المطلوب منا هو التبصر في هذا الحادث: كيف لطواغيت كانت تنحر الأبرياء، وتبعثر كرامة الأمة، وأموالها، ينتهي بها الحال على هذا المنوال؟ هذه هي الحال عندما تنتهك نواميس الكون. كلٌّ ميسر لما خلق له. ولكننا لا نفهم ذلك، وان كان التاريخ عبرة إلا اننا لا نعتبر بالتاريخ. نعشق الوقوف باكين على الحال التي وصلنا اليها، ونضمد جراحنا استعداداً لسياط أخرى تجلدنا. الظهران - محمد بن طرجم الدغيلبي [email protected]