وجه الشيخ مكي حسين حمدان رسالة متناقضة للمصلين في مسجده يوم الجمعة الماضي حين حضهم على "الجهاد" ثم حذرهم من ان العرب السنّة سيخسرون اذا لم يتقدموا وينتزعوا موقعهم في النظام السياسي الجديد للعراق. وعكس هذا التناقض المأزق، وربما التشوش، الذي تعانيه الاقلية السنّية في الوقت الحاضر بعدما حرمت من موقعها المميّز في عهد صدام حسين وأصبحت تواجه هيمنة جماعات تعرضت في وقت مضى لاضطهاد النظام. وكان العرب السنّة، الذين حظوا بدعم المستعمرين العثمانيين والبريطانيين، هيمنوا على المؤسسة السياسية والعسكرية في العراق على امتداد قرن تقريباً، منحّين جانباً الغالبية الشيعية وأيضاً الاقلية الكردية الكبيرة. وبلغت امتيازات السنّة ذروتها في حكم صدام الذي استمر 23 عاماً، وهي الفترة التي شهدت تصاعد الاعدامات الجماعية والاعتقالات وحملات التهجير. وعندما تفجرت الحرب في 20 آذار مارس الماضي، حاربت الميليشيات الكردية الى جانب قوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة ضد جيش صدام، ويأمل الاكراد في الوقت الحاضر ان يسمح لهم الحلفاء الاميركيون بالاحتفاظ بالحكم الذاتي الذي تمتعوا به في معاقلهم شمال البلاد منذ 1991. والتزم الشيعة الحياد خلال النزاع امتثالاً لمشورة رجال الدين، وقد يتمكنون اخيراً من رؤية غالبيتهم تتحول الى سلطة سياسية رسمية اذا اجريت الانتخابات. وكان رد فعل السنّة على سقوط صدام وتمكين الشيعة والاكراد مزيجاً من العنف والانكار والتراجع، وفي الفترة الاخيرة، بذلوا مساعي للتوحد من اجل حماية مصالحهم. وتتعرض القوات الاميركية الى هجمات يومية في بغداد، حيث يمثل السنّة حوالى نصف سكانها البالغ عددهم خمسة ملايين شخص، وفي مناطق الى الشمال والغرب من العاصمة حيث يشكل السنّة الغالبية العظمى. ومع امتناع الشيعة عن مهاجمة الاميركيين، سعى السنّة الى اعطاء انطباع بأنهم يقاتلون لوحدهم ضد محتل عظيم القوة وغير مسلم. وهي فكرة نالت تعاطفاً في العالمين العربي والاسلامي اللذين تسودهما بالفعل مشاعر مناهضة للولايات المتحدة. ويتحدى مؤيد الاعظمي، امام مسجد الامام الاعظم في بغداد، الاعتقاد الواسع الانتشار بأن الشيعة يؤلفون 60 في المئة من سكان العراق البالغ عددهم 25 مليوناً. وهو يدعي ان مثل هذه الارقام تروّج كجزء من سياسة "فرّق تسد" التي يتبعها الأميركيون. وقال الاعظمي، الذي يرى، مثل كثيرين من العراقيين السنّة، ان السنّة ايضاً عانوا في ظل حكم صدام، وان "السنة هم الغالبية. لا أعرف من طرح هذا الرقم، ال60 في المئة، لكنه لا يعكس الواقع". وقال عبدالوهاب الجنابي 71 عاماً، وهو احد رجال الدين في مسجد الكيلاني في بغداد، ان "السنة يتبعون القرآن والحديث. انهم بعيدون عن التشويهات والبدع غير الشرعية". وسعى زعماء الدين السنة الى اعطاء جماعتهم صوتاً موحداً في العملية السياسية بتشكيل تنظيم يضم رجال دين وسياسيين الشهر الماضي. لكن البيانات الصادرة عن "هيئة العلماء المسلمين" لا تزال، حتى الآن، تحمل نبرة متطرفة متميزة. وجاء في بيان صدر اخيراً ان الاحتلال الذي تقوده الولاياتالمتحدة سيتلاعب بأي انتخابات مبكرة كي يخدم مصالحه. وفي اشارة واضحة الى الاكراد والشيعة، اضاف ان "هناك احزاباً سياسية وشرائح انتفعت من التعامل مع سلطات الاحتلال، وهي الآن تملك كثيراً من الاوراق التي يمكن ان تستخدمها للفوز في الانتخابات المقترحة". وقال بيان آخر للهيئة ان اشخاصاً غير عراقيين يقفون وراء الهجمات المميتة بالقنابل في بغداد واماكن اخرى منذ آب اغسطس الماضي، متهماً اجهزة استخبارية اجنبية، بما فيها "موساد" الاسرائيلي، بالتحرك بحرية في البلاد بمباركة من سلطات التحالف. لكن مسؤولين في سلطة التحالف يلمسون تحولاً في موقف بعض زعماء السنة، ويرون ان هذا التحول قد يكون ذا صلة باعتقال صدام في 13 كانون الاول ديسمبر الماضي. وقال مايك غفيلر، المنسق الاقليمي لسلطة التحالف في ست محافظات عراقية، ان السنة يريدون حالياً ان يضمنوا احترام حقوقهم في اي حكومة جديدة. واضاف ان "ما اراه هو موقف اكثر وضوحاً وجدية من جانبهم... ان يشاركوا فعلاً في بناء العراق الجديد ويتأكدوا من الحصول على حصتهم من الحلوى".