تتلخص السياسة الأمريكية في العراق بسياسة واستراتيجية السيطرة والهيمنة على النفط العراقي، هذه السياسة تقوم على الغاية تبرر الوسيلة. إن سعي الولاياتالمتحدةالأمريكية السيطرة على النفط العراقي تتلخص بضرب القوى السياسية العراقية من أجل اضعافها جميعاً وجعل قوة الاحتلال الأمريكي للعراق هي القوة الضاربة والمرجحة بين هذه القوى. ولعل السياسة الأمريكية اليوم في العراق تعيد مثال السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط من حيث ضرب قوى معينة مقابل السكوت أو غض الطرف عن قوة أخرى الى حين، ثم بعد ذلك يتم ضرب القوى الأخرى من أجل اضعاف جميع الأطراف، حيث تشكلت السياسة الأمريكية بضرب القوى المناهضة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، واليوم نجدها تفتح أبوابها على أعداء الأمس وتعيد سياستها وعلاقاتها ويتم توثيقها، بينما تفتح جبهات جديدة مع أصدقاء الأمس تحت مبرر الصراع الثقافي والأيدلوجي، وكان ذلك تحت مبرر الهيمنة على الشرق الأوسط، وأمن إسرائيل، وأمن تدفق النفط بأسعار وكميات مقبولة للسياسة الأمريكية. والسياسة الأمريكية اليوم في العراق شعارها الغاية تبرر الوسيلة، أي أن الغاية هي السيطرة على النفط العراقي من أجل تحقيق مكاسب هائلة وهامة للاستراتيجية الأمريكية على المدى المتوسط والبعيد، سواء اتجاه أوروبا أو اتجاه آسيا، وضرب القوى العربية والاسلامية على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي خصوصاً تلك الدول التي تملك قدرات اقتصادية نفطية جيدة. ومن أجل تشخيص السياسة الأمريكية في العراق في سعيها الحثيث والدائم للسيطرة على النفط العراقي، فإنه يمكن تلخيص السياسة الأمريكية في العراق على النحو التالي: أولاً: الاستمرار بعزف سيمفونية الديمقراطية والانتخابات في العراق، وأن عراقا حرا وديمقراطيا ومراعيا لحقوق الانسان ينتظر العراق والعراقيين، تحت مظلة وهيمنة ومساعدة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهذه السياسة أو الواجهة الإعلامية سوف تسكت جمهورا عريضا من العراقيين، وخصوصاً المثقفين والموجودين في المنفى وهم الذين ينتظرون الوعود الأمريكية من أجل تحقيقها، وقد انطلت عليهم الدعاية الأمريكية، ولذلك لا تجد أي نشاط سياسي أو غير سياسي حقيقي للعراقيين خارج وداخل العراق، بانتظار الوعود الأمريكية بالديمقراطية وحقوق الانسان والانتخابات. ويجب أن يعترف المحلل السياسي أن هذه الدعاية وهذه الوعود الأمريكية هدفها اسكات القوى الثقافية العراقية سواء في الداخل أو الخارج، كما هدفها اعطاء الشرعية والمشروعية الأمريكية في العراق على المستوى الدولي، وخصوصاً أمام القوى الثقافية الدولية، وقد حققت هذه الوعود الأمريكية المياكافيلية ثمارها حتى اليوم، واستطاعت بيع الفكرة وان كانت غير منطقية وغير واقعية تمشياً مع الهدف الأمريكي والمبرر، وهو الهيمنة على النفط العراقي والذي يتعارض هذا الهدف مع أول مبادئ الديمقراطية في العراق. ثانياً: ضرب القوى السنية وهي القوى الأكثر خسارة في المدى القريب والوقت الحاضر من الاجتياح الأمريكي للعراق، وهذا يهدف الى اضعاف هذه القوة السياسية المشكلة من التكنوقراط والمدربين تدريباً جيداً على مستوى الادارة وعلى مستوى التدريب العسكري في مرحلة النظام السابق، ولذلك كان لابد من ضربها في الوقت الحاضر من أجل اضعافها حتى يتمكن التعامل معها في المستقبل، وأن تقبل بأي قليل يمكن يقدمه الحاكم الأمريكي في السفارة الأمريكية ببغداد لها، وهذا التوجه ما زال يحقق النجاح بعد الضرب الهائل للمدنيين وغيرهم في مدينة الفلوجة. وسوف يتم تأجيل الاستفادة من السنة العراقيين حين يبدأ تصفية الطموح الشيعي في العراق الذي يلتزم المهادنة والسياسة في الوقت الحاضر في العراق اليوم. ثالثاً: مهادنة القوى الشيعية في العراق من أجل كسب هذه القوى ولو مؤقتاً بجانب القوة الأمريكية حتى يتم تصفية القوة السنية واضعافها الى درجة أن لا تكون خطرة عندما يتم التعامل مع القوى الشيعية، فإن طموح القوة الشيعية سوف يزداد مع مطالبة بانتخابات سوف تكون المرجعية الشيعية هي الرابح القوي والوحيد في العراق، فإن الصدام في ذلك الوقت سوف يكون حتميا بين القوى الشيعية في العراق التي ترغب إدارة العراق وبين القوة الأمريكية التي طموحها الأول والأخير هو السيطرة والهيمنة على النفط العراقي. وبالتالي فإن الصراع الأمريكي الشيعي قادم وحتمي بعد تصفية القوى السنية، وسوف تقوم القوة السنية والكردية بالتفرج فقط على مسلسل ضرب الشيعة في العراق بعد اضعاف القوة السنية فيه وتفرد القوة الأمريكية في العراق. رابعاً: القوة الكردية وهي القوة التي سوف تكون عصا الولاياتالمتحدةالأمريكية العراقية لضرب العراق، وسوف تكون المبرر من ضمن حزمة مبررات لشرعية ضرب الولاياتالمتحدةالأمريكية للقوى العراقية الأخرى، وسوف يكون هدف الأكراد وهو التحالف مع هذه القوى الضاربة من أجل تحقيق استقلال ذاتي واسع في العراق في أسوأ الأحوال أو تحقيق استقلال كامل عن العراق مع نفط كركوك في الحالة الأفضل، أو استقلال كردستان العراق وضم المناطق الكردية في كل من تركيا وسوريا وايران في أحسن الأحوال حيث يذهب الحلم والخيال الكردي اليوم. إلا أن الأكراد سوف يكتشفون وبعد فوات الأوان أن الولاياتالمتحدةالأمريكية بسياستها المياكافيلية هي الغاية تبرر الوسيلة، أي أن هدف السيطرة على النفط العراقي هو هدف الأهداف وان كل ما سواه هو من أجل تحقيق هذا الهدف، وأن الدور الكردي استخدم من أجل ضرب السنة في العراق ومن أجل ضرب الشيعة في العراق ثم سوف يصبح الوضع الكردي أضعف بكثير مما هو عليه اليوم خصوصاً مع معارضة كبيرة من دول الجوار العراقي ذات الأقلية الكردية لأي طموح كردي، مما يدفع الحكومة الأمريكية الى الاجهاز وقتل الحلم الكردي في العراق من أجل السيطرة الكاملة على النفط العراقي ومن أجل اسكات القوى العراقية الأخرى والدول المجاورة للعراق والمعارضة للحلم والطموح الكردي. إن السياسة الأمريكية في العراق هي سياسة مياكافيلية (الغاية تبرر الوسيلة). والغاية هي السيطرة والهيمنة والاستحواذ على النفط العراقي، والوسيلة هي اضعاف القوى السياسية والطوائف العراقية المختلفة اليوم ضد السنة وغداً ضد الشيعة وبعده ضد الأكراد، من أجل اضعاف جميع الأطراف وفتح المجال لقوة أمريكية صغيرة تحكم العراق في السفارة الأمريكية في بغداد.