السيارة الملغومة التي أودت بحياة الزعيم الشيعي العراقي آية الله محمد باقر الحكيم ستثير اضطرابات بين الغالبية الشيعية في العراق، وستزيد تعثر الجهود الأميركية المترنحة لتحقيق الاستقرار في عراق ما بعد الحرب. ويبدو ذلك واضحاً على رغم انقسام الآراء حول الجهة التي تقف وراء الانفجار الذي أدى الى مقتل الحكيم و106 آخرين في مدينة النجف: هل هم الموالون للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين أم فصيل شيعي منافس أم نشطاء من السنة؟ واعتبر تعاون الحكيم مع الإدارة التي تقودها الولاياتالمتحدة من خلال مجلس الحكم الانتقالي الذي عينته، أمراً ضرورياً لانتقال ناجح إلى نظام مستقر في العراق. وسعى الحكيم الى تجنب الصدام مع القوات التي تحتل العراق والتي تقودها الولاياتالمتحدة، وسمح لشقيقه بأن يعمل من خلال مجلس الحكم الذي يضم 25 عضواً وشُكل في تموز يوليو الماضي. لكنه قال في حزيران يونيو الماضي إن الشيعة الذين يشكلون غالبية في العراق قد ينقلبون على قوات الاحتلال إذا لم يحصلوا على تعويض سياسي عن عقود تعرضوا خلالها للاضطهاد، ابان حكم صدام حسين. وأكد أن لا حاجة إلى أن يلجأ العراقيون في الوقت الحاضر إلى القوة لانهاء الاحتلال. وإلى جانب العدد المرتفع من القتلى، كان الهجوم صدمة للشيعة في انحاء العالم، لأنه وقع قرب مسجد الإمام علي الذي يحظى بمكانة خاصة لديهم. ولهذا السبب استبعد بعض المحللين أن تكون لأي فصيل شيعي يد في التفجير الذي وقع بعد صلاة الجمعة مباشرة. لكن آخرين يشيرون إلى أن حرمة المسجد انتهكت عندما طعن عبدالمجيد الخوئي، رجل الدين الشيعي المعتدل، حتى الموت في رحابه. وكان الخوئي الذي عاد من المنفى قبل مقتله مباشرة يسعى للمصالحة بين الفصائل الشيعية. وقال علي الانصاري، وهو خبير في الشؤون الايرانية في جامعة دارام البريطانية: "هناك احتمال خطير بأن ما ندخله هنا هو حرب أهلية شيعية شبيهة بما حدث في إيران بين 1979 و1980 عندما تسابقت الفصائل المتنافسة الى السلطة". والمنافس الرئيسي للحكيم هو مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي الشاب المتحمس، الذي يريد تحويل العراق الى دولة إسلامية. وعندما عاد الحكيم الى النجف في أيار مايو الماضي تحرك أنصار مقتدى الصدر بين الحشود وهم يرفعون صور رجل الدين الشيعي محمد صادق الصدر والد مقتدى الذي اغتيل في 1999. وقال الشيخ عدنان الشهماني، وهو أحد الناطقين باسم جماعة مقتدى الصدر، إن الذين عاشوا في رفاهية في الخارج لا يمكن ان يكونوا ممثلين حقيقيين. واضاف ان هذا ينطبق على جميع العراقيين الذين عاشوا في المنفى. واتخذ الصدر موقفاً معادياً للأميركيين أكثر تشدداً من الموقف الذي تبناه الحكيم، الذي اعتبر معتدلاً على رغم التأييد الذي يناله "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية" من ايران. واعتبر مصطفى علاني، وهو خبير عراقي في المعهد الملكي للدراسات الدفاعية في لندن، ان "الحكيم لم يكن يمثل في الواقع نفوذاً ايرانياً قوياً… وأضفى قدراً من الاعتدال على آرائه وأصبح عراقياً وعربياً بوضوح وليس موالياً لإيران". وأبدى اعتقاده بأن اغتياله جزء من صراع داخلي بين الشيعة. واضاف: "هناك فراغ سلطة على مستوى القيادة السياسية والدينية للشيعة. وهذا وقت حيوي لتحديد من القادر على ان يطرح نفسه باعتباره الممثل الأقوى للشيعة". وقال علاني إن اغتيال الحكيم ربما كان مرتبطاً بتحقيق في مقتل الخوئي، مشيراً إلى اعتقال 12 شخصاً ضمن التحقيق على مدى الأيام الخمسة الأخيرة. وألقى مؤيدو "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية" مسؤولية هجوم وقع الاحد الماضي واصيب فيه آية الله محمد سعيد الحكيم، عم باقر الحكيم، بجروح طفيفة وقتل ثلاثة من حراسه على اتباع مقتدى الصدر. لكن جماعة الصدر نفت المسؤولية عن الهجوم. لكن بعض المحللين قالوا إن شخصاً مثل الصدر يشغل موقعاً قيادياً بالفعل، لن يستفيد كثيراً من تصعيد غضب قد يعرض اتباعه لعزلة متزايدة. وقال توبي دودج: "من السابق لأوانه الحكم، لكن الأكثر ترجيحاً انهم فلول النظام القديم وعراقيون". ومضى يقول: "انها ضربة لجهود التحالف لتشجيع الشيعة المعتدلين… فالاثنان المؤثران الخوئي والحكيم قتلا... كما انه تحذير مؤلم وعلني لجميع العراقيين الذين يرتبطون بسلطة التحالف الموقتة التي تقودها الولاياتالمتحدة ومحاولة لتأجيج التوترات الطائفية". وقال دودج إن من نفذ التفجير الذي قتل الحكيم ربما كان هو الذي قام بنسف سفارة الأردن ومقر الاممالمتحدة في بغداد في وقت سابق من هذا الشهر. ويتولى مسؤولية الأمن في النجف، التي تقع جنوببغداد والمقر الرئيسي لرجال الدين الشيعة، في أيدي سلطات محلية وليس في يد القوات الاميركية التي انسحبت من المدينة في أيار الماضي. وقال علاني إن تفجير سيارة يبرز مدى انهيار الأمن والنظام في العراق بعد الحرب. واضاف: "العراق بلد يغيب عنه القانون الان. فالأميركيون مشغولون بحماية أنفسهم لا الشعب العراقي والشرطة التي عينوها لا تستطيع القيام بالمهمة".