يقام في المتحف الوطني بمملكة البحرين المعرض السنوي للفنون التشكيلية في دورته الثانية والثلاثين، بمشاركة عدد كبير من فناني البحرين بمختلف توجهاتهم الفنية رسم وتصوير وحفر ونحت وأعمال مركبة، وغيرها، يمثل هؤلاء أجيالاً عدة ابتداء برواد عبدالكريم العريض، راشد العريفي، فعبدالكريم البوسطة وناصر اليوسف وعباس المحروس ثم عباس الموسوي وشفيقة الهرمي ومحمد خميس المقهوي وبلقيس فخرو وأحمد عنان الى وحيدة مال الله وخالد فرحان الى غيرها من الأسماء. يعتبر هذا المعرض السنوي من أقدم المعارض المنتظمة التي تشهدها دول مجلس التعاون الخليجي، أُقيمت دورته الأولى عام 1972، وذلك بعد عام من قيام جمعية البحرين للفن المعاصر. في دورته الأولى حصل على الجوائز الأولى راشد العريفي وحسين السني، ولا يزال المعرض يمنح جوائز لأعمال الفنانين المتقدمة من وجهة نظر لجنة تحكيم مُختارة. شهد المعرض تطوراً في الأعوام الأخيرة، فبعد أن شاركت فنانة تشكيلية واحدة هي صفية سوار 1954 في دورته عام 1979 بين 37 رساماً تنامى عدد المشاركات ليصل الى 75 رسامة في دورة عام 1994، شاركن بين أكثر من مائتي اسم من فناني البحرين، وفنانين مقيمين فيها من جنسيات مختلفة، وآخرين من المملكة العربية السعودية. لكن هذا العدد الكبير نسبياً مقابل مستوىً متباين بُدئ في تحديد لجان اختيار للأعمال وللأسماء منذ 1996 وأوقعت هذه اللجان الفارزة إشكالات بحيث ان اسماً مثل عبدالكريم العريض رفضت أعماله في تلك الدورة، وربما غيره أيضاً، لتوضع آلية عمل أخرى في الدورة الأخيرة بحيث يتم عرض أعمال خارج التحكيم، وبالفعل تمّ ذلك وطُبّق على أعمال العريض وراشد العريفي وعبدالكريم البوسطة، وهؤلاء من الأسماء التي حرصت على الحضور في مثل هذا المعرض في معظم دوراته حتى مع التقييد بالفرز. تكوّنت لجنة الفرز للدورة الأخيرة من بلقيس فخرو البحرين وطلال معلا سورية، ومحمد العامري الأردن، أما لجنة التحكيم فتشكلت من الشيخ الفنان راشد آل خليفة البحرين والأميرة الفنانة وجدان علي الأردن، والفنان اللبناني صالح بركات، ومنحت مهدي البناي جائزة المعرض الكبرى الدانة ومُنح أربعة آخرون جوائز تقديرية جعفر العريبي ومنيرة الجلاهمة وخالد فرحان وعبد علي الحداد. وأُتيحت لبعض الأسماء الشابة فرصة العرض ولو بعمل فني واحد تشجيعاً - على ما يبدو - لكنه تشجيع يقابل رفض أعمال لفنانين أكثر خبرة وفنية، فنجد عملاً واحداً لعباس الموسوي 1952 وهو من جيل الفنانين الثاني، ويثير مثل إبعاد بعض أعماله المقدمة سؤالاً، هل هو المستوى الفني؟ كما هي أعمال آخرين أيضاً. جاء عرض الأعمال الفنية في حيز أضيق من العروض السابقة الأكثر متنفساً بخاصة مع وجود مساحة كبيرة، هي مدخل متحف البحرين الوطني الذي اعتيد أن يُقام فيه هذا المعرض منذ أعوام فلم تجد بعض الأعمال مساحة رؤية كافية خصوصاً بعض اللوحات الكبيرة، ومع ذلك فقد عبّر المعرض عن حيوية حركة الفن التشكيلي بمملكة البحرين وتجدد تجارب بعض فنانيها من الشباب. تتنوع توجهات هذا المعرض بين محاولات التجريب والبحث في خامات جديدة أو مختلفة، اضافة الى أعمال النحت والخزف أو التصوير أو الكرافيك التي اعتيد على تقديمها. جائزة الدانة ذهبت هذه الدورة الى تجربة شابة بعد أن تحصّل عليها في دورات سابقة أمثال ناصر اليوسف وعبدالرحيم شريف وأحمد باقر وابراهيم بوسعد... وبلقيس فخرو، وبدت أعمال مهدي البناي ذات نزوع انساني فيه النحت والتلوين وان بدا زهيداً إلا بما يحقق الفكرة حالة انسانية تذهب بنا الى حيث المجاعة والحروب والكوارث. يتكون عمل البناي من ثلاثة مقاطع، المقطع الواحد يتكون هو الآخر من مجموعة أجزاء، استلهمت الحالة الإنسانية الراهنة بعلاقات بسيطة بين الوجوه، وبين ثمار معلّقة أمامها، رمزية فكرة، وتعبيرية تناول، ودعوة الى العيش باطمئنان وسلام. تلاقت أعمال بعض المشاركين من الفنانين والفنانات من خلال حلولهم لمساحات توحي بمكان، أو أثر، وهذا ما نلمسه في أعمال بلقيس فخرو، وعباس الموسوي، ولبنى الأمين، ومحمد خميس المقهوي ومريم فخرو ونبيلة الخيّر ووجدان المناعي، مع اختلاف واضح بين خبرات كل منهم، وكذا اختلاف المعالجات والمساحات، والملاحظ بين بعض هؤلاء التخلي عن أساليب أو صيغ لمصلحة هذا التوجه الجديد الذي تواصله وفق علاقات واضحة بلقيس فخرو التي تنشئ لوحتها على هيئة مساحية توحي بالمدينة العربية وبيوتاتها في تلخيص تتكثف معه معالجاتها اللونية للإحساس بدفء المكان وحميميته، وتقيم لبنى الأمين فكرتها على معطيات قطع الخشب وتضاريسها، والتي تطورت لديها من مقاطع لأبواب شعبية قديمة الى تشكيل جديد لها، وبخامة خشبية حديثة ذات إيحاء قديم، وتحقق أعمال هذه الفنانة اختلافها من خلال التكريس المتواصل لهذه التجربة، واغنائها بتلوينات بدت أكثر جرأة وهي التي تتجه الى ما هو صريح أو مباشر منها. حافظ الفنان ابراهيم أبو سعد 1954 على مسحة السكون التي تطبع شخصيات لوحته، هدوء وسكون تنتقل معه العين من طرف الى آخر، من جزء الى جزء، في لوحته يوزع أيادي أو ملامح أجزاء جسم بشري على خلفية تلوينات صريحة، وتدريجات لونية خافتة تصل الى المضيء أحياناً والمثير أحياناً أخرى، ويوظف خطوطاً سود لتأكيد فكرته التي تتحدد سلفاً وتأخذ هيئتها النهائية وهو يشتغل على عمله الفني، ويقترب من منطقة ابراهيم أبو سعد فنان آخر هو بديع أحمد الشيخ أبو بشيث الذي يتجه الى ذات التلوينات والحلول المساحية بأكثر هندسية عند الأخير، وتقدم لوحة عباس المحروس 1943 هيئات شعبية، وهو يرسم النساء مقتربة حلوله ومعالجاته من أعمال العراقي الراحل اسماعيل الشيخلي باختلاف الفضاءات المفتوحة، والعنصر المكرر عند الشيخلي والخلفية المحدودة بوحدات أو عناصر مبهمة أحياناً عند المحروس ويبرز التوجه باستلهام الوجه الإنساني عند بعض الفنانين عبدالرحيم شريف 1954 وهو الذي طرحها مبكراً وفق صيغة تدميرية لعلها أقرب الى أعمال بعض الأميركيين فاتجه قريباً من ذلك فيما بعد جعفر العريبي ومحمد علي المهدي، وهنا اقتراب أيضاً من العراقي علي طالب الذي خفّت في تناولاته الأخيرة للوجوه حالة التأكيد على ملامحها وأمكنتها. لعل هذه الوجوه أقل تأزماً وتدميرية، وأكثر تحديداً للملامح عند العريبي، بينما نجدها أكثر تعبيرية لونية عند المهدي، ويتجه جمال عبدالرحيم في أعماله الكرافيك الى استعارات خاصة من أعمال فنانين أوروبيين مشهورين، وهو ما وجدناه في أعمال معرضه الذي يتزامن مع المعرض السنوي ويقيمه في صالة جمعية البحرين للفنون التشكيلية، يقدم عبدالرحيم في هذا المعرض أعمالاً لوجوه بدت تقنياتها مختلفة عن أعمال الحفر مؤكداً على حالة التعبير من خلال الضربات السريعة لفرشاته العريضة والمنفعلة لكنه أيضاً يستعير بعض الهيئات أو الشخصيات الشهيرة من بعض أعمال فناني عصر النهضة الأوروبية، أو غيرهم ليحقق عملاً جديداً تختلف معالجاته وحلوله اللونية عن وجوه مطبوعة بالسكون. وتتواصل تجارب عدنان الأحمد 1960 وهو يبني علاقات لوحته بهيئات شخوصه التي تتطاول وتتحقق بتلويناته بتقنية التدرج اللوني معنىً رمزياً يبدو مباشراً في معظم أعماله. أما ناصر اليوسف 1940 فيعمق طباعياته باللاينو مؤكداً في احدى لوحتيه على ترديد حركي من خلال نغمية خطية كحركة الصوت أو مجال النظر، ألوانه محدودة مكتفياً بالأسود والأبيض والبني، هذا التوجه الكرافيكي الذي غاب عنه في هذا المعرض اثنان من أنشط الحفارين البحرينيين وهما عبدالجبار الغضبان وعباس يوسف يواصله علي خميس من خلال محفوراته الخشبية التي يطبعها بما يحقق ملمس أو تضاريس مغايرة مع اكتفاء بمعطيات الأسود والأبيض، والدرجات المتعددة في ما بينهما، بالمقابل تحافظ أعمال علي مبارك على حلولها البسيطة وعلاقة العفوي بالهندسي، ولكن وفق مساحات طولية جديدة في تجربته الكرافيكية. تبرز في المعرض أعمال الخزف والنحت ويشارك عدد من الفنانين البحرينيين والعرب والأجانب في سمبوزيوم البحرين الأول للنحت، مثل طاهر حكمائي من ايران وعبدالكريم الوزاني من المغرب وجميل ملاعب من لبنان وعلي جبار من العراق وغيرهم من السويد وفرنسا ومصر وسلطنة عمان، من بين أعمال المعرض خزفيات محسن التيتون المستوحاة من الأبواب والنوافذ الشعبية وأعمال سلمان التيتون ورملة المدحوب، ويضع خليل الهاشمي المشاهد في حالة انشغال بفكرة عمله، فالإنسان في معظم أعمال هذا النحات مُحَيّراً وتائِهاً، لا يصل الى حل لأنه دائماً أمام لغز صعب، وتقدم استطالات خالد فرحان رهافة حس هذا الفنان فتكتسب منحوتته اختلافها ولغتها من خلال الانعطافات الرقيقة وأناته في معالجتها، على أن عبد علي حسن الحداد يُقدّم توظيفاً جديداً وحلولاً رمزية من خلال خاماته النحتية المتضاربة أحياناً. فنانون آخرون تتمثل في أعمالهم استمرار أساليبهم وصيغهم مثل أحمد باقر وشفيقة الهرمي وعلي المحميد وعمر الراشد وخالد الطهمازي، بينما قدّم أحمد عنان ومنيرة الجلاهمة وعلي الكوفي أعمالاً مغايرة لتناولاتهم السابقة فيتوجه عنان الى الاستيحاء من الرسوم العربية الشعبية وتتناول الجلاهمة فكرة أقرب الى المفاهيمية بينما تضمن المعرض أعمالاً ليوسف البناء وفجر آل خليفة وأحمد العبيدلي وفاطمة آل خليفة، ويلاحظ غياب عدد من الفنانين المعروفين والذين يحضر بعضهم على نحو متفرق في مثل هذه التظاهرة التشكيلية السنوية الهامة مثل الرائد عبداللّه المحرقي وهلا الخليفة وهشام زباري واسحاق الكوهجي وأنس الشيخ وعبدالإله عرب واسحق خنجي وأحمد العريفي وعبد الرسول الغائب وأصغر اسماعيل والشيخ راشد آل خليفة الذي يشارك في دورات المعرض السنوي خارج التحكيم، ويمنحه جهداً كبيراً لإنجاحه.