منذ انشاء الفرقة السمفونية العراقية عام 1959، لم تحظ بهذا القدر من التقدير والاهتمام داخل العراق وخارجه. فقد عزفت أخيراً في قلعة "جون كنيدي للفنون الموسيقية والمسرحية" في واشنطن، بحضور الرئيس بوش ووزير الدفاع رامسفيلد ومسؤولة الامن القومي كوندوليزا رايس ووزير الخارجية كولن باول... وغيرهم من مسؤولي الادارة الاميركية. وبعد العزلة والحصار اللذين طالا، سافرت الفرقة لتقدم حفلتها الأولى في الولاياتالمتحدة. وكان بعض اعضاء الفرقة السمفونية الوطنية العراقية هاجر إلى دول مثل استراليا وكندا والمانيا والسويد وفرنسا، هرباً من اضطهاد النظام السابق... ويمثل عازفو الفرقة مختلف الفئات القومية والدينية التي يتكون منها الشعب العراقي. وأعلن سعد الدجيلي عازف الناي في الفرقة، أن مشاركته وزملاءه في حفلة أميركا هدفه اظهار الوجه الحقيقي للعراق، بلد الثقافة والموسيقى والحضارة. وقال رئيس الفرقة هشام شرف إنه يشهد تحقق حلم جميل، "ان تتاح لنا فرصة المساهمة في اغناء الموسيقى العالمية". واضاف أن اعضاء الفرقة شعروا بالفخر من هذا الاستقبال الحافل لهم على اعلى المستويات. واعتبرت الصحافة الأميركية الاحتفال، مبادرة "من اجل السلام والأمل من اجل المستقبل للعراق والعراقيين". ولم يكن الطريق إلى واشنطن سهلاً للفرقة، فبعد ان اعلن عن زيارتها إلى واشنطن تعرض مديرها إلى محاولة اغتيال أمام داره، كما تعرضت آلات الفرقة الموسيقية لتخريب متعمد، ما دفع إلى التفكير بالغاء الجولة. كما تعرض عمر عبدالرزاق عازف التشيللو فيها إلى اصابة بالغة عندما تعرض مركز الاممالمتحدة في بغداد إلى تفجير ارهابي. وفي حديث ل"الحياة"، نسب اعضاء الفرقة الاعمال الارهابية في حقّهم الى بعض عملاء النظام السابق الذين فقدوا امتيازاتهم، ولا يريدون ان يحظى موسيقيو العراق بأي نوع من التكريم. وتجدر الاشارة الى أن زيارة الفرقة السمفونية العراقية، نظمتها وزارة الخارجية الاميركية، بالتعاون مع "مركز كنيدي للفنون الموسيقية والمسرحية"، بعد زيارة لبغداد قام بها مدير المركز مايكل قيصر والفيراس باتريشيا هاريسون، وزيرة التعليم والثقافة الاميركية، من اجل المساهمة في إعادة بناء المراكز الثقافية العراقية... وبعد لقائهم اعضاء الفرقة وسماع ادائها اتفقوا على تفعيل برنامج التبادل الثقافي بين العراقوالولاياتالمتحدة... ووجهت الدعوة الى الفرقة في هذا السياق. وأكد أعضاؤها أنهم جاءوا ب"رسالة من أرض الحضارة" يريدون إيصالها الى العالم... وقبل السفر إلى واشنطن كانت آخر رحلة قامت بها إلى الخارج للعزف في الأردن في عام 1992. وبعد حفلتها الاولى في شهر حزيران يونيو الماضي بعد سقوط نظام صدام حسين، قدمت عروضاً في شمال العراق. واعتبر مدير الفرقة، هشام شرف، حضور الفرقة إلى الولاياتالمتحدة مهمة تعريف بالوجه الحقيقي للعراق. وقال: "لدينا ثقافة عريقة وليس مجرد جمال وصحراء". ورأى عضو الفرقة سعد الدجيلي، عازف آلة الفلوت، أن العروض التي تقدمها الفرقة "تنطوي على أهمية كبيرة من حيث اطلاع الآخرين على القدرات الحقيقة التي يملكها العراق". بينما أكد أحد مؤسسي الفرقة عازف الكمان، منذر جميل حافظ، ان مهمة الفرقة في هذه الحفلة كان عرض الثقافة الموسيقية في العراق خارج البلدان العربية. ولخص رئيس الفرقة هشام شريف المصاعب التي كانت تعانيها الفرقة، إبان سنوات الحصار، بعدم قدرتها "حتى على شراء آلات موسيقية أو كتب تتعلق بالموسيقى". وآخر تلك المصاعب كان تعرض مسرح الرشيد الذي تمارس الفرقة نشاطها فيه، للتدمير والنهب. وقال إن همه الاول في الوقت الحاضر هو الجانب الامني للفرقة واعضائها. واشار الى "المساعدة الاميركية السخية التي منها 780 كتاباً موسيقياً ذات قيمة عالية اهديت لنا من الفرقة السمفونية لولاية دالاس، وهي منتقاة من اهم المكتبات الموسيقية العالمية... اضافة إلى الآلات الموسيقية التي قدمت الينا. وهناك جانب مهم هو ما قدمه مركز كنيدي لنا كدورة تدريبية للتعرف على اساليب الادارة الموسيقية". واضاف انه سيعمل على عودة اعضاء الفرقة الذين غادروا العراق "للمساهمة مع الباقين في إعادة كنز حضاري عراقي إلى سابق تألقه". وتابع قائلاً انه التقى في بغداد ممثلين لمنظمتي اليونسكو واليونسيف، وكذلك السفير السويسري في بغداد، وقدم لهم قائمة باحتياجات الفرقة ومدرسة الموسيقى والباليه العراقية. وأكد قائد الفرقة السمفونية العراقية محمد امين عزام هذا النهج، في تصريح ل"الحياة". ومحمد امين عزام ولد في بغداد عام 1961، ودرس قيادة الفرق الموسيقية في بوخارست، وحاز جوائز عدة. وبعد عودته إلى بغداد العام 1985 عين استاذاً في معهد الفنون الجميلة، وعضواً خارجياً في الفرقة السمفونية الوطنيه العراقية. والتحق بها في العام 1989 كقائد اول لها، لكنه ترك العراق إلى السويد العام 2002. وقال عزام إن الماضي الذي عاشته الفرقة لا ينفصل عن الحياة التي عاشها العراقيون في ظل النظام السابق، و"الحصار الذي عانيناه أدى الى عدم وجود أي مصدر لتعزيز امكاناتها من الآلات والمصادر الموسيقية وكذلك تردي الرواتب إلى درجة لم يستطع اعضاؤها معها العيش بكرامة... اضافة الى الضغوط النفسية للاجهزة الامنية، ما دفع الكثيرين من الأعضاء الى ترك العراق والهجرة".