نشرت الصحافية ناجية الحصري مقالاً "الحياة" في 3/1 عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، استندت فيه الى كراس اصدرته المؤسسة، في مناسبة مرور 40 سنة على إنشائها، وإلى مقابلة اجرتها معي، بصفتي مدير المؤسسة في بيروت. وقد تضمن المقال، في بعض الصياغات اللفظية وبعض المضمون، ما لا يعبر عن رأيي او عن اسلوبي في الكلام او الكتابة، سواء وضع - في المقال - ضمن اقواس ام لم يوضع كانت الكاتبة تسجل ملاحظات باليد من دون جهاز تسجيل. فمن الأبواب الحديد المتواضعة لمبنى المؤسسة في فردان استوحت الكاتبة ان المؤسسة في "عزلة"، وأن وجودها كمؤسسة ابحاث في فردان متناقض مع طبيعة الشارع، كمركز تسوق للطبقة الميسورة! وتابعت الكاتبة مسار "العزلة". فإذا بالمؤسسة "محاصرة من العرب"، ومن "صنمية الخطاب داخل الهيئة الإدارية". اما لماذا "يحاصر" العرب المؤسسة، فهو امر غير مفهوم. وأما "صنمية الهيئة الإدارية" فإن الكلمات الثلاث هذه لم ترد في الحديث على الإطلاق. هذا فضلاً عن سؤال محيّر: كيف تكون هيئة ادارية لمؤسسة ابحاث صنمية؟ ومضت الكاتبة مستطردة: ان امسية الشاعر محمود درويش بدت للبعض "إحراجاً للمؤسسة... خشية ادخالها في ازقة الزمن السائد". وربما جاء هذا من القول: ان هذه اول مرة تقيم المؤسسة مناسبة علنية جماهيرية. وتقويمنا الأكيد في المؤسسة ان امسية الشاعر محمود درويش كانت ايجابية جداً للمؤسسة وهل يمكن ان تكون امسية لمحمود درويش غير ذلك، بالمطلق؟. وكذلك كان ايجابياً ان يصنع المؤسسون وهم من هم مؤسسة على مثالهم. وهذا ما حدث فعلاً، في التزام المؤسسة المبادئ والأسس البحثية والسلوكية التي ارسيت زمن التأسيس، طوال اربعين عاماً من مسيرتها. وهذا امر مختلف عن ضرورة ادخال عناصر شابة الى مجلس الأمناء. كما ان الاستغراق في التاريخ، وضرورة تنمية الأبحاث المستقبلية، امر ثالث. وقد خلطت الكاتبة هذه الأمور كلها في جملة واحدة مشوشة ومشوهة. فمثلاً: استقطبت المؤسسة المؤرخين الفلسطينيين الشباب، لكتابة دراسات تاريخية قيمة جداً تسد فراغاً في كتابة تاريخ فلسطين الحديث نور مصالحة، خليل عثامنة، بشارة دوماني، يزيد صايغ، سحر هنيدي، مي صيقلي الخ. فكيف تكون هيكليتها وتقاليدها "الراسخة" تشكل عقبات امام انضمام باحثين من الجيل الشاب؟ واستمرت الكاتبة في "شطحات" استنتاجية مثيرة للاستغراب، اذ ثمة "صوت آخر" بدأ "يتعالى" في المؤسسة منبهاً من ان "البقاء في السياق نفسه يؤدي بالمؤسسة الى الاحتضار"، وكأن مؤسسة ابحاث هي حزب او تنظيم سري فيه موالاة ومعارضة؟ ثم تنتهي الكاتبة الى الاستنتاج الأغرب: يزداد تدني عدد المتمولين المتبرعين، خوفاً من اعتبار ان اموالهم تذهب الى مؤسسة "ترعى الإرهاب". فكيف يستقيم هذا الكلام مع كل ما قرأت الكاتبة في الكراس، وسمعت مني، وهو ان للمؤسسة مكتباً في واشنطن مرخصاً له رسمياً، ويصدر مجلة بالإنكليزية منذ ثلاثة عقود مجلة اكاديمية معروفة جداً وليس نشرة سرية!، تطبعها وتوزعها جامعة كاليفورنيا، وتصدر سلسلة كتب تحمل على غلافها اسمي جامعة كولومبيا في نيويورك ومؤسسة الدراسات الفلسطينية في واشنطن. كما ان للمؤسسة مكتباً في باريس يصدر مجلة بالفرنسية، منذ نحو ربع قرن، توزعها دار نشر "مينوي"، المعروفة كإحدى اهم دور النشر الفرنسية. وتنشر المؤسسة، مع جامعات غربية اخرى مثل جامعة اكسفورد في بريطانيا، الخ. فمن اين يمكن ان تجاور تهمة "الإرهاب" مثل هذه المؤسسة؟ لقد قدمت السيدة الحصري، مشكورة، عرضاً تعريفياً بالمؤسسة. ولا اشك في حسن نواياها. لكنها، ربما لأنها لم تعتمد على جهاز تسجيل، بل على الاستماع والتدوين باليد في الوقت نفسه، اضافة، ربما الى انني لم أتوقف لشرح امور اعتبرتها واضحة في الكراس، او اختصرتها بشكل يترك مجالاً ل"الاجتهاد" في التفسير، أوقع مقالها في اخطاء قللت جداً من الفائدة المتوخاة منه. محمود سويد مدير مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت