سلسلة متكاملة من المؤسسات الاجتماعية والتربوية والطبية، هي المعادلة التي تقوم عليها سياسات الأحزاب الإسلامية في لبنان، ك"الجماعة الإسلامية" و"جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" و"حزب الله"، لجذب الشباب للانضمام تحت لوائها. وإذا كانت لكل حزب لغة خاصة يتوجه بها الى الشباب لجذبهم، فإن جزءاً من هذه اللغة هو انشطة متنوعة تدخل في السلوك اليومي للشباب وتشغل اوقات راحتهم وفراغهم من اجل إكمال الصورة المثالية او النموذجية التي تبتغيها الأحزاب عبر مناصريها. خدمة الدين الإسلامي هي القاسم المشترك بين شباب الأحزاب الثلاثة، اما ترجمة هذا الهدف فتختلف من فئة الى أخرى. ربيع دندشلي 21 عاماً، جماعة اسلامية وممدوح الطبشي 21 عاماً جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية وحمزة حلباوي 21 عاماً، مؤيد لحزب الله، يجمعهم حب الدين الإسلامي و"يفرقهم" تعدد المذاهب. تعرّف كل منهم على هذا العالم بطريقة مختلفة. تربى كل من حمزة وممدوح على حب الجهة التي ينتمي إليها منذ نعومة اظفاره، فكان التزام الأهل الديني سبباً لإلتزامهم في ما بعد. اما ربيع فتربى في بيت يؤيد خطين سياسيين متباينين هما الخط الملتزم أفكار الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، والخط المحازب لرئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري. فما كان منه إلا ان راح يبحث بنفسه عن الخط الذي يرضيه في الدنيا والآخرة كما يقول، فكان تردده على المساجد في ايام شهر رمضان، منذ ان كان في السادسة عشرة من عمره، سبباً في التعرف على معظم التيارات الإسلامية السياسية، بدءاً ب"جمعية الاتحاد" للشيح حسن قاطرجي، ثم مذهب الشيخ امين الكردي، ثم اتباعه المذهب الصوفي لفترة من الزمن، الى ان جمعته الصدفة بأحد شيوخ "الجماعة الإسلامية" الذي عرّفه على مركز "أهل الدعوة" التابع للجماعة. وربيع الآن عضو في نادي شباب المساجد التابع للمركز. ولكن كيف يوزع هؤلاء الشباب اوقات فراغهم لخدمة عقيدتهم؟ يقضي ممدوح وقت فراغه سواء في فصل الصيف ام خلال العام الدراسي، بالتطوع لإعطاء دروس في اللغات الأجنبية، او دروس التقوية في المواد الأساسية التي تنظمها جمعية المشاريع للطلاب التابعين لها في مختلف المراحل، اضافة الى التنظيم والمشاركة في مناسبات ومخيمات شبابية تقيمها الجمعية. الى جانب ذلك، يحرص ممدوح على التمرن على لعبة الشطرنج التي يهواها للمشاركة في البطولات التي تقام باسم الجمعية ايضاً. اما هوايته الشخصية بعيداً من نشاطات الجمعية، فهي "وصل صلة الرحم" انسجاماً مع الدين، ومطالعة الكتب الدينية، ومساعدة والدته في اعمالها المنزلية تلبية لوصية الإسلام بضرورة البر بالوالدين. خدمة الإسلام عند حمزة تتم بطريقة مختلفة، فالمشاركة في نشاطات حزبية وتنظيمها مقتصرة لديه على أيام الجامعة، بسبب انشغاله في فصل الصيف في العمل، لكنه يعوّض عن ذلك خلال العام الدراسي عبر نشاطات يهدف من خلالها الى ايصال صورة ايجابية عن الدين الإسلامي كما يقول، إذ يترأس حالياً نادي حقوق الإنسان في الجامعة اللبنانية - الأميركية، كي يجد منبراً للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني والعراقي ويوضّح موقف الإسلام من حقوق الإنسان والمرأة والطفل. يقول: "غالباً ما يفاجأ رفاقي حين احدثهم عن ايجابيات الإسلام، والحقيقة ان اقتناعي بصوابية خطي زادت، خصوصاً بعد اختلاطي بأشخاص من اديان ومذاهب اخرى وتعرفي على أحكام دينهم". ولا تقتصر محاولات حمزة إظهار ايجابيات الإسلام على رفاقه فقط، بل تطاول اساتذته ايضاً، فأي نظرية تُشرح في الصف، لها من جانبه شرح عن موقف الإسلام في الموضوع ذاته. ولإظهار مدى انفتاح الإسلام، تطوع حمزة اخيراً في "جمعية خدمات التطوع" علماً ان إحدى مؤسسات هذه الجمعية هي سيدة اميركية، كما يقول. ويشترك حمزة وربيع في حب وممارسة الرياضة ككرة السلة والسباحة في اندية رياضية إسلامية، وكذلك في حب الإنترنت والدردشة مع الغير... ولكن ضمن اصول الإسلام، كما يقول ربيع الذي يزور موقع "عز الدين القسام" لمتابعة اخبار القضية الفلسطينية من مصدرها الرئيس، وموقع الإخوان المسلمين، كما يحب قراءة الروايات البوليسية. اما السينما فيزورها في المناسبات بناء لرغبة خطيبته وغالباً ما يفضل الأفلام الكوميدية. اما قراءات حمزة فهي بحسب الحاجة الى معرفة معلومات حول امور فقهية او علمية، لكنه لا يجد مانعاً من الترفيه عن نفسه بالذهاب مع رفاقه الى مقهى او مطعم معروف بأجوائه الملتزمة، لشرب النرجيلة او تناول الطعام، وكذلك لممارسة هوايته المفضلة وهي ركوب الخيل. تربى ممدوح في اجواء محافظة جعلته غير هاوٍ للسينما او التلفزيون او الذهاب الى شاطئ البحر كما هي حال معظم الشباب، وتقتصر مشاهدته للتلفزيون على البرامج الدينية والثقافية كما يقول، لكنه في الوقت نفسه يحب الشعر الوجداني وله محاولات عدة في هذا المجال. المحافظة على المظهر الإسلامي همّ يجمع الثلاثة، إذ لا يهتم ممدوح بمتابعة الموضة، في حين ان ربيع يفضل ان ترتدي خطيبته ثياباً فضفاضة جداً وذلك غيرة عليها، اما حمزة فهو يفضّل الألوان الفرحة وخصوصاً الأبيض. ترجمة الأخلاق الإسلامية بالنسبة إليهم، تكون بالهدوء والبشاشة في التعامل مع الآخرين، ومعاشرة اشخاص محترمين بعيدين من الشبهات من اي جهة او طائفة كانوا. القاعدة الأولى عند الفتيات الملتزمات لخدمة عقيدتهن الدينية في اوقات الفراغ هي "عدم الاختلاط بين الجنسين، تطبيقاً للشريعة الإسلامية"، كما تقول هدى طقوش 21 عاماً - جماعة اسلامية وبالتالي فهي لا تعترف بالصداقة بين شاب وفتاة. اما اوقات فراغها فتستهلكها لخدمة الجماعة، إما عبر المشاركة في نشاطات رابطة الطلاب المسلمين او عبر العبادة الجماعية وقراءة القرآن "التي تعطي المزيد من الروحانية والخشوع". لا تحب هدى الكومبيوتر او الإنترنت وكذلك الأمر بالنسبة للتلفاز او السينما، ونادرة هي المرات التي تشاهد فيها البرامج التلفزيونية غير الهادفة، لأنه برأيها نوع من الهدر للوقت يمكن استغلاله في العبادة او الاهتمام بذوي القربى وغير ذلك من التعاليم والوصايا. في الصيف تذهب هدى الى المسبح الخاص بالنساء ضمن الرحلات الترفيهية التي تنظمها الرابطة، لكنها لا ترتدي لباس البحر حتى امام النساء. عند مايا حلباوي الهيئة النسائية - حزب الله الأمر مختلف، فأوقات فراغها، خارج الوقت الذي تخصصه لنشاطات الهيئة، هي الذهاب الى المسابح الخاصة بالنساء، وممارسة رياضة ركوب الدراجة على كورنيش المنارة او في الوسط التجاري، والذهاب الى السينما، هذا اضافة الى نشاطات خاصة بالهيئة النسائية إذ تعطي فتيات في عمر المراهقة دروساً ونصائح طبية واجتماعية وذلك تماشياً مع تخصصها في الصيدلة. مايا التي ارتدت الحجاب منذ سنوات قليلة، غيّرت الكثير في أسلوب عيشها وتسليتها، كما تقول، فرفاقها القدامى تغيروا لأنهم لم يعودوا ينسجمون مع افكارها، اما الجزء الآخر من رفاقها القدامى فبات حريصاً اثناء وجودها على عدم التحدث عن الأمور الشخصية عن احد ما، كي لا يقع في محرمات الغيبة، كما انها لم تعد تدخل مطعماً او مقهى يقدم مشروبات روحية، في حين ان قراءاتها ظلت لدانييل ستيل وروائيات اخريات وزادت عليها الكتب الدينية. وتربت زينة وازن 22 عاماً - جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية منذ الصغر على حب الجمعية التي تعلمت في مدارسها. وتصف زينة مبادئ الجمعية بأنها وسطية ومعتدلة، وهذاالاعتدال تحاول تطبيقه في اوقات فراغها، فتشارك في الدورات التي تقيمها الجمعية الخاصة بالفتيات تعلّم الخياطة والتطريز وصناعة الحرف والأشغال اليدوية، اضافة الى دورات تعلم اللغة. حب زينة للرياضة يجعلها من المداومين على الانتساب الى نادي الجمعية لممارسة رياضة الأيروبيك لكنها لا تحب الذهاب الى البحر او السينما، وتفضل شغل وقت فراغها في العبادة وقراءة الكتب الدينية والقيام بأبحاث حول دروسها، اضافة الى القيام بواجباتها في الأعمال المنزلية.