سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الجيش معني" بمبادرته لوقف العنف ... ولا يقف مع بوتفليقة ضد خصومه ... والمذابح "القاتل فيها هو الذي يتهم المقتول بالجريمة". مدني ل"الحياة": الشعب لن يكرر شهادة الزور على نفسه ... والجزائر مهددة ب "استعمار جديد"
"أترك الحكم للتاريخ"... قالها لي وزير الدفاع الجزائري السابق الجنرال خالد نزار عندما سألته قبل سنوات عن مسؤوليته في الوضع الذي آلت اليه البلاد بعد إلغاء الجيش المسار الانتخابي في 1992. قال ان التاريخ سيحكم لمصلحته، كونه ساهم في "إنقاذ" البلاد من حكم متعصّب كان سيُلغي التعددية لو سُمح له بتسلم الحكم. كان يشير الى الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي حققت فوزاً ساحقاً في الدورة الأولى للانتخابات الإشتراعية التي أُجريت في كانون الأول ديسمبر 1991 وكان مقرراً ان تُستكمل دورتها الثانية في مطلع 1992. أُلغيت الانتخابات، واستقال الرئيس الشاذلي بن جديد، وحُلّت "الإنقاذ"، ودخلت البلاد نفقاً دموياً لم تخرج منه بعد على رغم سقوط ما لا يقل عن مئة الف قتيل. "تعلّمت" جبهة الإنقاذ، كما يبدو، من تلك التجربة المريرة. سُجن شيوخها لفترات طويلة. قُتل العديد من قادتها وناشطيها، وفر آخرون الى المنفى. تريد "الإنقاذ" اليوم ان "تُطوى" صفحة الماضي. ما حصل صار جزءاً من التاريخ. الشيخ عباسي مدني، الرجل الأول في "الإنقاذ"، يعيش حالياً في ماليزيا مع أسرته. غادر الجزائر أخيراً بعدما عاش في إقامة جبرية في منزله في العاصمة منذ 1997، وكان سابقاً في السجن منذ 1991 حُكم عليه بالسجن 12 سنة في قضية "العصيان المدني" في ذلك العام. يستعد الشيخ عباسي حالياً لطرح "مبادرة" لوقف نزيف الدم، تمهيداً لإنهاء الأزمة الجزائرية. الجيش الجزائري، كما قال ل"الحياة"، معني مباشرة بهذه المبادرة: "كيف يمكن ان نستبعد ان يكون الجيش في طليعة من يعمل بهذه المبادرة، وفي طليعة من يعمل على إيقاف نزيف الدم في البلاد؟". بدا كأنه يتوجه الى عناصر الجيش وضباطه "الذين يجري فيهم دم الجزائر". موقفه من قادة المؤسسة العسكرية الذين شاركوا في قرار إلغاء الانتخابات، كان مختلفاً: "لست مستعداً لأن اتكلم مع هؤلاء على الإطلاق". موقفه هذا لا يعني انه مع طرف ضد آخر في هرمية الحكم الجزائري. ليس صحيحاً، كما قال، انه في حلف مع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ضد بعض خصومه في المؤسسة العسكرية. "منهم من قال ان الرئيس اعطاني جواز سفر، فأنا إذن أخدم لجناحه". لا صحة لذلك "فأنا لم اتعهد للرئاسة بشيء غير الذي تعهدت به الى الله ولهذا الوطن والشعب الجزائري". الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يُتوقع ان يتنافس فيها بوتفليقة مع مرشحين آخرين يلقى بعضهم دعم قادة في المؤسسة العسكرية، لا جدوى منها. كيف يُدعى الشعب الجزائري، كما قال عباسي، الى الانتخاب و"ليس له أي مبرر لكي يكرر شهادة الزور على نفسه. كيف تُجرى انتخابات في ظل حال الطوارئ، وفي ظل هذه الخزعبلات، حتى صارت انتخابات "الكوتات" الحصص، وانتخابات سماسرة الذمم؟". هناك غصّة في صوت عباسي عندما يتكلّم عن المذابح الكبيرة التي شهدتها الجزائر في النصف الثاني من التسعينات. يريد ان "يُصحح" هوية المتهمين بها: "القاتل فيها هو الذي يتهم المقتول بالجريمة". ماذا يقصد؟ "إسأل بن طلحة. إسأل براقي. إسأل بلكور ... إسأل أبناء الشلف، وهم يقولون لكم من ذبحهم، فهم المذبوحون". لكنه يستدرك: "ما وقع من قبل نتركه للتاريخ". التاريخ مجدداً، فمن سيكتبه؟ نص المقابلة: أنتم الآن في ماليزيا للطبابة. كم تتوقعون ان تستمر فترة العلاج، وهل تنوون العودة قريباً الى الجزائر؟ - السؤال، في الحقيقة، سابق لأوانه، علماً أنني خرجت من أجل العلاج الذي لم يبدأ بعد. ولا اعتقد ان العلاج سيتم هنا في ماليزيا، إلا عبر المخففات التي احتاج اليها في الوقت الحالي. فقد قلت لنفسي: ألا تخشى الله يا عباسي أنك تبدأ بعلاج نفسك، سامحاً لها أن تُعالج قبل علاج القضية، قضية الشعب الجزائري؟ كيف تتركه يتخبط في نهر الدم، ناسياً هذا الواقع المرير الذي يعيشه؟ وجدت نفسي فعلاً في إحراج كبير: إنني أسعى الى إنقاذ نفسي قبل ان انقذ الشعب الجزائري. فملت الى ان اؤجل العلاج لأنه قد يتطلب عملية جراحية، وقد يكون في العملية الجراحية مغامرة ويكون فيها موت. فقلت، على الأقل، إنني يجب ان افعل شيئاً وأُقدّم الوصية اللازمة للشعب الجزائري وما يجب ان يقوم به فوراً وقبل ان تعود البلاد الى الاستعمار من جديد، بل الى استعمار آخر من صنف جديد. آليت على نفسي إلا ان أؤجل هذا النوع من العلاج. وأنا أعلن الشروع والاستعداد، إن شاء الله، لتقديم مبادرة تكون في مستوى الحدث، وفي مستوى الحل المطلوب الذي يكون فعلاً، إن شاء الله، في مستوى وضع حد للنزيف الدموي ووضع حد لهذه المحنة الأليمة. ثم نبدأ في الخطوة الثانية المتمثلة في دفع الشعب الجزائري والعمل معه كي يثب خارج الأزمة. لا يمكن ان نتكلم عن حل الأزمة قبل إنهاء المحنة. لا بد من ان ننتهي من عملية توقيف القتال، توقيف حال النزف الدموي. وقبل حصول ذلك لا مجال للكلام عن حل الأزمة. وماذا يمكن ان تقدّم الجبهة الإسلامية للإنقاذ لوقف النزيف الدموي؟ - هذا سؤال تطرحه عليّ عندما أتكلم باسم الجبهة الإسلامية. أما أنا، وإن كنتُ رئيساً لها، فأتكلم عن مبادرة خارج نطاق الجبهة الإسلامية. لماذا؟ لأن القضية الجزائرية تطورت بعد الأحداث الأليمة التي جاءت بعد إيقاف المسار ... الانتخابي؟ - لا، ليس المسار الانتخابي. من فعل ذلك يقولون انهم أوقفوا المسار الانتخابي ولم يوقفوا المسار الديموقراطي. بل انهم أوقفوا المسار الديموقراطي. لأنه لا ديموقراطية بدون حرية، ولا ديموقراطية بدون الرضوخ الى نتيجة الانتخاب المعبّر التعبير المشروع عن إرادة الشعب. من أوقف إرادة الشعب إنما أوقف الديموقراطية، ولم يوقف المسار الانتخابي فقط. والدليل على ذلك أنهم يتصرفون بقانون القوة بدل قوة القانون. من هم هؤلاء الذين تتكلم عنهم؟ - من فعلوا تلك الفعلة، وما زالوا يتكلمون. وأنا لست مستعداً لأن اتكلم مع هؤلاء على الإطلاق، كوننا في لحظة حاسمة ولا اسمح لنفسي بأن أضيّع دقيقة في أمر صار من اختصاصات التاريخ. لا بد من ان نطوي هذه الصفحة. لا نقطّعها. ما من أحد قادر على تمزيق هذه الصفحة. الصفحة لا تمزّق بل تطوى لكي تُحال الأمور الى التاريخ، الى علماء التاريخ وليس الى سماسرة التاريخ. حذّرت من سقوط الجزائر في استعمار جديد، استعمار من نوع آخر. ماذا تقصد؟ - حققت الجزائر مكاسب بعد حربها ضد الاستعمار. من هذه المكاسب الحرية والاستقلال. وأعلنت فرنسا على رؤوس الملأ اعترافها للشعب الجزائري باسترجاعه حقه في السيادة وممارسته إياها. لكن من ذلك الحين الى اليوم، هل مارس الشعب الجزائري سيادته؟ هل مارس الشعب سيادته في التصرف بالقرار السياسي على أسس مؤسساتية مشروعة، على مستوى دستور حقيقي يُعبّر عن إرادة الشعب وليس دستور حكّام، دستور هواري بومدين ودستور الشاذلي بن جديد وغيرهما. في الحقيقة، الكل يعلم ان الشعب الجزائري جاهد وكافح طيلة قرن ونصف من أجل ان يبني دولته لكن لم يتركوه يبنيها الى الآن. من الذي يمنع من ذلك، وهو الحر؟ من يمنعه وهو السيد؟ من الذي يمنعه وهو في طلائع الشعوب الحيّة؟ولو كان الذي يمنعه من جلدة هذا الشعب، ولو كان من جلدتي، فإنني اعتبره استعماراً. فالاستعمار لا جنسية له، ولا لون له، ولا لسان له. قد يستعمل اللغة العربية. قد يستعمل لغة الإسلام والمسلمين، خداعاً ومراوغة. إذن، ما لم يعد الأمر الى إرادة الشعب، باعتباره صاحب السيادة بعد الله. ليس عندما ملك. دولتنا، الحمد لله، وفق ما جاء في بيان أول نوفمبر 1954، هذا البيان الذي اتُفق عليه واُجمع عليه منذ ذلك العهد والى الاستقلال، هي دولة جمهورية، جمهورية جزائرية ديموقراطية شعبية، في إطار المبادئ الإسلامية. هذه الدولة الأصيلة التي جاهد من أجلها عبدالقادر بن محي الدين، ومن عبدالقادر بن محي الدين الى عبدالقادر حشاني، كل هذه الأجيال التي مرّت، مرّت من أجل ان يؤسس الشعب الجزائري بالحرية التامة والإرادة الحرة دولته ويعيش في ظلها حياة كريمة، حياة العزة والكرامة، حياة الحرية والاستقلال، حياة الرقي وتشييد البلاد عمرانياً واقتصادياً وحضارياً. بالعودة الى مبادرتكم لوقف النزيف الدموي في الجزائر. ما هي الخطوط العريضة لهذه المبادرة؟ - هذه المبادرة، حتى تكون في مستوى الحدث، لا بد ان تبدأ في إطار شامل، بحيث تكون أولاً مبادرة حرّة. ماذا أعني بذلك؟ اي انها لا تتقيد بنظام سياسي، ولا بحزب سياسي، ولا بنزعة زعيم سياسي، ولا بمساعدة دولة أجنبية. بل ينبغي ان تقوم أساساً على إرادة الشعب الجزائري. ان يُجنّد لها، كما نعرفه وكما عشنا معه، كما جُنّد معنا في ثورة أول نوفمبر، وجُنّد معنا في مواقف شهيرة في تاريخه، وهو الآن مدعو الى التجنّد لحل الأزمة، وأعني الشعب الجزائري، كل الشعب الجزائري بما فيه من مؤسسات الدولة. ... كيف نستبعد ان يقف الجيش الموقف التاريخي المتوقع منه ما دام هو الجيش الوطني الشعبي الجزائري؟ ما دام هذا الجيش فيه دم الجزائر، تمشي في شرايين رجاله، جنوده وضباطه. كيف يمكن ان نستبعد ان يكون الجيش في طليعة من يعمل بهذه المبادرة، وفي طليعة من يعمل على إيقاف نزيف الدم في البلاد وعلى إخراج البلاد من المحنة، وإخراج البلاد من الأزمة. لذلك، هذه المبادرة هي مبادرة الشعب الجزائري، ولا أزيد فوق ذلك. لا أقول انها مبادرة مرتجلة، أو ذات هوى سياسي. حتى ان منهم من تساءل إن كانت المبادرة تصب في خانة الانتخابات الرئاسية المقبلة، خانة لعبة الرئاسيات. رئاسيات لشعب يدعى الى الانتخاب وهو مقهور. لشعب يدعى الى الانتخاب وهو مُحتقر. لشعب يدعى الى الانتخاب وليس له أي مبرر لكي يكرر شهادة الزور على نفسه. كيف تُجرى انتخابات في ظل حال الطوارئ، وفي ظل هذه الخزعبلات، حتى صارت انتخابات "الكوتات" الحصص، وانتخابات سماسرة الذمم. يا سيدي الكريم، ترتكز هذه المبادرة على الحل المجدي، الحل العلمي، القائم على أُسس ومنهجية علمية عادلة نزيهة ليس لها اي نزعة فردية، او مذهبية او حزبية او طبقية او طائفية. أبداً. لذلك هي مبادرة من نوع جديد، وفق مستجدات هذا القرن. لا يمكن بحال ان نقدّم حلاً سبق ان اُنشئ في منتوج الفكر الحديث، شأن الايديولوجيات الحديثة التي تجاوزها العصر، وصارت حلولاً قديمة لمشكلات جديدة. لا استطيع ان آتي بدواء فاته الوقت، لمريض كاد ان يهلك. لا استطيع بعد هذا العمر، وهذه التجارب المريرة، ان ألعب بشعبي ومصير أمتي. يا أخوة حب الحرية، حرية التعبير، يا أخوة الصحافة، خافوا معنا الله في هذا الشعب وفي هذه القضية. إنني تتبعت نشاطك في خلال هذه التجربة المرّة، وأشهد انك كنت من أقرب المحللين للحقيقة. أقولها لك لتقولها غداً، إن شاء الله، كشهادة. نعم، لقد وقعتم في أخطاء. أُعطيت لكم معلومات، معلومات زائفة. حيث ان القاتل فيها هو الذي يتهم المقتول بالجريمة. هل يمكن ان تكون أكثر ايضاحاً. هل هناك أمثلة؟ - على أي شيء؟ على قضية ان القاتل يُقدّم نفسه على انه المقتول. - أنت لا تجهل هذا يا سيدي الكريم. إسأل بن طلحة. إسأل براقي. إسأل بلكور. إسأل هذا التاريخ من حيث هي أحداث وجودية وليست أخباراً مزوّرة. أنت تعلم الفرق بين الحدث وبين الخبر الذي يأتي عن الحدث. فإذا كنت تشُكُّ في الخبر فأنت لا تستطيع ان تشك في الحدث. إسأل أبناء براقي، إسأل أبناء الشلف، وهم يقولون لكم من ذبحهم، فهم المذبوحون. لكن هذا كله، كما ينبغي ان تعلم، صفحة قد طويت، وتُترك للتاريخ. أما الآن فهناك صفحة جديدة، ليست صفحة محاكمة: من يُحاكم من؟ المحاكمة تُترك للتاريخ. وهي ليست صفحة حقد أيضاً. فإننا لا نسمح لأنفسنا بأن نتكلم في شيء من هذا النوع من النزغ الشيطاني. ما وقع من قبل نتركه للتاريخ، إما الآن فعلينا كلنا كجزائريين ان نتجنّد على اختلاف ايديولوجياتنا ومواقعنا، إن في السلطة أو في المجتمع، في سبيل الله لمن يعتقد ان الله موجود، وفي سبيل الوطن لمن يعتقد انه لا يزال ينتمي الى هذا الوطن بشرعية من الشرعيات. في رأيكم، إذن، ان المذابح التي حصلت في الجزائر ليست الجماعات الإسلامية المسلحة المتشددة مسؤولة عنها؟ - هذا لا أجيب عليه الآن. قلت: دعه للتاريخ. هناك على ما يبدو صراع أجنحة داخل الحكم الجزائري، ويبدو ان هناك تياراً يريد استخدام ورقة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وربما ورقة الشيخ عباسي مدني، في صراعه مع تيار آخر داخل الحكم. ما هو رأيكم في ذلك؟ - هذا غير صحيح. لا عباسي ولا غيره ورقة في هذا الصراع. الجبهة الإسلامية جبهة القضية الجزائرية، قضية الشعب. ما كانت الجبهة لو لم تكن لله والشعب الجزائري. ... آرائي كنت قادراً على الإدلاء بها وأنا في الجزائر. يرمون بشبهة ارتباط مع الرئاسة، حتى ان منهم من قال ان الرئيس اعطاني جواز سفر، فأنا إذن أخدم لجناحه. لا استطيع ان أكذب على الرئيس والقول انه طرح هذا عليّ. أبداً، لا الرئيس ولا غيره. جواز السفر من حقي. حقي كصاحب سيادة. كإبن الجزائر الحر. الجزائر الحرة، الجزائر التي جاهدت من أجلها، وحاربت الاستعمار. من أجل ذلك، خرجت بجواز سفر سيد، رافع الرأس، لم يشترط أحد عليّ شروطاً. وإنني أُشهّد أخي، ذلك الرجل المحترم، الأخ المحامي فاروق قسنطيني رئيس مرصد حقوق الإنسان، وهو يشهد إذا كان هناك من اشترط عليّ شيئاً، وإذا انا قدّمت عرضاً يكون على حساب حرّيتي أو على حساب سيادة وطني. لم تخرج إذن ضمن إطار شروط مع الحكم الجزائري ولكن الرئاسة هي من أخرج جواز سفركم. - هذه وظيفتها. انا لم اتعهد للرئاسة بشيء غير الذي تعهدت به الى الله ولهذا الوطن والشعب الجزائري. ماذا تقول لحملة السلاح في جبال الجزائر الآن؟ - سأقول لهم كلمتي مثلما أقولها لغيرهم من الشعب الجزائري، ولن يكونوا إلا عند حسن الظن إن شاء الله.