قال السيد عباسي مدني رئيس جبهة الانقاذ الاسلامية المحظورة في الجزائر ان "المؤسسة العسكرية الجزائرية ابدت اهتماماً بالمبادرة التي أعلن انه سيطلقها لوقف العنف في بلاده، وان ردها ايجابي". لكن مدني اضاف في حديث الى "الحياة" أجري في الدوحة التي يزورها حالياً، ان المبادرة التي قال انها ليست لجبهة الانقاذ لم تقدم الى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أو حكومته. وقال: "لا اعتقد بأن الرئيس يتنكر لأمته وشعبه". ورأى ان المبادرة "ليست مشروعاً انقلابياً كما حدث في السودان" في اشارة الى انقلاب الجبهة الاسلامية. وكرر ضرورة تغيير النظام في الجزائر "الذي أفسد البلد وأفقر الشعب"، ووصفه بأنه "باخرة غارقة". وفي ما يأتي نص الحديث: أعلنت أن مبادرة قدمت الى الحكومة الجزائرية، فما قصة هذه المبادرة وملامحها وأهدافها؟ - أولا اسمح لي بتصحيح منهجي، أنا لم أقدم المبادرة الى الحكومة، وأنا من المجموعة التي تتبنى مشروع المبادرة، باعتبارها مبادرة الشعب الجزائري بما في ذلك المؤسسات الحكومية. والمؤسسة الوحيدة التي أبدت اهتماما، وهي مشكورة على هذا الاهتمام والشجاعة، لم تبد اهتماما فقط عندما وجهت إليها الورقة الأولى وهي عبارة عن مسودة، لنعرف رأيها في الأمور ومدى استعداداتها، ومن يدري أنها ستكون من أهم العاملين على تحقيقها باعتبارها مشروع شعب. ما اسم هذه المؤسسة؟ - هي المؤسسة العسكرية؟ هذا يعني أن رد المؤسسة العسكرية كان ايجابياً؟ - على أي حال عندما تقول انها تحبذ، ولو تبدأ بمسألة وقف النزيف فهذا معناه جواب إيجابي. قلت انك لم تقدم المبادرة الى الحكومة الجزائرية، فكيف تم إيصالها إليها وكيف تلقتها؟ - لم أزعم أن المبادرة قدمت الى الحكومة. قدمت الى من؟ - قدمت الى مؤسسة في الدولة يقصد المؤسسة العسكرية، لأنه عندما تتكلم عن الحكومة فهي تعني رئيس الوزراء والوزراء. وهل قدمت الى رئيس الدولة؟ - لم توجه الى رئيس الدولة. وجهت فقط للمؤسسة العسكرية؟ - لأنها ترى أنها الأولى بأن تضطلع وتشارك برأي وعمل إن شاء الله، باعتبارها مؤسسة أقرب الى الواقع الميداني، ومؤسسة تريد أن تشارك في مشروع شعبها. من هي الجهة التي خولتموها تقديم المبادرة الى المؤسسة العسكرية؟ - لا أعين أي طرف لأن العمل الآن مبني على السرية. وهل اشترطت المؤسسة العسكرية شروطا معينة عندما قالت انه ينبغي إعطاء الأولوية لوقف النزيف؟ - لم تشترط، وأعطت رأيها بأنه بدلا من أن تقدم في شكلها الكلي نبدأ بالأهم، وهو الدعوة الى وقف النزيف، الذي هو غاية من غايات المبادرة. وما دام وقف النزيف هدفاً نبيلاً ومشروعاً ويحفظ حق هذا الشعب، فإنه عندما نوقف النزيف فمعناه نريد أن نكوّن مناخ السلم، ومناخ السلم هو غاية لكل مجتمع طموح. لا يمكن أن تنبثق نهضة مشروع بلد ولا نهضة مشروع أمة أو حضارة إلا بحفظ الأمن والاستقرار. وما أبرز مرتكزات المبادرة التي قدمتموها الى المؤسسة العسكرية؟ - المبادرة ليست مبادرة المؤسسة العسكرية أو مبادرة حزب من الأحزاب أو طيف من الأطياف الأيديولوجية أو طائفة من الطوائف، وليس في الجزائر طائفية ولا طوائف، إنما هي مبادرة تهدف الى تجنيد الشعب الجزائري كله بكل مقدراته وطاقاته وفعالياته حول مشروع المبادرة. هل تدعو الحكومة الجزائرية أو النظام في الجزائر الى اتخاذ خطوات لتنفيذ هذه المبادرة، أم أنتم تدعون الى تغيير النظام من خلال المبادرة؟ - بالنسبة الى النظام فهذه مسألة لم يعد يختلف فيها عاقلان نزيهان في الجزائر بأنه لا بد من التغيير. لماذا، وما هي شروط بقاء الدولة والحكومة والنظام؟ هي شروط جودة الأداء والتسيير، وهي شروط الحفاظ على ثقة الشعب، من حيث أنها تبلور التراضي الذي هو أساس الشرعية في كل دولة وفي كل أمة، لكن النظام فقد كل هذه الشروط المشروعة بل سلك مسلك النقيض، مسلك الإفساد، فما فعله النظام منذ 1962 الى اليوم هو إفساد الجزائر. فما قام به هو إفساد قُطر بأكمله، وقد جعل أغنى قطر في المنطقة أفقر شعب بحيث بات الملايين من غالبية الشعب يعيشون تحت سقف الفقر. ما قام به النظام الجزائري في هذه المدة منذ عام 1962 الى اليوم من تقتيل وقمع وقهر للحريات واستبداد وضياع طاقات البلاد المادية والمعنوية لا يمكن أن يقارن بما فعله الاستعمار. إن نظاماً قام بهذا هل بقيت له مشروعية البقاء إلا قانون القوة. في ضوء طرحكم للمبادرة هل يفهم من هذا أن المبادرة تريد تغيير النظام من خلال المؤسسة العسكرية؟ - لا، مشروع انقلابي كما حدث في السودان؟ لا يا أخي، أولا مشروع المبادرة يقضي بتغيير ما ينبغي تغييره، لأنه إذا أنت تعيش أزمة وتعيش محنة، فذلك نتائج لمقدمات. فكيف تغير النتائج من خلال النتائج من دون أن تغير المقدمات؟ أنتم تدعون أيضا الى إطلاق المعتقلين والسجناء وعفو عام ورفع المظالم وعدد من الأشياء، فكيف تطالبون النظام السياسي بانفراج في هذا المجال وأنتم تريدون تغييره؟ - ليست هناك إشكالية في هذا الباب. واسمح لي بالقول ان طرحك من الناحية المنهجية غير صحيح. عندما نتكلم عن المؤسسة العسكرية فليست كلها الآن بعد الذي حدث، وبعد الذي وصلت إليه الجزائر، ليسوا ضد تغيير النظام، ولكن هناك من هم طينة من طينة هذا النظام، لكن هذه قلة. ولا تنسى أن الجيش الجزائري ليس جيش مرتزقة، هو جيش الشعب الجزائري، جيش الوطن، ولهذا فعنصر الشعبية فيه غالب، وإذا كان عنصر الشعبية فيه غالب، فإن المتضررين في قاعدة الجيش وحتى في قمته، ولارتباطهم بالشعب فإنهم متضررون، والمتضرر مطالب بأن يغير عامل تضرره إن كان حياً. هل تتوقع نجاح المبادرة؟ - السؤال لا يكون بهذه البساطة، ما هي حظوظ نجاح المبادرة إذا ما نظرنا الى خطورة التحديات التي تواجهها، هل توافقني على هذا الطرح؟ إذا كانت المبادرة جادة، لأنه لا يمكن أن نتصور عملية تغييرية بهذا العمق من حيث الجذور ولها ذات الأبعاد والآفاق من حيث الفروع إلا بالآفاق المتكاملة في جوهرها، وهي كلها من عنصر الحل وليس من عنصر الإشكال. هذا يعني من حيث عنصر الحياة والبقاء والاستمرار وليس من عنصر الفناء، أو من خلايا السرطان، وإنما هي من خلايا الجسم السليم. إذاً المبادرة لا يمكن أن يكتب لها النجاح إذا كانت من عنصر سرطاني. ماذا تعني؟ - أعني أنها إذا كانت من عنصر الإشكال أي من عنصر النظام. وإذا كانت المبادرة مبادرة شعبية، وإذا كانت المؤسسة العسكرية هي في الأصل شعبية فهي أحوج الى التغيير، وهي ألزم بأن تكون مع التغيير إذا هي حالية حياتية صحيحة من الجسد والجسم الاجتماعي الجزائري. ومن ثم فالمبادرة لكي تنجح ينبغي أن تكون جادة، ولكي تكون جادة ينبغي أن تكون موضوعية، ولكي تكون موضوعية ينبغي أن تكون واقعية. وهل تتوافر فيها هذه السمات؟ - ينبغي. أنت تتحدث الآن وتقول ان هذه المبادرة هي مبادرة الشعب، فهل يمكن أن تصفها بأنها جادة من خلال إطلاعك عليها؟ - أنا لا أصفها بالجدية، وإنما اعمل من بين العاملين معي على أن تكون جادة، وهذا هو المطلوب. أما الحكم على شيء لم يكتمل بعد، فكأنك تريد أن تحكم على مولود ولد بأنه سيكون حكيماً أو أبله أو غبياً. وهل تلقيتم رداً مكتوباً من المؤسسة العسكرية بشأن المبادرة؟ - المفروض أن تتم الإجابة كتابيا على ما قدم كتابيا، وعامل الوثيقة الآن هو من عوامل التاريخ، وعوامل الشرعية وعوامل الثقة، والكلام عبر التلفون والتبليغ الشفوي لا يمكن أن يكون مؤسساً أو أن يعتبر تعاملاً جدياً بين أطراف تجمعهم محنة وتجمعهم أزمة ويجمعهم هدف إخراج أمتهم وشعبهم من هذا الوضع الكارثي، فهذا لا يرضاه أي عاقل لأي كان من الناس. هل تسعون في جبهة الإنقاذ الآن الى مصالحة أو فتح صفحة جديدة مع المؤسسة العسكرية التي أطاحتكم بعد الانتخابات؟ - والله يا سيدي لقد ضيقت واسعاً، أولاً المبادرة ليست مبادرة الجبهة الإسلامية، وحتى لو جاءت الجبهة، وهي من الشعب، وقالت أنا أشارك في المبادرة كحزب فسيرفض هذا، لأنه لا يمكن أن تكون المبادرة مبادرة حزب، فالمبادرة تقوم على إرادة الشعب، وحتى الآن لم يأت أحد من الجبهة الإسلامية ويقول ينبغي أن نكون حزبيين ونشارك كجبهة وليس كجزائريين، هذا لم يحدث. وهنا أتساءل لماذا لم تطلب الجبهة وتشترط بأن تكون صاحبة المبادرة وهي الهدف المركز عليه في المحنة، لأن روح المبادرة هي قضية الشعب الجزائري وليست قضية انتخابية أو مصلحية لمجموعة لوبي من اللوبيات. ولهذا لم اسمع واحدا من الجبهة الإسلامية يقول إما أن تكون المبادرة من الجبهة أو لا تكون. ما زال السؤال قائماً، هل يتوقع حدوث مصالحة بين جبهة الإنقاذ والحكومة؟ - أنا الآن كصاحب مبادرة تتجاوز حدود الحزب، والمبادرة تحمل جانب التغيير متضمنة المصالحة، لماذا، لأن التغيير الجاد لا بد أن يكون مشروعا، والتغيير المشروع لا بد أن يقوم على أساس التراضي، وهل يمكن أن تحدث مصالحة من دون ان يتحقق التراضي. وهل جرت أو تجري اتصالات الآن بين عباس مدني بصفته وطنيا جزائريا والرئيس عبدالعزيز بوتفليقة؟ - لم توجد أي علاقة شخصية مع الرئيس الذي أعرفه شخصيا ويعرفني. وفي عهد الثورة كنا في جبهة التحرير الوطني ومنخرطين في الثورة. وإذا كان الرئيس بحكم أخلاقياته وبحكم وجدانياته ووعيه ولم يتخل عن عهده مع الله والوطن، لا أعتقد أنه يتنكر لأمته وشعبه خارج الرئاسيات وخارج الاعتبارات السياسية، وبالتالي لا أجده ولا أخاله إلا أن يكون لهذا النداء والواجب، وقد أجاب النداء من قبل ولمَ لا يجيب اليوم؟ أنت تدعوه الى ماذا؟ - أنا لا أدعوه وإنما هو كاف لكي يعرف الى أين يتجه. أنا لا أدعي بأنني أوجهه أو أدعوه الى شيء. فالواجب هو الذي يدعوه، وهو الذي يحدد موقعه من هذا الواجب. والمبادرة تضع الجميع أمام مسؤولياتهم، والموقف موقف حاسم لتحمل المسؤوليات لانتشال الجزائر من اخطبوط الاستعمار والفقر والإهانة والموت البطيء والتقتيل والإفساد. والله يقول "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً". والمبادرة تدعو الى الاحياء والحياة والسلم والحق والشرعية والعمل بالحق والشرع والشرعية. في الجزائر استعدادات للانتخابات الرئاسية عام 2004، فهل ستخوضها الجبهة؟ - هذا السؤال وجهه الى الجبهة، وأنا كعضو منها لا كرئيس أقول إذا كان النظام باخرة غارقة، وإذا كنت أحذر الناس من الغرق في الباخرة، فكيف تراني أرمي نفسي في باخرة غارقة إلا إذا كنت قد فقدت وعيي، أتظنني قد فقدت وعيي؟ ضحك. هل تتوقع أن تدعم فرنسا المبادرة؟ - هذا السؤال يوجه الى فرنسا. وفرنسا لا أخالها إلا حريصة على مصالحها، وإذا أرادت أن تحافظ على مصالحها فكيف لها أن تأمن على مصلحتها في باخرة غارقة! فرنسا هي أول من يعلم ان هذه الباخرة وضعت فيها الجزائر كي تغرق وهي من صناع الباخرة، ألا يكون صانع الباخرة للغرق أدرى من ركابها ضحايا هذه المكيدة؟ وفرنسا قالت قبل خروجي من السجن بوقت قصير إن على الجزائريين أن يتعاونوا على حل مشكلاتهم. وهذا موقف واع سياسياً وحضارياً وأخلاقياً، إن كانت للسياسة أخلاقيات، وعلى الأقل أخلاقيات المصلحة. فرنسا تعلم أن من مصلحتها أن تخرج الجزائر من محنتها وأزمتها، لكن لفرنسا عنصرين متناقضين. هناك فرنسا الحرية والطموح الى الرقي، وهناك فرنسا الاستعمارية. وما زال هذان العنصران متناقضين في فرنسا. وإذا كانت فرنسا للحريات الديموقراطية وما زالت الشرعية الوطنية والدولية، وإذا كان القرار في يد الفرنسيين الأحرار الذين يرقون بفرنسا الى هذه المعاني فلن يكون اختيار فرنسا إلا أن تساند وتعين المبادرة. وإن كانت المبادرة لا تطلب من الفرنسيين سوى ترك الجزائريين أحراراً ليعالجوا قضيتهم. وهل تتوقع دوراً ايجابياً أميركياً لحل الأزمة الجزائرية؟ - هم الآخرون أدرى الناس بمصلحتهم، ومن مصلحتهم أن تكون الجزائر آمنة مستقرة تنعم بالسلم والاستقرار والرقي والازدهار. وهل لديكم اتصالات مع الأميركيين؟ - ليس لدينا اتصالات لا مع الأميركيين ولا مع غيرهم. وهل تجرون اتصالات مع دول عربية لحشد الجهود للمبادرة؟ - لا اتصالات رسمية، لكننا نلاقي حفاوة واستجابة إعلامية من وسائل الإعلام العربية، واستعداداً لا يجحده إلا ظالم.