«هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في 8 أسابيع وسط ارتفاع الدولار    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    الوداد تتوج بذهبية وبرونزية في جوائز تجربة العميل السعودية لعام 2024م    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في stc    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    "محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    عصابات النسَّابة    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    المنتخب يخسر الفرج    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    بوبوفيتش يحذر من «الأخضر»    أجواء شتوية    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوخمخم يفتح ملف السلطة والإنقاذ . الجزائر: الاتصالات بدأها الجنرالان زروال والدراجي في سجن البليدة عام 1994 وأنهاها الجنرال بتشين في "الطاحونتان" عام 1995
نشر في الحياة يوم 31 - 10 - 1999

الشيخ عبدالقادر بوخمخم واحد من قيادات الانقاذ التي تعمل في السرّ، وهو استاذ جامعي من مواليد 1940 بالطاهير ولاية جيجل وأب ل9 أطفال، وشارك في الثورة التحريرية، وعضو مؤسس في جبهة الانقاذ سجن في 30 حزيران يونيو 1991، ثم أفرج عنه عام 1994 في اطار الاتصالات التي جرت بين السلطة وقيادة الانقاذ التي كان احد الشهود عليها منذ بدايتها على يدي الجنرال اليمين زروال عندما كان وزيراً للدفاع، ليغلق الجنرال محمد بتشين ملفها عام 1995. وينقل ملف الانقاذ من الرئاسة الى وزارة الدفاع، لتتحقق هدنة عام 1997.
والشيخ بوخمخم من المقربين للشيخين عباسي مدني ومدني مزراق، وهو المرجعية الحقيقية لكثير من الاتصالات بين السلطة والأطراف الاسلامية.
ما قصة خروجكم من السجن؟ وهل لها علاقة بندوة الوفاق الوطني لعام 1994 التي جاءت بالجنرال اليمين زروال الى رئاسة الدولة؟
- سبب خروجنا من السجن كان بناء على اتصالات بين السلطة وبين قيادة الجبهة الاسلامية آنذاك، ضمن اللجنة الوطنية للحوار التي كان يترأسها السيد يوسف الخطيب. وكان أول اتصال بين الطرفين هو قيام وزير الدفاع الجنرال اليمين زروال رفقة الجنرال الطيب الدراجي بزيارة سجن البليدة وطرح قضية تعاون بيننا لاصدار بيان ندعو فيه الشعب الى الهدوء.
وبعد الأخذ والرد في جلستين متتاليتين حضرتهما شخصياً الى جانب الشيوخ عباسي مدني وعلي بن حاج وعلي جدي، دامت كل جلسة اكثر من ثلاث ساعات، خلصنا الى انه لا يمكن لقيادة الانقاذ ان تصدر بياناً وهي بين قضبان السجن. واتفقنا على ان يطلق سراح اربعة من الشيوخ: علي جدي، عبدالقادر بوخمخم، شيقارة وعبدالقادر عمر، دون قيد ولا شرط، للاطلاع على ما يجري في البلاد سواء من الناحية الأمنية او السياسية والاقتصادية، وبعد ذلك، نكوّن تصوراً لكيفية اخراج البلاد من الازمة.
وهذه هي النقطة التي تم الاتفاق حولها، وطرحت في الوقت نفسه قضية المشاركة في ندوة الوفاق الوطني ولم يكن مشروطاً حضورنا، فقد رفضنا رفضاً باتاً المشاركة في ندوة لا ندري ما يجري فيها.
وفعلاً اطلق سراح اثنين منا هما: عبدالقادر بوخمخم وعلي جدي، وعندما خرجنا بدأنا في الاتصالات، وكان الاتفاق في رمضان 1994، هو ان تبدأ السلطة آنذاك بغلق مراكز الاعتقال الأمني والمحتشدات في الصحراء، وكان هناك تخوف لدى السلطة من ان يلتحق من يطلق سراحهم بالجبال، وطلبت منا اقناعهم بعدم الصعود، وأبدت استعدادها للافراج عنهم، وباعتبار ان هذه المعتقلات والمحتشدات من مخلفات الاستعمار الفرنسي ذهبنا في 27 رمضان 1994 الى تمنراست، حيث التقينا اخواننا في المعتقلات والمحتشدات وطرحنا الموضوع، وتم الاتفاق ان تكون الجبهة مرجعيتهم في اي حدث يقع، وألا يستجيبوا لأي استفزاز، من أية جهة كانت، وحتى نسد باب صعودهم الى الجبل طلبنا من الرئيس اليمين زروال اعادة ادماجهم في عملهم، وإذا ما حدث اي شيء فإننا موجودون لمعالجة القضية.
ولكن بعد عودتنا من تمنراست فوجئنا برد تلقيناه عن طريق الجنرال الطيب الدراجي الممثل الشخصي للرئيس مفاده أن نقدم له قائمة بأسماء من نريد اطلاق سراحهم، فكان ردنا: "لسنا نحن الذين ادخلنا هؤلاء المواطنين الى المعتقلات والمحتشدات. ولا يمكننا وضع قائمة، وإن ما نطالب به هو اطلاق سراحهم جميعاً". لأنهم في نظرنا مظلومون، لكنه رفض ذلك وطالب منا ان نواصل المسعى ونذهب الى معتقل وادي الناموس فأرجأنا الذهاب الى ان يغلق المعتقل الأول عين أمقل كما تم الاتفاق بيننا.
وفي نيسان ابريل 1994 ظهر الناطق الرسمي باسم الرئاسة ميهوب ميهوبي على شاشة التلفزيون وفي وسائل الاعلام الاخرى وهو يحملنا مسؤولية فشل الاتصالات.
وكان رد فعلنا هو اصدار بيان توضيحي نشر في وسائل الاعلام بتاريخ 3 نيسان 1994، يتضمن رداً على ما ورد في بيان رئاسة الجمهورية من الادعاء بوجود التزامات تلقاها وزير الدفاع آنذاك من القادة المعتقلين بوضع حد للعنف بينما الحقيقة هي ان مسعانا كان يتعلق بإيجاد حل شرعي عادل يضع حداً للمظالم السياسية والاجتماعية ويؤمن الاجيال من الصراعات الدموية.
وكيف تم استئناف الاتصالات فيما بعد؟
- جددت السلطة اتصالاتها بالشيوخ المتبقين في سجن البليدة وهم: عباسي مدني وعلي بن حاج، وبقية المسجونين.
وكان يمثل السلطة في هذه الاتصالات الجنرالان الطيب دراجي ومحمد بتشين، وأسفرت هذه الاتصالات على اطلاق سراح الشيوخ الثلاثة وهم: عبدالقادر عمر ونورالدين شيقارة وكمال قمازي، بينما نقل الشيخان عباسي مدني وعلي بن حاج الى اقامة "جنان المفتي".
وماذا جرى بعد ذلك؟
- بعد اجتماعات مع ممثلي الرئيس الجنرالين الطيب الدراجي ومحمد بتشين توصلنا الى اتفاق يمكننا من الاتصال بكل الاطراف سواء من كانوا ممن اضطرتهم الظروف الى حمل السلاح او ممن دفع بهم الى مغادرة البلاد خوفاً على حياتهم وكذلك الذين يوجدون داخل السجون من اطارات الحزب، وذلك بهدف التشاور المشترك لإيجاد أرضية للعمل من اجل اخراج البلاد من الأزمة.
ووافق ممثلا الرئيس مبدئياً على ذلك، لكن بمجرد ان شرعنا في البحث عن حل مشترك للأزمة وسعينا في الوقت نفسه الى اقناع المجموعات المسلحة بالتوقف عن العمل المسلح وإعلان هدنة ولو كانت من طرف واحد حتى يفسح المجال للحل السياسي بدأت المناورات.
كيف؟
- عندما علمت الاطراف بأن مسعانا وجد قبولاً لدى المعنيين بالأمر من مناضلي الجبهة الاسلامية للانقاذ بدأت المناورات من هنا وهناك.
وفعلاً دُبِّرت المكيدة من خلال الرسالة التي وجدت في جيب المرحوم الشريف قواسمي.
وما قراءتكم لهذه الرسالة المنسوبة الى الشيخ علي بن حاج؟
- تبدو لي انها مجرد تطمينات لأولئك الذين لا يزالون متشبثين بالعمل المسلح وهي سعي للتأثير عليهم وإقناعهم بمسعى الحل السياسي.
وفي تقديري لو قرئت الرسالة قراءة سياسية آنذاك لاختصرنا عمر الازمة التي عاشتها البلاد لغاية اليوم ولخرجنا منها بأقل التكاليف.
وكيف كان رد فعل السلطات آنذاك؟
فوجئنا، مرة اخرى، مثلما فوجئت القوى السياسية في البلاد، بالموقف الذي اتخذه اليمين زروال والمتمثل في اعلانه عن فشل الاتصالات والحوار مع قيادة الجبهة الاسلامية للانقاذ تحت ذريعة تلك الرسالة، وكان ذلك في اول اجتماع له مع قيادات الاحزاب الفاعلة آنذاك وخلال ذلك اتخذت اجراءات تعسفية بتضييق الخناق على المفرج عنهم والتفريق بين الشيخين عباسي مدني وعلي بن حاج حيث نقلا من الاقامة الجبرية بجنان المفتي الى السجن وكان حظ الشيخ علي بن حاج زنزانة في سجن عسكري بأدرار. وتوقفت الاتصالات بين الطرفين تماماً.
وكيف تقيمون ما نشره الجنرال خالد نزار حول توقيف المسار الانتخابي أخيراً؟
- اعتقد جازماً بأن الجنرال خالد نزار يتحمل مسؤولية كبيرة في الازمة وسنشهده امام الله والأمة والتاريخ لما وصلت اليه البلاد من تدهور ولولا توقيف المسار الانتخابي وحل المجالس الشعبية المنتخبة وملاحقة مناضلي وإطارات الجبهة الاسلامية للإنقاذ ومنتخبيها وطردهم من وظائفهم أو الزج بهم في المعتقلات أو السجون لما آلت الأوضاع الى ما هي عليه اليوم من شلل على جميع المستويات وما ترتب عن ذلك من قتل وتدمير وتخريب وتخلف وإساءة لسمعة البلاد في الخارج بعد ان كانت تحتل مكانة مرموقة بين الدول ويحسب لها ألف حساب في المحافل الدولية، وما حدث في الجزائر كان وراءه الجنرال خالد نزار ومجموعته التي أورد ذكرها في مذكراته، فهو الرأس المدبر لإقالة رئيس الجمهورية المنتخب الشاذلي بن جديد.
وأعتقد ان هذه المآسي التي وقعت للشعب تقشعر منها النفوس والأبدان وما ارتكب في حق الشعب المسلم لم ترتكبه أو تفعله حتى الوحوش الضارة بغرائزها الحيوانية.
فما الذي تغير بعد رحيل نزار ومجموعته في النظام الجزائري حتى تحققت الهدنة؟
- لم يحدث أي تغيير في سياسة النظام القائم منذ بداية الأزمة عام 1992 فهو نظام واحد ذو سلطة واحدة، ربما تغيرت بعض الوجوه ولكن النظام بقي هو النظام والسياسات هي السياسات فالنظام الاشتراكي والنظام الليبرالي هما وجهان لعملة واحدة.
هل يمكن التوقف عند الأسباب الحقيقية التي دفعت بالجيش الاسلامي للانقاذ للإعلان عن هدنة من طرف واحد؟
- اعتقد ان الاتصالات التي أجراها الشيخ عباسي مدني مع السلطة والرسالة التي وجهها آنذاك الى الرئيس اليمين زروال والتي تعبر عن حسن النية وما جرى بين قيادة الجبهة والسلطة ممثلة بالجنرال محمد بتشين عام 1995 عجلت في نظري بتقليص الهوة وتجاوز بعض العقبات.
ولولا تهور السلطة وتسرعها آنذاك وظهور السيد احمد او يحيى ممثلاً لها في التلفزة للإعلان عن فشل المفاوضات مرة اخرى، لما توترت الأوضاع بعد ذلك، وهذا أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت ملف الإنقاذ ينقل من الرئاسة الى وزارة الدفاع.
ما هي قصة المفاوضات التي أعلن عن فشلها السيد أحمد اويحي؟
- بعد رسالة حسن النية المذكورة آنفاً نقل الشيخ عباسي مدني الى فيلا على شاطئ البحر شمال العاصمة بمنطقة الطحونتان. وهنا بدا الجنرال محمد بتشين كممثل وحيد للرئيس اليمين زروال في إجراء الاتصالات مع الشيخ عباسي لدراسة سبل وكيفية إيجاد أرضية مشتركة للحوار. وعندما تشعب واشتد الخلاف بينهما طلب الشيخ عباسي أطلق الله سراحه حضورنا معه في المفاوضات وتم الاتصال بنا عبر الهاتف لنلتقي بتشين ويبلغنا بأن الشيخ يريدنا. وجاءت سيارة لتأخذنا الى إقامة عباسي لنجده في انتظارنا.
أطلعنا على الرسالة التي بعث بها الى الرئيس زروال وما تم بينه وبين الجنرال بتشين من مشاورات وبعد مناقشات وتبادل الآراء بيننا اتفقنا على ان ينضم الينا الشيخان علي بن حاج وعبدالقادر حشاني والمفرج عنهم جميعاً لأن القضية تعني الجميع للخروج بموقف موحد.
استجاب الجنرال بتشين لطلبنا وشرعنا في البحث عن أرضية مشتركة بيننا لتقديمها كاقتراح لحوار جاد يخرج البلاد من الأزمة، وقمنا بصياغة تلك الأرضية ليعتمدها وفدنا في حواره مع وفد السلطة. وطلبنا من بتشين تعيين وفد السلطة وتوفير سبل الالتقاء بين وفد أعضاء الإنقاذ دون بقاء الشيخين في الإقامة الجبرية التي وُضعا فيها لأننا نعتبر وجودهما في السجن أو الإقامة الجبرية لا يسهل مهمتنا. ورفض الجنرال بتشين هذا الاقتراح فتقدم الشيخ عباسي باقتراح ثان وهو ان يتم التفاوض مع الجماعة المفرج عنها فرفض بتشين ذلك وقال: "نريد ان يكون الشيخ عباسي على رأس الوفد المفاوض". رحبنا بالاقتراح وطلبنا منه تحويل الشيخين الى اقامة تستجيب لمقتضى الاجتماعات واللقاءات بيننا، ومرة اخرى اعترض الجنرال على اقتراحنا رغم تزكيته للشيخ عباسي ان يكون رئيساً للوفد، وبرر رفضه بحجة ان الرئيس زروال يوجد خارج الوطن وهو الذي يقرر ذلك.
أصر على اخذ الأرضية التي حضرناها للوفد الذي سيتفاوض مع السلطة آنذاك، وعندما سلمناه إياها وهي مؤرخة بيوم 10 حزيران يونيو 1995 انقطعت الاتصالات معنا لمدة ثلاثة أسابيع. وفوجئنا مرة أخرى بالسيد أحمد اويحي وهو يعلن باسم الرئاسة في التلفزة عن فشل المفاوضات من دون ان نعرف السبب إلا ما ورد على لسانه من أننا ما زلنا متمسكين بقيام دولة اسلامية، وفوجئنا كذلك بمضايقات جديدة حيث قام باستدعائنا وزير العدل وتبليغنا قراراً شفوياً يمنعنا من أي نشاط سياسي أو دعاوي او اتصالات مع أية جهة كانت حتى مع بعضنا البعض، والأرضية تتضمن مقدمة تؤكد على ان المساعي السابقة لم ترق الى مستوى تحقيق الحل السياسي الشرعي العادل المنشود، وعليه صار لزاماً ان تحدد المبادئ والإجراءات الضرورية للخروج من الأزمة وقدمنا تسعة مبادئ منها:
- العمل بدستور 23 شباط فبراير 1989، احترام التعددية السياسية وحقوق الإنسان، تمكين الشعب من اختيار حكامه وممثليه عن طريق الانتخاب الحر وضمان التداول السياسي على الحكم عبر انتخابات تعددية، عدم اتخاذ القوة وسيلة للبقاء في السلطة أو الوصول اليها، جعل مؤسسة الجيش بمنأى عن السياسة والنزاعات الحزبية.
أما من بين الإجراءات التي طالبنا بها فكانت التالية:
- إطلاق سراح الشيوخ وغلق المحتشدات وتحسين أوضاع السجناء، رفع حالة الطوارئ وإيقاف المواجهات، تعيين حكومة حيادية تشرف على تنظيم الانتخابات. على ان يتم الاتفاق في شفافية تامة، وذيلنا الوثيقة بأنها ثمرة المناقشات ودعونا الى مشاركة كل من يرى ان مشاركته ضرورية في اتخاذ القرار.
وما موقفك الشخصي من قيام الدولة الإسلامية التي تحدث عنها ممثل الرئيس في التلفزة؟
- شخصياً فكرة قيام الدولة الإسلامية في الجزائر تسري في شراييني وأوردتي مجرى الدم، لأنني مجاهد متمسك ببيان أول تشرين الثاني نوفمبر الذي ينص صراحة على ضرورة قيام جمهورية جزائرية ديموقراطية شعبية حرة ومستقلة في إطار المبادئ الإسلامية، وهو يعني ان كل ما يصدر عن الدولة من تشريعات وقوانين يجب ان تكون في هذا الإطار، يضاف الى ذلك أنني فقدت عائلتي بأكلمها من أجل قيام الدولة الإسلامية ومرجعيتها هي ثورة أول نوفمبر ولا يحق لأي كان ان يلغي هذه المرجعية التي ضحى من أجلها مليون ونصف مليون شهيد.
وأؤكد لك صراحة بأنني متشبث حتى العظم بقيام هذه الدولة ولا أرى أي حل للمعضلة الجزائرية الآنية الا بالعودة الصادقة الى هذه المرجعية.
المعروف عن الشيخ بوخمخم انه لعب دوراً مهماً منذ 1994 في الاتصالات الهادفة الى استصدار هدنة ولو من طرف واحد، فكيف كانت العملية؟
- لا اعتقد ان الفضل في ذلك يعود الى طرف دون آخر وإنما يعود الى قناعات جميع الأطراف بعدم جدوى العمل المسلح خصوصاً قيادة الجيش الإسلامي للإنقاذ، الذين كانوا مكرهين على حمل السلاح ومرغمين عليه بسبب الاضطهاد الذي تعرضوا له في بيوتهم وأماكن عملهم والشارع، ومن الطبيعي ان يكون رد الفعل هو الصعود الى الجبل والتمرد على الأوضاع.
لكن الظروف لم تكن آنذاك مواتية لأية هدنة كما كانت الظروف في ما بعد، فالسلطة كانت متزمتة أكثر وترفض أي حوار أو حل سياسي شامل للأزمة بسبب الصراع الذي كان بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية، ولهذا تأجل الإعلان عن الهدنة أو التمكن من إيجاد أرضية اتفاق في ظل هذا الصراع.
ومن المفارقات انه منذ بداية الاتصالات بقيادة الجبهة كانت تمثل الرئاسة قيادات عسكرية وليست مدنية، بمعنى ان السياسيين كانوا يجرون الاتصالات عن طريق العسكريين. ولعل نقل ملف الإنقاذ من الرئاسة الى وزارة الدفاع ووضعه نهائياً في يد قيادة الجيش سهل عملية الاتصال بقيادة جيش الإنقاذ بعد ان أبعدت الرئاسة والقيادة السياسية للإنقاذ، مما عجل بالاتفاق بين الطرفين أثمر عن هدنة من طرف واحد.
عندما تم الاتفاق بين الجيش والجناح المسلح للإنقاذ، هل تم إطلاق القيادة السياسية بمضمونه؟
- أصارحكم بأننا لم نُستشر ولم نطلع على مضمون الاتفاق ولا ادري اذا كان هناك اتصال بالشيخ عباسي مدني أم لا.
يقال ان سبب اقالة الرئيس اليمين زروال هو رفضه مباركة الاتفاق وعدم الاعتراف بوجود هدنة، فماذا تقولون؟
- لا اعتقد انه السبب الوحيد لإقالته وإنما هناك اسباب متعددة الجوانب، فهو يتحمل مسؤولية فشل المفاوضات التي اجراها مع القيادة السياسية للانقاذ، كما انه لا يخفى على أحد ان الفترة التي تولى فيها الحكم عرفت البلاد فيها مجازر رهيبة ذهب ضحيتها الأبرياء وآلاف من المفقودين الى حد الآن مما يسمح لنا بتسميتها بالعشرية الحمراء.
وواصل الرئيس زروال رفضه الاعتراف بالهدنة حتى تسليم العهدة الى خلفه الرئيس بوتفليقة الذي اعلن صراحة في أول خطاب له عن موقفه الداعم لمسعى اصحابها، ووصلت بعد ذلك رسالة اخرى من مدني مزراق لدعم مسعى الرئيس فكان الرد سريعاً من الرئاسة بمباركة ما جاء في رسالة مزراق. وما دمنا دعاة اصلاح فانه يتعين علينا مباركة المسعى، فمبدأ حزبنا يقوم على اسس السلم والحوار والمغالبة، وقد تمكنا من التغلب بالطرق السلمية الا ان المؤامرات التي حيكت ضدنا أدت بنا الى ما نحن عليه، ورسالة عباسي جاءت لتعبر عن وجهة نظرنا جميعاً باعتباره الناطق الرسمي باسم الحزب. وقد سُد الباب امام كل التأويلات ووضعت حدا لكل الاشاعات المغرضة التي تهدف الى تعطيل الاتفاق، وبينت هذه الرسالة انها ليست فردية او وجهة نظر بل هي استشارة تعبر عن وجهة نظر الرجل الذي كرس حياته من اجل السلم.
وفي نظري انها كتبت بالتشاور المباشر مع قيادة الجيش الاسلامي للانقاذ، ولذلك لا داعي من التخوف او التشكيك في هذا المسعى.
وكيف تنظرون الى اتفاق الهدنة؟
- يبدو لي ان الاعلان عن الهدنة والاتفاق على المبادئ يهدفان الى تهدئة الاوضاع الجارية في البلاد وهو امر لا يرفضه إلا الانسان المختل عقلياً، ولهذا يجب على كل المخلصين لهذا البلد ان يمدوا يد المساعدة لدفع عجلة الحوار والمصالحة الوطنية ووقف النزيف الدموي الى مرحلة لا يمكن التراجع عنها حتى تصبح امراً واقعاً، لأن السؤال الذي يطرح اليوم هو: من المستفيد من اطالة عمر الازمة والاقتتال بين الجزائريين؟
لا اعتقد ان هناك جهة مستفيدة من الوضع الحالي، اللهم الا أولئك الذين لا يزالون ينظرون الى الجزائر كمقاطعة فرنسية او أولئك الذين يتاجرون بدماء الجزائريين والجزائريات ودموعهم. وما دامت المشاكل التي يعيشها المجتمع لا تحل بالقوة وإنما بالحوار والموعظة الحسنة فإنه لا بد من دعم اي مسعى في هذا الاطار.
صحيح ان أية جهة لم تطلعنا رسمياً على مضمون اتفاق الهدنة ولم نستشر فيها، الا اننا اقتنعنا بأن الأهم ليس الاطلاع او الاستشارة ولكن ما يهمنا هو كيف نجعل من الهدنة امراً واقعاً يستفيد منها الجميع وتستريح البلاد من هذا الحمل الثقيل، فتخلينا عن الذاتية.
وما دام حملة السلاح هم المعنيون باتفاق الهدنة ولسنا نحن فإنه من الطبيعي ان ندعمه بكل ما نملك من وسائل خاصة، وان السلطة فضلت الحديث مع حملة السلاح على السياسيين، والمهم هو ان يحقق الطرفان حلاً للأزمة.
لكن هناك خلافات حول تأويل رسالة الشيخ عباسي مدني المساندة لمسعى الرئيس بوتفليقة. فهناك من يقول انها لا تمثل الحزب، وهناك من يقول انها تعكس الاجماع داخل الحزب كما تقولون؟
- قبل التعليق على ذلك، تجب الاشارة الى شيء مهم وهو انه بعد اقالة الرئيس زروال والاعلان عن انتخابات مسبقة، ظهرت في وسائل الاعلام ودوائر صانعي القرار معلومة تفيد ان الرئيس كان ضد الهدنة ورافضاً التوقيع عليها.
اذا كانت السلطة تريد فعلاً تحقيق الوئام المدني، للوصول الى المصالحة الوطنية، فإن مصلحة الامة تكون فوق كل اعتبار، ولا تخضع لأية حساسية.
ونعتقد ان اطلاق سراح الاخوين عباسي مدني وعلي بن حاج يساهم مساهمة كبيرة لوقف النزيف الدموي والإسراع بعودة السلم، ويضع حداً لكل المزايدات السياسوية.
لم يبق من المدة التي يعطيها قانون الوئام المدني الا ثلاثة اشهر، وأنتم تلتزمون الصمت، وكأن الامر لا يعنيكم، فلماذا لا تبادرون الى دعوة بقية المسلحين لتسليم انفسهم؟
- الوضع الراهن، كما يبدو، يدفع الى التحفظات، خصوصاً اذا ادركنا بأن النظام في البلاد لم يتغير بعد وإنما تغيرت الوجوه والأساليب، كما قلت سابقاً.
ويبقى على السلطة، ان كان لها حسن النية والارادة، ان تقوم بحل نهائي للمشاكل، وليس القيام باجراءات "ترقيعية" او "تسكينية" لها، وستجدوننا إن شاء الله جنوداً في مقدم صفوف المدافعين عن الوئام المدني.
والمفروض ان نفتح المجال لكل من يريد المساهمة في مسعى السلم، والوئام المدني، ونعطي الفرصة حتى لمن في السجن للقيام بواجبه الوطني، اما ان يقتصر الأمر على مجموعة دون اخرى فمن الطبيع انه يؤدي الى التحفظات، وعندما نسمع ونقرأ ان المجتمع المدني يرفض اطلاق سراح المساجين السياسيين وهو يساند الوئام المدني، فإننا نتساءل: أي مجتمع مدني تقصد بذلك اما ان تكون "حثالة المجتمع" هي المجتمع المدني فهو امر مرفوض ويدعو الى الارتياب.
وما تفسيرك لاتفاق كل من سعيد سعدي ورضا مالك وغيرهما حول مسعى الرئيس بوتفليقة؟
- هؤلاء يأكلون مع الديب ويبكون مع الراعي، وإذا رجعنا الى دورهم في الازمة التي تمر بها البلاد، نجد انهم كانوا وراء فشل كل المبادرات التي قدمت لإخراج البلاد من الازمة.
وإذا كان دورهم في المرات الماضية هو تشويه الحقائق او الوقوف ضد الاختيار الشعبي، فانهم في هذه المرة ارادوا ان يكونوا سياسيين ولكنه الدجل السياسي بعينه. وهم عندما ساندوا المسعى ليس حباً فيه وإنما لتبقى المكانة نفسها ويقتربون من الرئيس.
لكنكم تتحملون المسؤولية باعتباركم لم تلتفوا حول المشروع وتركتم لهم المجال ليحتلوا مواقعكم الامامية؟
- نحن ملتفون حول المشروع والدليل هو رسالة الشيخ عباسي مدني. فهو الناطق الرسمي باسمنا وما قاله يعبر عن كل المجموعات سواء شاركت ام لم تشارك. اما بالنسبة للجانب الميداني فانه لم يفتح لنا المجال للتحرك او النشاط لدعم هذا المسعى. ورغم ذلك فقد ساهمنا بالرسائل والحوار، والتصريحات والتعليمات التي اعطيت للقواعد النضالية.
ولو طلب منا القيام بدور ولم يلب هذا الطلب في هذه الحال من حقك اتهامنا بالتخلي عن دورنا الأمامي.
هل هناك نية لدى أية مجموعة منكم للعودة الى الساحة السياسية في ثوب جديد؟
- قبل التفكير في عودة الحزب او القيام بدور سياسي في شكل حزب آخر، فيجب ان نفكر في انقاذ بلاد تحترق من جميع الجوانب، وعندما نتذكر الاطارات التي قتلت والتي هي في السجون او المشردة في الخارج، نطرح السؤال: ماذا تحقق سياسياً؟
لا شيء، فوجود الازمة وعدم الاستقرار وغياب السلم، لا يمكن من القيام بأي عمل سياسي او انتعاش اقتصادي او تنموي، ومن المفروض على السلطة والمعارضة السياسية ان تحدد كيفية العمل المشترك لانقاذ البلاد مما هي فيه من ازمات. والمرحلة الحالية لا تتطلب عملاً سياسياً وإنما عملاً مشتركاً للخروج من الازمة.
ويتمثل اهتمامنا اليوم في كيفية الاسهام في عملية توقيف النزيف الدموي، والسلم والمصالحة الوطنية وهما لا يتحققان إلا إذا عولجت التراكمات التي نجمت عن الأزمة وتتمثل في:
- اطلاق سراح المساجين واظهار المفقودين، وتعويض الضحايا من الطرفين دون تفريق بينهما أو تمييز، كما يفعل الاستئصاليون اليوم، وإبعاد ثقافة الحقد بين أبنائنا.
- عودة المطرودين من عملهم، وعودة الإطارات الى الجزائر، بعد ان اجبروا على الفرار الى الخارج.
- وبالنسبة للمجموعات المسلحة أو الاشخاص الذين اضطروا، بحكم الظروف، الى الصعود الى الجبال، فإنه لا بد من معالجة ملفاتهم بعد معالجة ملف التراكمات التي أفرزتها الأزمة. واعتقد ان حل هذه المشاكل ربما يفتح المجال للتفكير في العمل السياسي.
هناك سؤال بقي معلقاً حتى الآن وهو: كم عدد المسلحين الذين التحقوا بالجبال، سواء تابعين لجبهة الانقاذ أو للمجموعات المسلحة الأخرى، وباعتباركم أحد قيادات هذا الحزب فمن الطبيعي ان يكون لكم تصور عددي لذلك؟
- الجبهة لم تدع في يوم من الأيام الى حمل السلاح ولم تتبناه، فهي حزب سياسي يعمل ضمن قواعد اللعبة السياسية كباقي الاحزاب السياسية، ولكن هناك فخ وقع فيه بعض اطاراتها، نصب لهم بسبب فوزهم في انتخابات 26 كانون الأول ديسمبر 1991. وليس المهم في العملية تقدير العدد وانما في معالجة الظاهرة التي أصبحت أمراً واقعاً.
أنتم تذكرون ما صرح به الجنرال نزار حول الفترة حيث قال: "قمنا عشية ايقاف المسار الانتخابي بإعلام أغلبية قادة بلدان الحوض المتوسط بالتغيرات التي ستحدث في الساعات المقبلة، وقررت ألا أخبر الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران لأنني فهمت أنه مال نحو أطروحات الفيس".
لكن ما أقول للجنرال بأن قيادة الجبهة الاسلامية للانقاذ لم تكن في يوم من الأيام ممن عملوا في صفوف العدو الفرنسي، ولا أحد منا ذهب الى السفارة لطلب النجدة. وفي هذا السياق أذكر الجنرال بأن أحد شروطنا في الاتصالات ألا يكون الوسيط بيننا وبين السلطة أحد الجنرالات الذين عملوا في صفوف الجيش الفرنسي أثناء حرب التحرير. والدليل هو ان تصريحاتنا مع القنوات الفرنسية كانت بلغتنا العربية ولم نجد صعوبة في شرح أفكارنا.
صرح الرئيس بوتفليقة بأن هناك رغبة لدى مجموعة في الجيش الاسلامي للانقاذ، لمحاربة أعداء الاسلام، ألا تتخوفون من وجود فخ للتقاتل بين الاسلاميين في الجبال؟
- هذا الطرح الذي أعلن عنه الرئيس بوتفليقة موجود في رسالة الشيخ مدني مزراق حيث وضع نفسه تحت تصرف الدولة رافعين سلاحهم في وجه من شوهوا الدين الاسلامي الحنيف، ومن ارتكب المجازر في حق شعبنا.
ولكنكم متهمون بالتستر عن الجرائم؟
- أولاً نحن لا نعرف هؤلاء الذين يقومون بالجرائم أو يريدون تشويه الإسلام وعلى المجتمع برمته ان يحاربهم، ولهذا، فالإستئصاليون لا يريدون حلاً للأزمة لأن كثيراً من القضايا ستكشف للرأي العام، وسيعرف الجميع من كان وراء القتل الجماعي أو الإبادة، علماً بأن من يموتون في القرى والمداشر هم الفقراء الذين وقفوا مع الإنقاذ، وهنا تبقى علامة استفهام حول انتماءات هؤلاء المسلحين.
لكن هناك علامة استفهام اخرى كيف يقتل المسلم مسلماً في الجبل بحجة انه شوه الاسلام؟
- أولاً هؤلاء الذين ستتعمم عملية محاربتهم هم منحرفون من وجهة نظرنا، ومن وجهة نظر المجتمع الاسلامي ككل. وثانياً فإن عناصر الجماعة الاسلامية المسلحة لا تزال حولهم علامات استفهام كبيرة من هم؟ وماذا يريدون؟ ومن يقف وراءهم في الداخل والخارج؟
ومهما كانت الأمور فإن العقل الانساني يرفض مطلقاً عملية قتل الأبرياء الذي تقوم به هذه المجموعات والاسلام يحرم ذلك.
لكن الشيخ عبدالقادر بوخمخم لم يوقع مع المتحفظين على رسالة عباسي ولا مع المؤيدين لها فأين يقف من الهدنة؟
- موقف بوخمخم معروف، وأعلنت عنه في الصحافة الوطنية، وقلت ان قيادة الجبهة ومناضليها واطاراتها مع الهدنة، ومع رسالة عباسي المؤيدة للهدنة، ومع المسعى الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية الرامي الى وقف نزيف الدم والدفع بالمصالحة الوطنية وتحقيق الوئام المدني. وقلت انه يجب تثمين هذا المسعى لتوقيف النزيف الدموي واعادة السلم والأمن والاستقرار للبلاد.
وهذا أمر طبيعي في حزب لا يستطيع مناضلوه ومحبوه ان يلتقوا في مكان ما لتبادل وجهات النظر واتخاذ موقف موحد وهو مطلبنا منذ البداية.
ما هو تقييمكم للوضع الراهن في الجزائر؟
- من الصعب اعطاء تقييم حول الوضع الراهن في الجزائر نظراً لتشعبه، وعدم توفر المعطيات الحقيقية حول ما يجري في الميدان، وما يهمنا اليوم، وهو كيفية طي الماضي والخروج من الأزمة التي يعيشها المجتمع الجزائري برمته. وما دام قانون الوئام المدني محدداً زمنياً فإنه على رئيس الجمهورية اتخاذ اجراءات عملية لدفع المسعى الذي يعمل من أجله، ونحن نؤيده في ذلك، لتحقيق ما يهدف اليه من سلم ومصالحة ووقف النزيف الدموي الذي ينخر في جسم المجتمع.
هناك من ينتقد قانون الوئام ويعتبره غير كاف لحل الأزمة فكيف ترون ذلك؟
- في نظري ان الذين اعدوا هذا القانون لم تكن لهم دراية واقعية بالمشكل، وليست لهم معرفة بالحقيقة الجوهرية للأزمة، ورغم تثميننا لهذا المسعى فإننا نعتقد ان ثقل هذه القضية لا يحل بإصدار قوانين فحسب، وانما باجراءات سياسية يتخذها رئيس الجمهورية، فالقانون يأتي لتكريس الحل وليس هو الحل مع العلم انه قانون موقت ينتهي بانتهاء المدة المحددة له، ولهذا، لا يمكن ان يكون حلاً أمثل واشمل للوضعية التي نجمت عن الأزمة.
رغم ان الرئيس طالب في خطبه بضرورة التخلي عن المفردات الجارجة الا انه في بعض خطبه لا يزال يكررها وحتى بعض المسؤولين في حكومة اسماعيل حمداني، يتمسكون بها، فما تعليلكم لذلك؟
- وهذا ما يجعلنا نؤكد تأكيداً ضرورياً على ان يتحمل الرئيس مسؤولية كاملة بما يخول له الدستور من اتخاذ اجراءات ميدانية وعملية تنهي من القاموس السياسي استخدام العبارات الجارحة التي ورثها ممن سبقوه، وهي لا تخدم مبدأ المصالحة الوطنية والوئام المدني، بل تزيد المتشددين تمسكاً وتطرفاً، وعلى جميع المسؤولين والمجتمع المدني والسياسي ان يتجنب هذه المصطلحات ويعود الى ما أكده الرئيس من انه لا يوجد هناك مغلوب ولا غالب في الأزمة الجزائرية وانما الكل أخوة ولا وطن لنا الا الجزائر.
واذا سلمنا باستعمال هذه الكلمات الجارحة فكيف يثق الطرف المعني بالأمر من ان سياسة الوئام والمصالحة الوطنية تهدف فعلاً الى عفا الله عما سلف مع انه يعد نفسه مظلوماً ولهذا فعلى لجان الارجاء على المستوى الوطني ان تتجنب استعمال ما يثير الشك والريبة لدى المسلحين، بل يستحسن ان يعمل اعضاؤها جاهدين على اعادة الاعتبار الانساني والاخوي اليهم وان لا يفرقوا بين ضحايا المأساة الوطنية حتى نبتعد عن ثقافة الحقد والكراهية بين الاطفال الأبرياء الذين سيكونون رجال المستقبل.
هناك من يعترض على مسألة العفو الشامل ويساند في الوقت نفسه الوئام المدني، مثل جمعية عائلات ضحايا الارهاب ما تعليقكم على ذلك؟
- يبدو لي ان القراءة السليمة غير المغرضة لقانون الوئام المدني تؤكد انه يحمل في طياته مضمون العفو الجزئي عن بعض المجموعات المسلحة ويحمل كذلك مضمون العفو الشامل عن جيش الانقاذ الذي أعلن الهدنة من جانب واحد، وأي تأخير أو تباطؤ في اتخاذ الاجراءات لإنهاء المشكلة واعادة الأمن والسلم قد يقلل من شأن المسعى العام برمته خاصة وان القاضي الأول في البلاد ومسؤوليه أعلنوا صراحة بأن الجيش الاسلامي غير معني بقانون الوئام المدني.
ومن وجهة نظري فإن العفو الشامل هو الطريقة المثلى التي تتعامل بها الدول المتحضرة في فك النزاعات والصراعات التي تنشأ في مجتمعاتها، ومن ثمة يتعين على رئيس الجمهورية ان يصدر عفواً شاملاً يتوج به مسعاه، ليدخل الألفية الثالثة التي لا مكان فيها للضعيف فكيف لأمتنا ان تدخل ألفية السلم من دونه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.