قبل القمة الجزائرية - الفرنسية المرتقبة في نيويورك، عكست الزيارة الخاصة للعاهل المغربي الملك محمد السادس لباريس، توجهاً للاستفادة من بعض التفهم الفرنسي لقضية الصحراء قبل طرحها مجدداً أمام مجلس الأمن. ولن تكون القضية بعيدة عن محادثات الرئيسين الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة والفرنسي جاك شيراك، فالاشارات التي صدرت عن باريس حيال الموقف من نقل السلطة إلى العراقيين وخطة معاودة الإعمار والاستقرار، وكذلك التشدد الفرنسي في مسألة تقديم التعويضات الليبية إلى ضحايا الطائرة الفرنسية، والسعي إلى ترسيخ نوع من التحالف مع المانيا، كلها معطيات تذهب في اتجاه تأكيد أن الموقف الفرنسي لدى طرح قضية الصحراء مجدداً أمام مجلس الأمن سيشكل المعادلة التي لا يمكن إلغاؤها. وكما في الاجتماع السابق الذي ترك الباب مفتوحاً أمام العودة إلى المفاوضات بين المغرب وجبهة "بوليساريو" والأطراف المعنية كافة، فإن الرهان الفرنسي على تثبيت الوجود في منطقة افريقيا الشمالية قضية نفوذ وتاريخ وامتداد، يصعب على الفرنسيين التفريط فيها. وكان دهاة السياسة الفرنسية يرددون قبل الحرب الأميركية على العراق، ان انسحاب باريس من العراق لن يكون بلا ثمن، وان دفع بعض البلدان الأوروبية إلى مواجهة تزايد النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط والخليج وشمال افريقيا خيار استراتيجي. ولم يكن الموقف المتشدد في اتجاه ليبيا الذي كان سيقوض رفع الحصار، وإنما يعني أن الفرنسيين الذين ادركوا خطة ازاحتهم من القارة الافريقية في إمكانهم أن يضغطوا بأي ورقة، وكانوا سباقين في الانفتاح على ليبيا في مواجهة التشدد الأميركي من دون أن يفلحوا في فك الحصار. كذلك فإن مد الجسور بين باريسوالجزائر بعد سنوات من التردد، تزامن والتحولات الجزائرية. وأراد الرئيس بوتفليقة استخدام ورقة الانفتاح على فرنسا للتلويح للأميركيين بوجود بدائل. لكن واشنطن التي تسعى إلى إقامة قواعد عسكرية في الامتداد الصحراوي لافريقيا، وتحديداً جنوبالجزائر، تمارس استراتيجية التضييق على الفرنسيين والأوروبيين في شمال افريقيا من منطلق مواصلة الحرب على الإرهاب. واستطاعت أن تقتنص "التبعية" الاسبانية بأقل قدر من الأتعاب، طالما أن رئيس الوزراء الاسباني خوسيه ماريا أثنار فهم أن التحالف مع أميركا في الحرب على العراق مقدمة تحالفات أكبر، قد تجعل من اسبانيا الناهضة قوة بديلة لفرنسا في منطقة افريقيا الشمالية. ولم تكن زيارة رئيس الوزراء الاسباني لجماهيرية الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بعيدة عن هذا التوجه. كذلك فإن الزيارة التي قام بها الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيدي أحمد الطايع بعد فشل المحاولات الانقلابية لإطاحته كانت لمدريد وليس باريس. تطرح قضية الصحراء الغربية نفسها في معادلات التجاذب الفرنسي - الأميركي، باعتبارها بؤرة توتر في منطقة حيوية على مشارف الامتداد الافريقي جنوب الصحراء الكبرى. ومنذ اندلاعها قبل أكثر من ربع قرن كانت مطلوبة لاعتبارات اقليمية ودولية، فالاختراق الإسرائيلي للدول العربية في افريقيا الشمالية كان على خلفية تداعيات الأزمة. وفي الحرب الباردة كانت قضية الصحراء حقل تجارب في الصراع، لكنها استمرت من منطلق أن التناقض المغربي - الجزائري قد يكون مضراً للبلدين الجارين، لكنه ليس كذلك بالنسبة إلى الفرنسيين والاسبان والأميركيين. وقد تكون باريس تحديداً أضاعت فرص ترسيخ وجودها في المنطقة قبل انهيار المعسكر الشرقي وانفراد الأميركيين اليوم بالدور الأكثر تأثيراً. لكن الحسابات الأميركية التي تربط استراتيجياً بين الشرق الأوسط وشمال افريقيا تظل قائمة، وما دام الوقت لم يحن بعد لتصبح هذه المنطقة في صدارة الاهتمام لا بأس من ترك هامش الأزمة مفتوحاً أمام لاعبين قد يكونون ماهرين، لأنهم بالتأكيد أقل حسماً في المسار الذي ينتظر المنطقة برمتها.