لو أن فرنسا التزمت الموقف الذي تتبناه اليوم ازاء قضية الصحراء قبل هذا الوقت لما تأتى لتطورات القضية أن ترتدي البعد الذي يطبعها الآن. فقد ظلت إلى فترة طويلة تستخدم التناقضات المغربية - الجزائرية لتأمين نفوذها الاقتصادي والتجاري في منطقة افريقيا الشمالية، وحين بدا أنها مضطرة لإقامة توازن بين الرباط والجزائر، تمنى الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران على الملك الراحل الحسن الثاني اقتراح خطة استفتاء تقرير المصير أمام الأفارقة الذين كانوا يتعاطون مع الملف. وحققت من خلال ذلك اختراقاً لا يرضي المغاربة ولا يغضب الجزائريين. ومن مفارقات السياسة أن فرنسا، التي كانت تستعمر المنطقة، وفق ادراكها للحقائق التاريخية والقانونية والحدودية، لم تشأ في أي مرحلة أن تقدم شهادة حسم في النزاع. أمام تغير معطيات اقليمية ودولية ينحو الموقف الفرنسي في اتجاه دعم المغرب، أقله لمناهضة إقرار خطة في مجلس الأمن الدولي لا يوافق عليها كل الأطراف. وإذا كان منطلق باريس قانونياً وفق مرجعية أن مجلس الأمن يساعد في الحل المقبول ولا يفرضه، فإن خلفيات ذلك تروم معاودة تقليب صفحات الخلافات الفرنسية - الأميركية حول قضايا عدة، أقربها أن الميل الأميركي الى إشراك الأممالمتحدة في حفظ الأمن وإعمار العراق ينصف الموقف الفرنسي من الحرب ولو بعد فوات الآوان. يضاف إلى ذلك، ان نظرة باريس إلى التحالف الاسباني - الأميركي تتجاوز نطاق الحرب على العراق نحو استحضار مناطق النفوذ التقليدي في منطقة افريقيا الشمالية، وربما أن فرنسا تهتبت في مثل هذا الوقت من العام الماضي الدخول على خط الأزمة المغربية - الاسبانية حول جزيرة "ليلى" لتدرك بعد ذلك أن الوساطة الأميركية التي قام بها وزير الخارجية كولن باول كانت تخفي حسابات أكبر، وبارتباط مع قضية الصحراء، إذ ان مدريد ضغطت في اتجاه التصعيد مع الرباط لإفشال صيغة الاتفاق - الإطار التي عرضها الوسيط الأميركي جيمس بيكر وقتذاك. ووضعت كلاً من باريس وواشنطن في رتبة رعاية ذلك الاتفاق. وبمقدار ما نجحت مدريد على خلفية تحالفها مع أميركا في الحرب على العراق بمقدار ما تسعى باريس الى تأكيد أنها اللاعب الرئيسي في توازنات افريقيا الشمالية. وطالما أن نزاع الصحراء محفوف بالانزلاقات، فلا أقل من أن تتمسك باريس بورقة مؤثرة في ترسيم صورة أي حل مرتقب. لأن المغاربة لم يعودوا يخفون بعض الأسئلة عن بواعث الموقف الأميركي من قضية الصحراء، على خلفية مشروع القرار المطروح أمام مجلس الأمن، فإن الفرصة أصبحت سانحة أمام الفرنسيين للدخول على الخط. وكما أن زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك للجزائر في الأشهر الأخيرة كانت تحولاً على طريق تطبيع علاقات البلدين، فإن زيارته المرتقبة إلى الرباط في تشرين الأول اكتوبر المقبل جدولت لأهداف استراتيجية، وفي حال نجاح باريس في ارجاء الحسم في قضية الصحراء لدرس مجلس الأمن إلى الموعد ذاته يفهم لماذا اختارت باريس أن تنزل بثقلها في القضية.