بفوز الشابة الأردنية ديانا كرزون بلقب "سوبر ستار" العرب أسدل الستار على البرنامج الذي كان شغل الناس الشاغل على مدار الأسابيع الماضية. وحظي البرنامج، في مراحله الأخيرة، بدعم ورعاية رسمية على أعلى المستويات. وتحولت الحلقة الاخيرة الى تظاهرة شعبية عارمة شبيهة بتلك التي شهدناها ايام "المونديال" الأخير في كوريا واليابان. فانساح الناس في الساحات العامة، ونصبت الشاشات العملاقة، وحبست الأنفاس في اللحظات الاخيرة قبل اعلان النتائج، ثم الفرحة الغامرة أو خيبة الأمل. وتحت طائلة الوصم بالرجعية والظلامية والانتساب الى فكر المؤامرة، يمكن للمرء ان يصف هذا البرنامج بأنه جزء من ملهاة كبرى يستهدف الانغماس فيها التنفيس عن معاناة المواطن العربي اليومية، المتسمة بالاحتقان السياسي والضنك الاقتصادي والانكفاء الثقافي في وجه أمواج العولمة العاتية. ويرمي الى هروب موقت من الإحساس بحال الضعف والعجز والضياع التي تلف حياته، وتعده بمستقبل مظلم أو مجهول، على أحسن تقدير. والبرنامج نجح في صرف الانظار، ولو الى حين، عما، يتهدد الأمة من أخطار. وهو شاهد جديد على انثلام الحس العربي تجاه ما يحدث في العراق، وتبلده تجاه ما يحدث في فلسطين. وكيف يستقيم ان نلعن سايكس، وبيكو، ليل نهار، وننحني في تخلفنا السياسي باللائمة على البنية القبلية والعشائرية لمجتمعنا العربي، ثم نبتكر الأساليب التي تذكي نار العصبية، وتعمق الشعور القطري المحلي على حساب الشعور القومي والإسلامي؟ أليس في ذلك مزيدا من تكريس حال التجزئة والتفتت التي نستجير من رمضائها؟ الا ان شنآن هذه السلبيات لا ينبغي ان يجعلنا نغفل عن ومضات ايجابية جديرة بالملاحظة والتأمل، واستلهام الدروس والعبر. ففازت الشابة ديانا باللقب الميمون بنسبة اصوات لم تتجاوز 52 في المئة، وهي نسبة فضائحية، بحسب مواصفات ومقاييس عالمنا العربي، وتورث الخجل والحياء. ولكن المفاجأة كانت ان تلك النسبة لم تقلل من شرعية فوز ديانا ولم تنقص من جدارة استحقاقها اللقب بل على العكس، اكسبتها النسبة "القليلة" المزيد من الصدقية حتى بين صفوف من صوتوا لغريمتها، ناهيك عن معجبيها. واستقبال منافستها نبأ الهزيمة بصدر رحب وابتسامة عريضة، لا بل بتهنئة زميلتها على فوزها، خرق ثابتاً آخر من الثوابت الراسخة في اللاوعي العربي. ومن المؤكد ان بعض من تنوء كواهلهم بالمسؤولية فغروا افواههم دهشة لمّا رأوا السماحة والأريحية هاتين. وماذا نقول في ارتفاع مستوى الندية، في الحلقات الاخيرة من البرنامج، حتى أضحى استبعاد أحد المتسابقين أمراً جد عسير؟ أيمكن ان يشي ذلك بوفرة المواهب والكفاءات الغنائية في عالمنا العربي، وهي إن هيئ لها المناخ الحر، والفرصة المناسبة، تترعرع وتؤتي أكلها؟ وهل يمكن، ان نقفز قفزة بهلوانية جريئة فنسحب ذلك الاستنتاج على سائر الميادين والصعد، على عكس ما يوحي إلينا، بكرة وعشياً، من قبل من كفونا مؤونة المشاركة في مسيرة البناء والتنمية؟ والبرنامج وفر فرصة نادرة لشعب مهمش مقموع للمشاركة في صنع القرار، والتأثير في النتائج، ولو على حساب جيبه الخاص. إن صناعة اي جانب من جوانب الحياة، وبناء اي ركن من اركان الوطن يستدعي تعبئة طاقات ابنائه وإمكاناتهم، وهذا لا يتم الا بتهيئة الفرص المتكافئة للمشاركة الحقيقية في ذلك. ولعل مبالغة الرأي العام العربي في التفاعل مع البرنامج هو تعبير عفوي عن فرط تطلعه للمشاركة في صنع اي شيء حتى يثبت انه لم يصبح اثراً بعد عين، بل لا يزال موجوداً ينبض بالحياة. يبقى ان نسأل: هل يمكن ان تنتقل عدوى التفاعل مع "السوبر ستار" من مجال الفن والغناء الى غيره؟ وهل ثمة أمل في ان تجد هذه النقاط المضيئة طريقها لتنير مناحي الحياة في عالمنا العربي؟ هذا ما نصبو اليه ونتمناه. وائل حمادة [email protected]