كيف ينظر الناس - عامة الناس - الى الأسماء المعروفة في السياسة والثقافة؟ كيف ينظر عجائز وشبان في حواري القاهرة مثلاً الى شخصيات من طراز سيد قطب وأنور السادات وعباس محمود العقاد ونجيب محفوظ وجمال عبدالناصر وطه حسين وآخرين؟ ماذا يقولون عن هذه الأسماء؟ وماذا تعني لهم؟ "السياسة أقوى من الحداثة" عبارة عن 18 مونولوجاً ل18 شخصية مصرية معاصرة، أجرى المقابلات معها الدكتور علاء الدين عرفات الذي لا نعرف عنه سوى أنه الباحث المساعد، "الذي بذل جهداً كبيراً لالتقاط أصحاب الشهادات واقناعهم بالتكلم من غير تحفظ وأحياناً من غير استحياء". هدف هذه الشهادات الوصول إلى الوصف الدقيق لحالات احتكاكهم بالحداثة وطرق تعاملهم معها، والمؤلفة دلال البزري تحدد مفهومها للحداثة مرتين في مقدمة كتابها هذا، الذي نشرته دار ميريت القاهرة، ويقع في نحو 300 صفحة، فهي الفكرة أو السلوك أو القيمة أو النمط بمعناه المؤسس أو الاتجاه الذي وجد بتأثير من الغرب المعاصر أو بمحاكاة نماذجه. المؤلفة لم تعطِ جامع الشهادات فرصة لأن يكتب شهادته عن شهادات النماذج التي استحضرها، كما تقول صراحة انه لم تكن هناك اطر جاهزة من الأسئلة تربك صاحب الشهادة وبالتالي لم يُورّط في إجابات مطلوبة، وإن كانت الحداثة قد هُزمت من خلال هذه الشهادات، فإن المؤلفة لم تشرح بالتحديد ما تتصوره عن السياسة التي هي أقوى من الحداثة. هل هي نمط الحياة أو السائد من الأفكار أو القيم والتقاليد وشكل الحياة التقليدي؟ ما يهمني من هذه الشهادات ما قاله أصحابها عن أدباء مصر ومفكريها وصحافييها، عن موقفهم من القراءة. ذلك أنني رأيت في هذه الشهادات فرصة نادرة لأن أحاول معرفة رأي الغالبية الصامتة في النخبة المنتجة للفكر والأدب والثقافة، لأنهم يشكلون الطرف الآخر في العملية الثقافية. انه هتاف الصامتين في مواجهة كل الصراخ الذي يصدر عن هذه النخبة. لم أحذف من هذه الآراء سوى كل ما يمكن أن يشكل شتائم أو كلمات خارجة في وصف الكتاب والأدباء والمفكرين، ولم تُبدل اللغة الشعبية. محمد الشربيني 90 عاماً محمد الشربيني 90 سنة: يذكر رواية قصة مدينتين لديكنز على أنها قصة مدينتنا. أما توفيق الحكيم فهو أذكى كاتب في العالم العربي ويستحق جائزة نوبل، وآخر اسمه نجيب محفوظ. وطه حسين: مرة وفدي ومرة دستوري. والعقاد سطحي يعتمد على الفذلكة اللفظية، ولا يحب شوقي وحافظ. يحب محمود حسن - يقصد محمود حسن إسماعيل - شاعر رومانسي وكويس. وزكي نجيب محمود: سطحي. ويحب الدكتور محمد حسين هيكل ومن كتاب العالم: طاغور وفلولتير وشكسبير. كان يقرأ الموند دبلوماتيك والتايمز والهيرالد تربيون ومن الكتاب السياسيين كان يحب أن يقرأ لواحد كان يشتغل في الأهرام اسمه هيكل محمد حسنين - كاتب صاحب عبد الناصر، وكان هناك واحد اسمه أحمد بهاء الدين. سيد قطب... ضعيف البنية صالح حسين: 80 سنة، لم يتكلم عن الكتاب. عبدالعزيز عمار: 19 سنة، يتكلم عن سيد قطب: شخص ضعيف البنية. قصير القامة. - لا يقول صاحب الشهادة هل قابل قطب ورآه حتى يقول عنه هذا الوصف - ألف كتاباً: في ظلال القرآن. وكتاباً آخر: معالم في الطريق. عندما قرأت هذه الكتب - صحة الجملة: هذين الكتابين - أحسست أن الكاتب فاشل. المهم عبد الناصر حاكم الأخوان سنة 1961 وأعدم سيد قطب. وأنا تضايقت لأن سيد قطب لم يفعل شيئاً يستحق عليه الإعدام. كان يمكن أن يسجن مثلاً. وان كان عبد الناصر غير مسؤول وصلاح نصر كان هو المسؤول. بعد 1981بدأ يهتم بالثقافة حيث اهتم بغرامشي وفكره المثقف العضوي. وبعدما قرأت أفكاره باللغة العربية احسست أنه رجل هايف لأنه يقول كلام لا يفهمه غيره هو. ثم اهتممت بميشيل فوكو وقرأت نظريته عن العبقرية وقرأت كتاب الكلمات والأشياء وأحسست انه يقول كلاماً فارغاً. الثقافة أصلاً كلام فارغ - هذا الكلام يتناقض معه كلام صاحب الشهادة مع ما قاله. وما سيقوله، لانه لا يعرف لماذا يهتم بالثقافة إن كانت كلاماً فارغاً؟ يكمل: وبعد ذلك اهتممت بواحد اسمه دريدا وهو أكبر نصاب خلقه ربنا. قرأت المقالات التي كتبت عنه، وعندما جاء إلى مصر حضرت محاضراته في المجلس الاعلى للثقافة - كانت محاضرة واحدة اقرب إلى لقاء معه - عنده نظرية اسمها التفكيك، كلها كلام فارغ وتخريف. وبعد ذلك عرفت انه يهودي وأن كل الذي يهمه هو خدمة الأفكار اليهودية. وهذا الرأي توصلت إليه بعدما قرأت كتبه المترجمة تقريباً كلها - لا يحدد هذه الكتب - يقول عن الثقافة اما أن تقوي علاقتك بالناس وإما تقطع علاقتك بهم. أنا انقلبت معي على عطف على الناس وحبهم وأحسست بهم فهم مساكين. وعن العولمة يقول انه قرأ كتاباً عنها الفه كاتب مشهور، ولم يعجبه لأنه رجل أمين. هذه المرة لا يحدد الكاتب الذي لم يعجبه لسبب أمانته، أما فهمه للحداثة، فهي معناها استخدام العلم لراحة الناس، عيبها الوحيد أنها تفقد الانسان هويته. أصول السادات الأفريقية عبدالرحيم عمران: 65 سنة، يتكلم عن محمد حسنين هيكل الذي اكد الأصول الأفريقية للرئيس السادات، ومع هذا فهو لا يؤمن بالتفرقة بين الناس على أساس اللون. ويتكلم عن كتاب السادات: يا ولدي هذا عمك جمال، ولو ان ما يرويه منسوب الى عبدالله امام في احد كتبه. وعن القراءة يقول: أنا احب القراءة واقرأ ساعتين في اليوم، وانزل مصر مرة كل شهر، اشتري الكتب الجديدة. وأنزل أيضاً معرض الكتاب اشتري احدث الإصدارات العربية والأجنبية - وهذا كلام عام يفتقر الى التحديد - والعولمة مسألة قديمة جداً ليس على المستوى الاقتصادي ، ولكن على المستوى الفكري، والعولمة الموجودة في مصر هي عولمة اميركية يعني تتبنى ثقافة ماكدونالد. يكذبون ويضحكون على الناس عبدالستار فايز: 65 سنة، لا يتكلم عن المثقفين والثقافة والقراءة رغم مروره بتجربة سجن لا يحب الكلام عنها. صابرين عبد المسيح 65 سنة، تتكلم عن قاسم امين باعتباره الذي حرر المرأة: كان أخي يكلمني طول النهار عن قاسم امين وغيره، ومع هذا عندما تكون الواحدة - تكنس أمام البيت. ويظهر شيء منها يضربها. هذا هو تحرير المرأة عنده، ويظهر ان قاسم امين كان يعمل هكذا مع أمه أو أخته أو زوجته. عن المثقفين تقول إنها كانت تشاهدهم في التلفزيون فقط. وانهم يكذبون ويضحكون على الناس. زاهر اسماعيل: 62 سنة، يقول ان الحداثة اسوأ شيء في الدنيا، لأنها "قفلت بيوت وخربت بيوت كثير من الناس"، وان كان لا يقول كيف؟ ثم عبدالسميع رمضان نحو 60 سنة، يتكلم عن ابنه جمال الذي يشك في نسبه له، انه يذهب الى سوق الكتاب كل سنة - يقصد معرض الكتاب - في الصباح ولا يعود سوى في المساء ومعه الكثير من الكتب، يعلق على سلوكه: عامل وكأنه نجيب محفوظ ابن ال ....، ثم يقول عن جمال هذا انه أصبح رساماً، يقول عن نفسه انه متحرر ولكن الوالد يقول عن ابنه لمجرد انه يرسم انه منحل. القدر سيد العفيفي: 52 سنة، يعترف انه كان يذهب إلى سور الازبكية لشراء الكتب القديمة، وهذا السور ازيل الآن - وان كان لا يحدد الكتب التي كان يشتريها- محمود ابو سويلم: 48 سنة - عند قراءة اسمه، تذكرت بطل رواية "الأرض" لعبدالرحمن الشرقاوي كان محمد ابو سويلم وهو يتكلم عن التطوير الذي يعني له قلة العمال وتطوير الآلة. ويرى ان الجامعة الأميركية هي افضل مكان للتعليم في مصر، ومعرفة اللغة الانكليزية ستمكن المصري من عمل صفقات مع ديفيد وشارل وهذا يطور عمله. عبدالوهاب حسنين: 40 سنة، يقول إنه لا يقرأ في السياسة ويقرأ فقط الكتب المسلية خصوصاً أنيس منصور كتاباته تضحكني كثيراً - وان كان لا يحدد ماذا قرأ لأنيس منصور بالتحديد. زينب محروس: 38 سنة، التي تقول بعض الكلمات بالانكليزية عندما نتكلم عن محمد عبده - تنطقها محمد عبدو - وهي لا تؤمن بما تسمعه عن التقليد والحداثة وسبب تخلفنا يعود إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقدر لكل مجتمع ماذا سيكون عليه حاله. كان يستحق نوبل محمود حسنين: 38 سنة. والده ورث عن جده مكتبة كبيرة جداً معظمها من الكتب الدينية، ولهذا بدأ القراءة. توفيق الحكيم: زلزلني ، شيء رائع ، ورغم التزامي الاسلامي الا انني من عشاق الحكيم رغم خلافي معه لكنه كاتب عالمي وفنان وكان يستحق جائزة نوبل - تكرر استحقاق توفيق الحكيم لجائزة نوبل، مع عدم ذكر حيثيات هذا الاستحقاق - من يوم ما عمل يوميات نائب في الارياف وإيزيس وشجرة الحكم السياسي وبيغماليون - كتاب شجرة الحكم لا توجد فيه كلمة السياسي- ويكمل قرأت لنجيب محفوظ، اعجبني كثيراً قصته: ثرثرة فوق النيل والثلاثية وقصص الحارات المصرية والفتوات والعوالم. وهو أول واحد يقدم هذا العالم للقارئ. يوسف ادريس، هو ملك القصة القصيرة، عيبه انه ماركسي وملحد. وهذه مشكلة كل الكتاب الكويسين والمثقفين. تجدهم شيوعيين وكفرة وملحدين. وعندما يعمل صاحب الشهادة في ورشة يعطيه صاحبها بعض الكتب ليقرأها لحسن البنا وسيد قطب: في ظلال القرآن. ومعالم على الطريق - سبق ذكر هذين الكتابين بالتحديد لسيد قطب، الكتاب الأول ضخم ومسلسل ومن أجزاء - يقول عن سيد قطب انه يعيد الإسلام إلى مجده. ثم يعود ليقول إن في كتاباته رائحة عنف - في شهادة سابقة وصف لسيد قطب بأنه فاشل - ويتحدث عن اضرار الحداثة انها تخلق البطالة وتفصل الواحد من مجتمعه وتقيد الإنسان بالعزلة، لكن التقليديه فيها رائحة التاريخ والعولمة ستقوي الإسلام، لأن العولمة تجعل العالم قرية واحدة. وتنشر الثقافة الأميركية والشذوذ وهي ضد الطبيعة المصرية. إن بيع القطاع العام أيضاً من الحداثة لأن معناه نشر البطالة التي تؤدي إلى وجود أفكار هدامة. حسن محمود: 36 سنة، صعيدي متعصب للصعيد، يقول متسائلاً: هل رأيت يوماً صعيدياً خرج من بلده وعاد كما خرج؟ انه يرجع نعم، ولكن بعد أن يصبح شيئاً آخر: عبد الناصر خرج ورجع رئيس جمهورية، العقاد خرج ورجع أكبر كاتب ومفكر، طه حسين خرج ورجع وزير معارف، "لو تركوا مصر يحكمها الصعايدة سيهدوها ويبنوها خلال يومين" - صاحب الشهادة متعصب، والتعصب يفقد الإنسان القدرة على الرؤية الصحيحة، نسي أن عبد الناصر حكم مصر ثمانية عشر عاماً - يقول إن الجري وراء التكنولوجيا هو الذي ضيع كل شيء: العلاقات الانسانية الحميمة في داخلي تعيش حالة تناقض: احب الحياة وألهث وراء التكنولوجيا. هل تعرف أن صاحب هذه الشهادة مهندس؟ تليه مباشرة شهادة المهندسة ايمان كمال: 31 سنة، وهي تحدد خصوصيتها انها متدينة ومثقفة: واقرأ كتباً كثيرة، واحاول أن اتعلم وأزيد من كفاءتي، وتحاول الاستفادة من تجارب والدها ووالدتها. تعلمت من امها التدين والتطور مع المحافظة على النفس. أما والدها فقد علمها الالتزام الخلقي واحترام الكبير. مهازل كيسينجر ايمن سامي: 30 سنة، طرده والده من البيت وكان ينام في الحقل. وهذا اعطاه الخيال الواسع والرومانسية، وجعلاه يكتب الشعر والقصة ويجرب يده في الرواية، وعندما يتكلم عن دخول السادات حرب أكتوبر، يقول ان السبب هو ضغط المثقفين عليه، مثل توفيق الحكيم وغيره، ويعتبر أمل دنقل مثله الأعلى. لأنه أول من رفض السلام مع اسرائيل. وهو يرى أن الحداثة اضرت بكل شيء، لأن العولمة والخصخصة جزء من الحداثة. والعولمة ستأتي بثقافة الكوبوي. والعولمة ستجعل مصر تفقد توازنها. احمد عبدالرحمن: 30 سنة، يقول بالنسبة للمسائل الفكرية احب الدكتور مصطفى محمود لأنه رجل فاضل، والشيخ عبدالحليم محمود لأنه رجل دين مستنير، والشيخ متولي الشعراوي لأنه يفسر القرآن بطريقة شعبية يفهمها كل الناس. وإسماعيل يس لأنه يضحكني. وبهاء عبدالخالق صديق. وهو يتكلم عن قراءات أدبية كانت تعجبه ليوسف ادريس وإحسان عبدالقدوس، لأنه كان مهتماً بالجنس، واسماعيل ولي الدين لأنه مهتم بالجنس، والدكتورة نوال السعداوي كانت لديه كتب كثيرة لها، يقول عنها: هذه سيدة متحضرة ومتحررة. وهو يحب الدكتور شعلان الطبيب النفسي المعروف لكثرة كلامه عن الجنس، وهو اشترى مذكرات كيسينجر من مكتبة مدبولي، ورأى فيها مهازل، ورأيه أن المثقفين ألعن من السياسيين. من الواضح ان هذه المقابلات اجريت عام 2001 وهذا يتضح من اشارات اصحاب الشهادات. وإن كانت الباحثه ومساعدها لم يحددا المكان الذي يعيش فيه أصحاب هذه الشهادات. أيضاً فإن المؤلفة تقول في مقدمتها إن أصحاب الشهادات، لم يصرحوا بأسمائهم، والسؤال هو: من أين أتت هذه الأسماء التى أطلقت عليهم؟ هل هى افتراضية؟ ثم ان هذه الشهادات تقدم الشخصية المصرية البدائية، الشخصية الإقليمية - ثقافياً - لأنني لم أقرأ لواحد من أصحاب الشهادات كلمة واحدة عن نزار قباني مثلاً، الذي لا يوجد شاب أو شابة في مرحلة المراهقة لا يحفظ له اشعاره. فهل حدث نوع من التدخل في هذه الشهادات، حتى تخدم غرضاً ما. ثم إن هناك تكراراً لأفكار ثابتة تتردد على رغم اختلاف المثقفين الذين يتم الكلام عنهم. استحقاق الحكيم لنوبل. فاشية سيد قطب، سطحية بعض الكتاب الخ، اعترفت المؤلفة في المقدمة بإعادة إنتاج لغة الشهادات حتى تصل إلى لغة أدبية جميلة، فهل كان التدخل أبعد من مجرد إعادة النظر في الصياغة؟ لفت نظري في الشهادات، أن أحداً لم يتكلم عن موال شعبي أو ملحمة شعبية أو بطل شعبي، على رغم أن معظم أصحاب الشهادات من الذين يعيشون في قاع المجتمع المصري الآن. كل هذا لا يقلل من أهمية الكتاب.