التسامح.. سمة سعودية !    أيها الشباب: هرولوا نحو هاوي    الكهولة وزمن النادبات    سفارة المملكة في السويد تقيم حفل إفطار رمضاني    اتصالات أمريكية أوكرانية لتوقيع اتفاق المعادن    «حقوق الإنسان» و«منظمة الهجرة» توقّعان اتفاق المرحلة الثالثة لمشروع تعزيز آليات مكافحة الاتجار بالأشخاص في المملكة    أمير منطقة الرياض يقلّد مساعد مدير مرور المنطقة رتبته الجديدة    1000 متطوع في مبادرة «أبشر بالخير» بالحدود الشمالية    العنزي مشرفاً على الاقتصاد الكلي في وزارة المالية    الحقيقة !    «الشؤون الإسلامية» تقيم مأدبة إفطار للصائمين بالجبل الأسود    أول لقاء بين السيسي وأحمد الشرع    المملكة ترفُض المَساس بوحدة السودان    القبض على إثيوبي في جازان لترويجه مواد مخدرة    غرامة 1,4 مليون ريال لمصنع مستحضرات صيدلانية وإحالته للنيابة    خيسوس حزين لخسارة لاعبين بسبب الإصابة أكثر من الهزيمة أمام باختاكور    سماء العُلا يعود في أبريل    فعاليات ثقافية في جدة التاريخية    البشوت النسائية تدخل عالم الموضة وتنافس الرجالية    أحياء المدينة تستعيد تقاليدها الرمضانية    صيانة 781 مسجدا بالأحساء    4 ملايين فحص لنقل الدم بالمناطق    «وول ستريت».. السوق متوتر ومستويات القلق للمستمثرين مرتفعة    فيصل بن مشعل: مشروع نقل المياه (الجبيل - بريدة) يجسد حرص القيادة    أمير الرياض: جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن عظيمة في مضمونها ومنهجها وفي عملها    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يعيد الأصالة العمرانية لمسجد الرويبة    سعود بن نايف يستقبل المهنئين في رمضان.. ويطلع على أعمال "الذوق العام"    سعود بن نهار يشارك قادة ومنسوبي القطاعات الأمنية في الطائف الإفطار الرمضاني    تأكيد سعودي - لبناني على تعزيز العمل العربي وتنسيق المواقف تجاه القضايا المهمة    أمير المدينة المنورة: منظومة متكاملة لخدمة المصلين والزوار    عقدة غياب الدون تطارد العالمي    تجمع الرياض يطلق حملة "صم بصحة"    وزير الدفاع يبحث مع نظيره السلوفاكي المستجدات    ليلى عوض.. الغياب الذي لم يمحُ الأثر    نيفيز ينقذ جيسوس من ورطة الظهير    وزيرة الخزانة البريطانية: سنتأثر بالرسوم الجمركية الأمريكية    8 جامعات تتنافس على لقب دوري كرة الطائرة    أفضلية طفيفة لباختاكور في أوزبكستان بعد أداء باهت من الهلال    سيميوني وأنشيلوتي.. مواجهة كسر عظم    192 نقطة انخفاض للأسهم.. التداولات عند 6.4 مليار ريال    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يصل القاهرة للمشاركة في القمة العربية غير العادية    من الرياض.. جوزيف عون يعلن التزامه باتفاق الطائف وسيادة الدولة    الإيمان الرحماني مقابل الفقهي    أبٌ يتنازل عن قاتل ابنه بعد دفنه    مهرجان "سماء العلا" يستلهم روح المسافرين في الصحاري    قدموا للسلام على سموه وتهنئته بحلول شهر رمضان.. ولي العهد يستقبل المفتي والأمراء والعلماء والوزراء والمواطنين    ترامب يبحث ملف المساعدات.. وروسيا تشدد مواقفها.. مساع أوكرانية – أوروبية لإصلاح العلاقات مع أمريكا    عقوبات ضد الشاحنات الأجنبية المستخدمة في نقل البضائع داخلياً    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بشهر رمضان    نائب أمير منطقة مكة يطّلع على الخطط المستقبلية للمديرية العامة للسجون    قطاع ومستشفى تنومة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للزواج الصحي"    جمعية «أدبي الطائف» تعقد أول اجتماع لمجلسها الجديد    والدة الزميل محمد مانع في ذمة الله    أمير القصيم يرفع الشكر للقيادة على إعتماد تنفيذ مشروع خط أنابيب نقل المياه المستقل (الجبيل – بريدة)    تعليق الدراسة الحضورية بتعليم مكة والجموم والكامل وبحرة    المشي في رمضان حرق للدهون وتصدٍ لأمراض القلب    تأثيرات إيجابية للصيام على الصحة النفسية    قال «معارض سعودي» قال !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار في أوسلو بين هفال وزوزان الجالسين على حافة كرديتهما
نشر في الحياة يوم 16 - 09 - 2003

لا شيء يجمع بينهما. هما يختلفان في كل شيء تقريباً: في أفكارهما وميولهما وقناعاتهما وذوقهما وطموحاتهما. حتى ان هناك اختلافاً في مظهرهما الجسدي. هفال في العشرين من عمره، أسمر، أسود الشعر، يحمل سحنة شرقية بارزة. زوزان في الثانية والعشرين من عمرها، شقراء، تبدو في ملامحها اسكندنافية. ثمة شيء مشترك: هما كرديان ولدا في السويد، ويدرسان الكومبيوتر معاً في استوكهولم. يبدو هفال وكأنه جاء لتوه من قرية نائية في جبال كردستان، فيما تلوح زوزان وكأنها تنحدر من الفايكنغ أجداد السويديين.
مع هذا فالآية معكوسة بالكامل.
تتكلم زوزان الكردية بيسر وتزخر كلماتها بالإشارات المأخوذة من الذهنية الكردية. لا شيء في لكنتها أو طريقة نطقها للكلمات أو أسلوب حديثها يوحي باغتراب أو قطيعة مع الموروث الثقافي الكردي.
يستوعب هفال ما يقال حينما يتحدث أحدهم بالكردية ولكنه، هو نفسه، لا يستطيع ولا يريد التكلم بها. "لست ضدها. أقصد اللغة الكردية".
يقول هفال ضاحكاً كأنه يدافع عن نفسه: "لا أكره اللغة الكردية. ولكن لا أحبها أيضاً. كوني من عائلة كردية لا يعني أن أتكلم الكردية بالضرورة".
لا توافقه زوزان ذلك "ما معنى أن يكون المرء كردياً إن لم يتكلم لغته الأم؟ هل هناك سويدي لا يتكلم السويدية؟".
يتهيأ مشروع حوار بين الإثنين. أخمّن أنهما سبق أن تحدثا في الموضوع. أشارك في الحديث بين الفينة والفينة مبدياً رأياً أو ملاحظة. يفهم هفال ما أقوله بالكردية وأستوعب معظم ما يقوله هو بالسويدية. ثمة قرابة عميقة بين اللغتين النروجية والسويدية إلى حد تبدوان وكأنهما لهجتان في لغة واحدة. وهما، على الارجح، كذلك.
تقول زوزان انها تشعر بالاعتزاز لكونها من أصل كردي. وفي رأيها أن هذا الأمر يعمق إحساسها بالانتماء إلى ثقافتين ويغني شخصيتها ويفتح أمامها أكثر من نافذة للإطلال على العالم.
يقول هفال ان هذه "كليشهات" رائجة لا معنى لها.
فالمهم ليس الانتماء الى الجماعة، بل رؤية الشخص الفردية للأشياء. وقد يكون شخص سويدي أو نروجي أو ألماني... إلخ أكثر تشرباً للثقافة الكردية من شخص كردي. هناك أوروبيون كثر يتعاطفون مع القضايا الكردية أكثر من الأكراد أنفسهم.
لا تتردد زوزان في الرد: "ولكن أن تتعاطف شيء وأن تحس بالانتماء شيء آخر. فأن تكون كردياً يعني أن تملك ذلك الشعور الذي يجعلك تتفاعل عاطفياً مع الحال الكردية".
تتوقف زوزان لحظة ثم توجه كلامها لي: "في البيت أحضر وجبات الأكل الكردية وأسمع الموسيقى الكردية ولديّ نماذج مختلفة من الأزياء التقليدية الكردية".
يهتف هفال: !Nonsense ويضيف: "أستطيع أن أحضر وجبات أكل صينية أو ايطالية من دون أن أكون صينياً أو إيطالياً. كما أنني أستمع الى الموسيقى الأميركية والإسبانية والتركية وأرتدي ما يعجبني من الأزياء. لا علاقة لهذه الأشياء بهذا المرض الذي تسمينه إنتماء قومياً".
تنفعل زوزان وينتابها الارتباك. تحاول أن تقول شيئاً ثم تصمت. يلتمع بريق غامض في عينيها فيما يطفو على وجه هفال شبح ابتسامة خبيثة.
تحدّق زوزان في الفراغ ثم تنظر إليّ وتقول: "ولكن الانتماء القومي حقيقة وإلا ما معنى أن يكون المرء سويدياً أو فرنسياً أو يابانياً أو عربياً إلخ. هل هذه مجرد أوهام؟".
يبدو هفال وكأنه كان يتوقع شيئاً كهذا فهو يسرع في الرد: "هي ليست أوهاماً ولكنها ليست أكثر من مظاهر عابرة. ليس للفرد يدٌ في أن يكون ولد في عائلة كردية أو نمسوية تماماً مثلما ليس له يد في أن يكون طويلاً أو قصيراً، أشقر أو أسود. الإنتماء الحقيقي هو ذلك الذي ينشأ بعد أن يكون المرء تحرر من شرنقة الجماعة المفروضة عليه وامتلك رؤيته الفردية الخاصة. آنذاك يمكنه أن يعيّن مكانه في هذا العالم باستقلال تام عن الوراثة. أنا كردي ليس بسبب ولادتي في عائلة كردية بل لأنني أريد ذلك. وفي الوقت نفسه أحس نفسي سويدياً وأميركياً وغير ذلك. عائلتي كردية وثقافتي سويدية وأتكلم الإنكليزية وأتناول الطعام الياباني والصيني وأسمع الموسيقى الإسبانية. أنا أنتمي الى هذه الأشياء كلها".
ويمضي الحوار بين هفال وزوزان.
يصعب عليّ أن أنحاز إلى أيّ منهما.. كل واحد منهما يقول رأياً. يتسلح الإثنان بأدوات الإقناع. أكتفي بالإصغاء إليهما والتعليق على فكرة هنا أو هناك. يطول الحديث ويتشعب. وفي حين تنفعل زوزان ويبلغ بها الأمر أحياناً حد البكاء، فإن هفال يبقى هادئاً كما لو كان يجادل في معادلة حسابية.
أحسب أن هذا مشهد بالغ في التنوع الذي يكتنف حال المهاجرين الذين اختاروا العيش، لأسباب شتى، في أوطان أخرى ذات تقاليد وأعراف ولغات وثقافات تختلف عن تلك التي تركوها خلفهم. ولكنهم إذا فعلوا ،فإن الأواصر مع ماضيهم لم تنقطع بالكامل. وسواء في قاع الروح أم في المظاهر الحسية من لباس وغناء ورقص وموسيقى وطعام وشراب، فضلاً عن اللغة والثقافة، فإن الأجيال الناشئة تنهض وهي تحمل على أكتافها ميراثاً ضخماً، تختلف ردود الفعل عليه وتتباين المواقف حياله. هناك من يتماهى معه ويستقبله بحنان ويتشرب نسغه فيدخل في تكوين شخصيته وتعيين سلوكه، وهناك من يدير له ظهره ويرفض ويستنكر حضوره ويعلن القطيعة معه، مفضلاً دفن كل ذلك مع الماضي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.