وجّه تنظيم "القاعدة"، في الشريط الذي تحدث فيه زعيمه أسامة بن لادن ونائبه الدكتور أيمن الظواهري وبثّته قناة "الجزيرة" مساء الأربعاء، راجع ص7 أكثر من "رسالة". فما هي؟ وماذا يمكن ان يُقرأ "بين سطور" ما قاله زعيما التنظيم؟ أمور عدة، بينها: 1 - تجاهل بن لادن والظواهري الإشارة الى تفجيرات الرياضوالدار البيضاء في 12 و16 أيار مايو الماضي. ويعني ذلك ان التسجيل اُنجز، على الأرجح، قبل ذلك التاريخ ربما في نهاية نيسان/ابريل أو مطلع أيار. ولا يُعتقد بأن بن لادن كان سيتجاهل تفجيرات الرياض لو حصلت قبل التسجيل، علماً بأن الأدلة المتوافرة حتى الآن تؤكد علاقة المنفّذين ب"القاعدة"، بخلاف تفجيرات الدار البيضاء. ويقول ناشطون إسلاميون ان "القاعدة" تركت لخلاياها حرية اختيار مواعيد التفجير والأهداف، بخلاف ما كان يحصل قبل 11 أيلول سبتمبر عندما كانت القيادة في أفغانستان تُشرف على كل تفاصيل العملية حتى بيانات تحمّل المسؤولية كانت تُعد سلفاً، كما حصل في تفجير السفارتين في شرق افريقيا عام 1998. 2 - تكلّم بن لادن والظواهري في الشريط الجديد، إلا ان الأول أخذ، كما يبدو، دوراً "ثانوياً" مقارنة مع الثاني. إذ ظهر زعيم "القاعدة" كأنه "الأب الروحي" لتيار إسلامي يحمل فكر تنظيمه ويحض المسلمين على "الجهاد"، في حين مثّل الظواهري، زعيم "جماعة الجهاد" المصرية، دور "المُنظّر" لفكر التنظيم والمُشرف مباشرة على رسم سياسته والأهداف التي يريد تحقيقها. وجاءت كلمته مدروسة بعناية وحملت "رسائل" التنظيم. 3 - دق الظواهري مجدداً "إسفيناً" بين الولاياتالمتحدة والدول الغربية، من خلال قوله ان "القاعدة" لا تريد البدء باستهدافهم قال: "لسنا دعاة قتل وتدمير لكننا سنقطع، بعون الله، أي يد تمتد لنا بعدوان". وكان بدأ العام الماضي بدق هذا الإسفين عندما دعا الدول الغربية الى تحييد نفسها عن سياسة واشنطن، وإلا فإن ضربات "القاعدة" ستطاولها مثلما حصل للفرنسيين في باكستان تفجير باص المهندسين واليمن تفجير الناقلة "ليمبورغ" وللألمان في جربة التونسية. ولا يُعرف هل تلقت فرنسا تحديداً "رسالته"، إذ قال بيار بوسكيه، رئيس جهاز مكافحة التجسس الفرنسي، أمس ان بلاده ليست "هدفاً مباشراً للإرهاب الإسلامي" بسبب موقفها المعارض لأميركا في حرب العراق. 4 - سعى الظواهري الى تأليب الشعبين الأميركي والبريطاني على جورج بوش وتوني بلير، مركّزاً على مدى تأثر الرأي العام بمناظر جثث الجنود تعود الى أوطانها في صناديق. وأكد، في هذا المجال، ان "القاعدة" تخوض حرباً طويلة الأمد ومستعدة لمزيد من التضحيات في "حرب استنزاف" لا يتحملها الغرب كما يحصل في العراق حالياً. 5- تفادى الظواهري الإشارة الى عدم قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات قبل تفجيرات الرياض، مُقدّماً تعريفاً للتنظيم لا يقوم على هيكلية مرتبطة بأشخاص. ف"القاعدة" ليست أسامة بن لادن بل "هي طليعة أمة مسلمة أرادت ان تُقاتلكم حتى آخر رمق". وبذلك. لم يعد التنظيم جماعة بعينها، بل جزء من الأمة، وبالتالي لا يمكن القضاء عليه. وبهذا التعريف "الفضفاض"، بات بامكان "القاعدة" ان تتبنّى أي عمل ضد المصالح الغربية، من دون ان تكون لها علاقة تنظيمية بالمنفّذين. 6 - جعل قضية فلسطين محورية في أي علاقة مستقبلية مع الغرب: "لن نترك أمريكا تحلم بالأمن حتى نعيشه واقعاً في فلسطين وكل بلاد الإسلام". ويُلاحظ انه لم يُشر الى العملية المزدوجة التي قام بها التنظيم في مومباسا العام الماضي واستهدفت فندقاً وطائرة اسرائيليين. 7 - ركّز على العراق داعياً "إخواننا المجاهدين" الى "افتراس الأمريكان" ودفنهم في "مقبرة العراق". وهنا أيضاً لم يظهر من كلامه نسبة أي عمل من أعمال المقاومة الى تنظيمه. كما انه لم يُشر بالإسم الى الرئيس السابق صدام حسين ونظامه، لا سلباً ولا إيجاباً. وربما مرد ذلك رغبة "القاعدة" في عدم معاداة أي طرف من الأطراف التي تقاتل الأميركيين. 8 - حاول "دق إسفين" جديد بين كابول وإسلام آباد من خلال تأليب الثانية على الأولى التي اتهمها ب"جلب الهنود الى حدود باكستان الغربية"، وهي تهمة خطيرة في ضوء الخوف المتبادل بين الجارين النووين. وهنا صب الظواهري جام غضبه على نظام الرئيس برويز مشرف داعياً الجيش الى قلبه، ونظام حامد كرزاي الذي يضم من "كانوا ينتسبون يوماً ما الى الجهاد" تحالف الشمال. 9 - حذّر دولاً من مغبّة تسليم أفراد التنظيم الى الأميركيين. ولا شك في انه قصد خصوصاً ايران التي تُقر باعتقال عدد من قادة التنظيم يتردد ان بينهم الناطق باسمه سليمان ايو غيث. وتقول تقارير ان الايرانيين يعتقلون أيضاً بعض مسؤولي "جماعة الجهاد" بزعامة الظواهري. ...أما في "قراءة" الصور التي حملها الشريط، فماذا نرى إذا أسكتنا الصوت واكتفينا بالمشهد؟ بطبيعة الحال هناك الخلاء الذي استهوى، منذ سحيق القرون، أصحاب الرسالات. فنحن كما لو أننا أمام عالم وعر يشبه الطبيعة الأولى التي لم تمسسها قدم بشرية قبل "الشيخين" بن لادن والظواهري. الصورة بذاتها معبّرة عن ذلك "الأول" و"البدئي" السابق على الاجتماع الانساني المتمدّن. واستكمالاً لهذا الديكور البرّي، يسير الاثنان سير راعيين في الوحشة، وفي اليد عصا. فكما لو أنهما يمثّلان في الواقع صورة سبق أن قرآ عنها في أساطير الخلق، أو شاهداها في فيلم سينمائي قديم. فمشي الرعاة وحمل العصا، مثلهما مثل الصعود إلى هضبة أو الهبوط إلى وادٍ أو التعريج على كهف، لوحتان طبيعيتان بامتياز. هكذا يميل مشاهد الصورة الى "استكمالها" بافتراض القطعان والماشية أكثر مما بافتراض البشر.