يتحدث مسؤولون فلسطينيون عن "المطلوبين" من جانب إسرائيل وكأنهم مشكلة وعبء أو كأنهم مذنبون ومتهمون، ولعلهم مع دخول الأميركيين على الخط أصبحوا أيضاً "مطلوبين" أميركياً من قبيل التضامن مع الإسرائيليين. الجديد في قضيتهم أن السلطة الفلسطينية "الجديدة" تسعى إلى حل، لكنها تتصرف على أن وضعهم ك"مطلوبين" إسرائيلياً يوجب عليها أن تعتبرهم مطلوبين لديها أيضاً. أي أنها تعامل مواطنيها وفقاً للوائح وضعتها عصابة أمنية إسرائيلية، وليس وفقاً لموجبات فلسطينية بحتة. والعذر الأقبح من ذنب الذي تتعلل به السلطة هو أن السجن أكثر اماناً لهم طالما ان إسرائيل تطاردهم، فإما أن تتمكن من القبض عليهم أو تغتالهم. أين الهدنة، إذاً، وأين منطقها، إذا لم تكن هناك مرجعية تستطيع أن تلغي تلك المطاردة أو تمنع ذلك الاغتيال؟ وما معنى الخروج من الانتفاضة، ووقفها، إذا كان لإسرائيل حق مكتسب ومعترف به بأن تعاقب من تشاء بالقتل أو بالاحتجاز. وإذا كانت تتمتع فعلاً بهذا الحق، فلا بد أن هناك من رضخ له ووافق بالتالي على معايير احتجاز الرهائن - الأسرى بل طلب المزيد منهم. لكن، ما معنى أن يكون هناك "مطلوبون" إذا كانت إسرائيل زجت بالشعب الفلسطيني كله في سجن كبير، حتى أصبح الجميع رجالاً ونساء وأطفالاً بحكم "المطلوبين"؟ وما معنى أن يكون فرد ما مطلوباً سوى أن رؤساءه مطلوبون أيضاً، وهل يعتبر الإسرائيليون الرئيس ياسر عرفات شيئاً آخر غير أنه "مطلوب"؟ وغداً، إذا طرح شارون مشروعه للتسوية النهائية وحاول فرضه على "أبو مازن" ولاقى رفضاً، فما الذي سيمنع مجرم الحرب الليكودي من القول ان إسرائيل لم تعد قادرة على التعامل مع محمود عباس وحكومته، سواء كانت هناك انتفاضة في الشارع أو لم تكن؟ الجنود الإسرائيليون الأكثر اجراماً وتفظيعاً ينالون الأوسمة والترقيات وشهادات التقدير. أيديهم ملطخة بالدم واسماؤهم معروفة. هناك من يوصفون بأنهم أصحاب أرقام قياسية في عدد ضحاياهم الفلسطينيين. لم يصل أي منهم إلى مصاف زعيمهم شارون في الاجرام، لكن تاريخه الأسود مهّد لهم الطريق، فضلاً عن أنه يشاركهم ارتكاباتهم. وليس بين هؤلاء مطلوب واحد إلى أي محكمة، إلى أي عدالة، فهم يعيشون خارج القوانين وخارج العصر، تحت مظلة أميركية تحمي من تشاء وتستثني من تشاء. هؤلاء المجرمون هم الذين يحددون من هو مطلوب أو غير مطلوب من الشعب الفلسطيني. خسارة كبيرة وخطأ أكبر أن تعترف الحكومة الفلسطينية، كما هو بادٍ حتى الآن، باللوائح الإسرائيلية. إذ قيل ان "المطلوبين" المحتجزين في "المقاطعة" سيضاف إليهم عدد من الذين قبض عليهم في أمكنة أخرى، وان جميعهم سينقلون إلى سجن أريحا. المهزلة انهم، حتى بهذا التفكير التعيس، وجدوا أن هناك مشكلة في حماية هؤلاء المطلوبين، وبدأوا يبحثون عن "ضمانات دولية" لحمايتهم ومن ثم لنقلهم الى المكان "الآمن" ! وقد يعيدون طلب تكرار سيناريو اخراج المقاومين من كنيسة المهد تحت الحماية البريطانية. لا شك ان قبول الحكومة الفلسطينية باعتبار هؤلاء "مطلوبين" هو اختبار فرضته اسرائيل وتبدو انها في صدد تحقيق هدفها منه، اما الجانب الفلسطيني الذي قد يقدم قبوله ك"تضحية" من اجل مصلحة وطنية فلا يستطيع القول انه ضامن تلك المصلحة حتى لو رضخ لكل الشروط. قد يبدو موضوع "المطلوبين"، وحتى موضوع الاسرى الرهائن، تفاصيل يجب الا تعطل المسيرة الاساسية. وقد يقال ان للفلسطينيين ايضاً مطلوبين اكثر اهمية: الارض والدولة، وهما من ابرز الرهائن المزمنين المحتجزين بين فكي الاحتلال، وللحصول عليهما لا بد من التضحية بالبشر. ولكن هؤلاء "المطلوبين" لماذا هم "مطلوبون"، لأنهم خالفوا أوامر أم لأنهم نفّذوا أوامر أم لمجرد ان اسرائيل تطلبهم لتستكمل تصفيتها لجيل من المقاومين؟ في أي حال تبدو "عصابة شارون موفاز" واضحة في ان الاغتيالات والاعتقالات تسعى الى الغاء جيلين على الاقل من المقاومين. هذه أوهام لا تؤمن بها سوى عقليات اجرامية، الا ان الجانب الفلسطيني يخسر كثيراً اذا استسلم لتلك العقليات وسايرها. الحاصل الآن ان شارون وعصابته يعرضان حكومة "ابو مازن" لاختبارات سلوكية، ولم يقررا بعد اي خطوة جدية على "خريطة الطريق".