محافظ صبيا يؤدي صلاة الإستسقاء بجامع الراجحي    27 سفيرا يعززون شراكات دولهم مع الشورى    المملكة تشارك في الدورة ال 29 لمؤتمر حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    مصير غزة بعد هدنة لبنان    في «الوسط والقاع».. جولة «روشن» ال12 تنطلق ب3 مواجهات مثيرة    الداود يبدأ مع الأخضر من «خليجي 26»    1500 طائرة تزيّن سماء الرياض بلوحات مضيئة    «الدرعية لفنون المستقبل» أول مركز للوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا    السعودية ترأس اجتماع المجلس التنفيذي ل«الأرابوساي»    وزير الصحة الصومالي: جلسات مؤتمر التوائم مبهرة    السياحة تساهم ب %10 من الاقتصاد.. و%52 من الناتج المحلي «غير نفطي»    سلوكياتنا.. مرآة مسؤوليتنا!    «الكوري» ظلم الهلال    شخصنة المواقف    أمير تبوك يستقبل رئيس واعضاء اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم    أمانة القصيم تنجح في التعامل مع الحالة المطرية التي مرت المنطقة    النوم المبكر مواجهة للأمراض    نيمار يقترب ومالكوم يعود    الآسيوي يحقق في أداء حكام لقاء الهلال والسد    الملك يضيف لؤلؤة في عقد العاصمة    أنا ووسائل التواصل الاجتماعي    التركي: الأصل في الأمور الإباحة ولا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص    النضج الفكري بوابة التطوير    برعاية أمير مكة.. انعقاد اللقاء ال 17 للمؤسسين بمركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة    الذكاء الاصطناعي والإسلام المعتدل    وفاة المعمر الأكبر في العالم عن 112 عامًا    الموارد البشرية توقّع مذكرة لتأهيل الكوادر الوطنية    قيصرية الكتاب تستضيف رائد تحقيق الشعر العربي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    الشائعات ضد المملكة    الأسرة والأم الحنون    سعادة بطعم الرحمة    تميز المشاركات الوطنية بمؤتمر الابتكار في استدامة المياه    وزير الرياضة: دعم القيادة نقل الرياضة إلى مصاف العالمية    بحث مستجدات التنفس الصناعي للكبار    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالريان يُعيد البسمة لأربعينية بالإنجاب بعد تعرضها ل«15» إجهاضاً متكرراً للحمل    في الجولة الخامسة من يوروبا ليغ.. أموريم يريد كسب جماهير مان يونايتد في مواجهة نرويجية    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة من أمير الكويت    دشن الصيدلية الافتراضية وتسلم شهادة "غينيس".. محافظ جدة يطلق أعمال المؤتمر الصحي الدولي للجودة    "الأدب" تحتفي بمسيرة 50 عاماً من إبداع اليوسف    المملكة ضيف شرف في معرض "أرتيجانو" الإيطالي    تواصل الشعوب    ورحل بهجة المجالس    إعلاميون يطمئنون على صحة العباسي    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    تقليص انبعاثات غاز الميثان الناتج عن الأبقار    الزميل العويضي يحتفل بزواج إبنه مبارك    احتفال السيف والشريف بزواج «المهند»    يوسف العجلاتي يزف إبنيه مصعب وأحمد على أنغام «المزمار»    «واتساب» تختبر ميزة لحظر الرسائل المزعجة    اكتشاف الحمض المرتبط بأمراض الشيخوخة    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هؤلاء هم المرجفون    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعدما أحلت الإدارة الأميركية العبث مكان البعث . هل تحكم نظرية "الدومينو" المقاومة العراقية ؟
نشر في الحياة يوم 28 - 08 - 2003

ربما كان السؤال الذي يشغل بال المحللين العسكريين هو: من يكون الأب الروحي للمقاومة العراقية؟ ولكن بعيداً من هذا المنطق الشكلي للسؤال، فإن مضمون ما يحدث يشير إلى أن ما يجرى هو "مرحلة أخرى" من الحرب غير النظامية التي كانت مؤسسات صدام حسين قررت خوضها قبل أن تتشتت تحت ضغط القوى الصاروخية الأميركية في بغداد، مضافة إليها إفرازات الغضب وتداعيات الفوضى الناتجان عن سوء أداء الإدارة الأميركية للعراق التي أحلت العبث مكان البعث، والقبائل بأطيافها المذهبية والإثنية مكان الدولة الوطنية.
كانت هناك منذ البداية أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات حقيقية قبل إصدار أحكام قاطعة بأن عمليات المقاومة في العراق تمثل "عنفاً مسلحاً" على رغم ظواهر واضحة تشير إلى وجود حدود للتطابق بين مفهوم المقاومة وما يجرى فعلياً على الأرض. وأتاح هذا الوضع لعناصر الحرس الجمهوري وفدائيي صدام البدء في تنفيذ ما لم تتمكن من تنفيذه قبل التاسع من نيسان أبريل، وهو أشكال مختلطة من حرب العصابات التي لا تزال في بداياتها، وقد تتحول إلى أشكال أكثر تطوراً في ظل السباق الماراتوني بين المقاومة والإدارة الأميركية على الشارع العراقي. غير أن حدثين مهمين ألقيا بظلالهما على الساحة العراقية: الأول إنشاء "مجلس الحكم الانتقالي" في ظل ملابسات عراقية محلية تؤشر إليها عمليات المقاومة المسلحة ضد القوات الأميركية، خصوصاً في وسط العراق وشماله، وملابسات أميركية - بريطانية تثير غباراً كثيفاً عن الأهداف الحقيقية للحرب. والثاني، مقتل عدي وقصي صدام حسين، وما قد يؤدي إليه من توسيع للمقاومة في جميع الأراضي العراقية، خصوصاً أن هذه المقاومة ما زالت تعاند في مناطق الجنوب بسبب "عقدة" صدام حسين ونظامه.
حاولت الولايات المتحدة أن تبرر الاحتلال حتى تنزع مشروعية المقاومة على رغم أن الحق في المقاومة لا يرتبط بطبيعة الاحتلال، وأن المقاومة تستمد شرعيتها من القانون الدولي العام وليس من القانون الأميركي. ولكن إذا كانت المقاومة للاحتلال الأميركي احتجاجاً على الاحتلال نفسه وما يمثله مثلما هي احتجاج على سياسات الاحتلال وخططه ومخططاته، وأخطرها تحويل العراق إلى "بانتوستانات" مثلما كان الحال في جنوب أفريقيا وتمكين إسرائيل من العراق بعد إفراغه من روابطه القومية والدينية، فإن هذه المقاومة تلغي الكثير من محاولات التشكيك، بعضها من الجانب العراقي وبعضها الآخر من الجانب العربي. وتمكن ملاحظة موقف "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" الذي دعا إلى إتباع المقاومة السلمية. وفسر المجلس موقفه بأن المقاومة العراقية هي من فلول النظام السابق، وأن تشجيعها يعني إعادة الساعة إلى الوراء. كما اعتبر المندوب السامي الأميركي بول بريمر أن المقاومة "دليل على أن صدام لا يزال حياً"، في إشارة إلى ما بلغته المقاومة من أقصى مدى لها في المثلث السني الذي تنتمي إليه الغالبية العظمى من عناصر مؤسسة صدام.
وهنا قد يحتل الدين بالنسبة إلى نظرية "الدومينو" في العراق، ما كانت تمثله الوطنية بالنسبة إلى نظرية "الدومينو" في فيتنام. ويبدو أن المفكر قزحيا برلين استطاع أن يلتقط الطبيعة الدينية المقاومة للهيمنة الأجنبية، واصفاً إياها في أحد تعبيراته المجازية عن "الديناميات السياسية للمقاومة الوطنية التي أخرجتنا من فيتنام" بأنها أشبه ما تكون ب"الغصن المنحني" الذي يرتد على نحو أعنف كلما دفعته في شكل أقوى.
غير أن عوامل أخرى غير الدين قد تزيد من وتيرة المقاومة وتسهم في تمددها جنوباً، أهمها أن لدى الولايات المتحدة أجندة تعمل على تحقيقها في العراق خدمة لمصالحها. ويمكن تحديد عناصر هذه الأجندة في إلغاء الجيش العراقي بحجة ارتباطه بالنظام البعثي، ونشر قوة عسكرية كبيرة قادرة على القضاء على كل أشكال المقاومة، والسيطرة على النفط العراقي لاستكمال قوس التحكم في السياسة النفطية في العالم من آسيا الوسطى وحتى العراق انتاجاً وتسعيراً، وتفتيت العراق مناطقياً على أسس إثنية - مذهبية في محاولة لإلغاء الدولة الوطنية العراقية جاء تشكيل المجلس الانتقالي بالصورة التي خرج بها تأكيداً للتوجه الأميركي لتقسيم العراق إلى فيديراليات، ونشر قواعد دائمة في العراق.
هذه الأجندة ستكون لها تداعياتها المحتملة خصوصاً بعد تشكيل المجلس الانتقالي واعتباره سلطة تنفيذية، ما يشير إلى أنه ليس مؤسسة سيادية قادرة على تمثيل العراق شعباً ودولة في الداخل أو في الخارج. فطالما أن الذي عين أعضاء المجلس هو ممثل الاحتلال، سيكون من غير القانوني أن يُتعامل مع المجلس باعتباره مؤسسة سيادية لها سلطة الحكم. ولا شك في أن التداعيات الناتجة عن هذه الوقائع يمكن تحديدها كما يأتي:
1- إن سلوك بريمر في العراق كان كافياً للقضاء تماماً على شعور الامتنان الذي يفترض أن يكون بعض المراقبين أحسوا به تجاه الولايات المتحدة بعد زوال نظام صدام حسين.
2- إن الطابع الشعبي المنظم لعمليات المقاومة ينذر بتحولات أكثر عنفاً إذا قتل صدام، وقد يتحول العراق، إلى مستنقع للقوات الأميركية، بعد دخول مناطق الجنوب - القابل للاشتعال - في المقاومة المسلحة. إذ إن غياب العائلة "الصدامية" يعني امتداد المقاومة إلى كل مناطق العراق.
3- دخول الأطراف الإقليمية وتحديداً إيران وسورية للحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قد يساعد في إفشال الخطط الأميركية في المنطقة، بخاصة أن للمشروع الأميركي المنتشي بنصر "تحرير العراق" أكثر من طموح استراتيجي، إذ يهدف إلى تعويم البلاد في بحر اللاتمأسس واللاوضوح السياسي والدستوري، أي ترك البلاد عرضة لتفكيك هويته الوطنية إلى هويات مذهبية وإثنية وعشائرية.
قد يكون الإنسان ضد فكرة القومية العربية كما طرحها حزب البعث، وهي شكلت التباسات في المجتمع العراقي المتعدد الإثنيات والمذاهب، أما أن يكون ضد العروبة بما تحمله من قيم يتفق عليها جميع العراقيين، فهذا ما يستدعي التوقف عنده وعند مخاطره. ويمكننا هنا اعتبار الاتحاد الأوروبي مثالاً صارخاً. فالأوروبيون اجتمعوا في هذا النادي ليس لأن أوروبا تشكل قومية، بل لأنها تحمل قيماً اتفقت عليها جميع أمم هذه القارة، وما ينطبق على أوروبا في هذا المفهوم، من الممكن تطبيقه على العالم العربي خصوصاً في العراق.
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.