من جهة يمكن القول ان قمتي شرم الشيخ والعقبة فتحتا مرحلة جديدة للبحث عن حل للمسألة الفلسطينية، وبالتالي يمكن الرهان على الخيارات المتاحة كونها تنهي مرحلة الأفق المسدود وترك الوضع تحت رحمة الارهاب الاسرائيلي. ومن جهة أخرى أشاعت القمتان أجواء تبدو اسرائيل وحدها مؤهلة للاستفادة منها، لتظهر التطورات الراهنة كأنها اعتراف لحكومة شارون بأنها تصرفت على نحو صائب طوال السنتين الأخيرتين، باعتبار انها ادعت بأنها في حرب مع الارهاب وأن الولاياتالمتحدة تبنت هذه الذريعة وهي تربط أي تحرك سياسي ب"وقف الارهاب". ولأن بيان شرم الشيخ ركز بشكل خاص على مسألة الارهاب، فقد اعتبر الاسرائيليون ان هذا البند يماشي المفهوم الذي روّجوه للأزمة. وحتى لو لم يكن العرب موافقين على ذلك المفهوم، إلا أن اسرائيل نجحت دائماً في مزج المفاهيم وتحويرها. انطلاقاً من ذلك، وعلى رغم ما تعهده شارون في العقبة، فإن اسرائيل لم تجد في القمتين ما يوجب تغيير نهجها العسكري. كان الوسطاء والمبعوثون الأميركيون والأوروبيون توصلوا الى استنتاج مفاده ان الاسرائيليين عطلوا عملياً الامكانات الفلسطينية التي يطالبون بتفعيلها ل"وقف العنف"، وحرصوا على جعل الاحتلال أداة وحيدة ممكنة للتعامل مع ذلك العنف. ومع أن حكومة شارون ذهبت في خططها الى أقصى حد من الوحشية، إلا أنها لم تتوصل الى فرض أي حل يضمن أمنها. قبل "خريطة الطريق" وبعدها، قبل القمتين وبعدهما، لا يزال الوضع على حاله: اسرائيل وأميركا تفرضان على الفلسطينيين شروطاً تعلمان مسبقاً ان السلطة الفلسطينية لم تعد تملك الوسائل الأمنية الكافية لتلبيتها. ثم ان اسرائيل ترفض أي هدنة وأي وقف للنار، لأنها اعتمدت اعتداءاتها أداة للاستفزاز استدراجاً للعنف المضاد. أخطر ما نشهده حالياً ان اسرائيل فهمت قمتي شرم الشيخ والعقبة كأنهما تزكية غير مباشرة لسياساتها، طالما أنهما خلصت الى موافقة على التوجهات الأميركية. لذلك لم ير شاؤول موفاز موجباً لإعادة النظر في التعليمات الموجهة الى جنوده بمواصلة سياسة الاغتيالات المبرمجة. بل أكثر من ذلك، قد يعتبر الاسرائيليون ان مهمتهم الآن ان يشعلوا التوتر والاضطراب بين الفلسطينيين، باعتبار أن هناك حكومة التزم رئيسها إنهاء ما يسميه "عسكرة الانتفاضة" وبالتالي فإن أفضل طريقة اسرائيلية ل"مساعدته" هي التدخل بينه وبين الفصائل المعارضة. تعرف حكومة "أبو مازن" انها إزاء وضع معقد وصعب، وإذ تراهن على حوار مع معارضيها وتعتقد أنها تستطيع التوصل الى تفاهمات معهم، إلا أن الاسرائيليين والأميركيين يريدون هذه الحكومة ان تراهن على "نصائحهم" من دون ان يظهروا استعداداً حقيقياً لتبني اجراءات ملموسة يمكن أن تُشعر الفلسطينيين بحصول فارق في الواقع الظالم الذي يعيشونه. على العكس، واصل الاسرائيليون في الاسبوعين الأخيرين هدم البيوت واصطياد الناس في الشوارع وفي المنازل، واستمروا في غارات لا هدف لها سوى القتل والتدمير، وجددوا سياسات الاغلاق. هذا النهج يعني عملياً أنهم يبحثون عن فتنة بين الفلسطينيين يمكن أن تبرر مطالب فلسطينية بتدخل طرف ثالث اسرائيلي لحسمها. كما ان هذا النهج يعني إبقاء الحكومة الفلسطينية في خانة التعجيز، فهي تبدي كل النيات الطيبة والاستعداد للعمل على وقف الانتفاضة من دون أن يلتزم الاسرائيلي بأي تفهم لوضعها، ومن دون أن تكون لديها الامكانات، حتى من دون ان يتاح لها ان تجرب تحقيق أهدافها بالحوار والوسائل السياسية. كان متوقعاً ان توقف "حماس" الحوار بعد قمة العقبة وما تخللها من طرح أميركي غبي لمسائل تهم الفلسطينيين كافة، لكن هذا الحوار سيعود لأن الضغوط علّمت الجميع ان يتمسكوا بمصالحهم.